اخبار السعودية

جريدة الرياض

سياسة

الخلايا الجذعية.. الواقع والأمل

الخلايا الجذعية.. الواقع والأمل

klyoum.com

محمد الحيدر

بعدما كانت الخلايا الجذعية مجرد أبحاث في المختبرات أو عناوين في المجلات العلمية، تحولت في السنوات الأخيرة إلى أفق علاجي واسع يفتح الباب لعصر جديد من الطب التجديدي.

وفي بلادنا، قطع هذا العلم خطوات ملموسة خلال فترة وجيزة، فبرامج زراعة نخاع العظم أصبحت واقعًا يخدم مئات المرضى، كما تأسست سجلات وطنية للمتبرعين وبنوك لدم الحبل السري، وبُنيت بنوك حيوية تحفظ العينات وتحوّلها إلى معرفة علمية يمكن أن تقود لاكتشافات دوائية وعلاجات مبتكرة، هذه الإنجازات تعكس طموح المملكة لأن تكون لاعبًا رئيسيًا في هذا المجال الذي يجمع بين الصحة والاقتصاد المعرفي.

ولترسيخ هذا التقدم، تظهر متطلبات جوهرية لا يمكن إغفالها، أولها القدرة التصنيعية، حيث إن إنتاج المستحضرات الخلوية يحتاج إلى معامل مطابقة لممارسات التصنيع الدوائي الجيد (GMP)، وهي بنية تحتية مكلفة وتتطلب خبرات دقيقة ونادرة، وثانيها نقص الكفاءات المتخصصة، إذ يحتاج هذا القطاع إلى أطباء وباحثين وصيادلة ومهندسين يعملون كفريق واحد، ما يحتم الاستثمار الجاد في التدريب والزمالات داخل وخارج المملكة.

بالإضافة إلى ذلك، التكلفة أيضًا تمثل تحديًا رئيسيًا، فالعلاجات الخلوية مازالت باهظة الثمن، ولن تصبح متاحة على نطاق واسع إلا حين تدخل ضمن سلال التأمين الصحي وفق نماذج قائمة على القيمة والفعالية، إلى جانب ذلك، تبقى البيانات حجر الزاوية، فنجاح الزراعة والعلاج يعتمد على سجلات دقيقة وموحّدة تربط بين المريض والعينة والنتائج السريرية. أما سلاسل الإمداد البارد، فهي عنصر حساس يتطلب شبكات نقل مبرّدة تضمن وصول الخلية إلى سرير المريض بالجودة والوقت المناسبين دون أي خلل.

وفي سياق متصل، أضحت البنوك الحيوية ثروة وطنية لا تقدّر بثمن، لكنها بحاجة إلى معايير موحدة للبيانات، ونظم حوكمة مرنة تسهّل وصول الباحثين وتربط الأبحاث بالصناعة والقطاع الدوائي.

والملاحظة الجوهرية هنا تبرز، وهي أن مواجهة هذه التحديات لا يمكن أن تتم بجهود منفردة، بل تتطلب تضافر الجهود وتقارب الجهات ذات العلاقة -من وزارات وهيئات ومراكز بحثية ومؤسسات خاصة- في منظومة متكاملة تضع المريض في قلب الأولويات وتعمل على تعزيز التكامل بدلاً من تكرار الجهود.

يمكن القول إن معادلة الخلايا الجذعية في المملكة تقوم على توازن دقيق بين الاستثمار والتنظيم، وبين العلم والتطبيق، وبين الأمل والواقعية. وحين تكتمل هذه المنظومة، لن تكون المملكة مجرد متلقٍ للتقنية، بل صانع للأمل ومركز عالمي للطب التجديدي.

*المصدر: جريدة الرياض | alriyadh.com
اخبار السعودية على مدار الساعة