الحملات الإعلامية في مناسباتنا الوطنية
klyoum.com
م. هاني الغفيلي
باتت الحملات الاتصالية التي تطلقها الجهات الحكومية في مناسبات مثل اليوم الوطني ويوم التأسيس وغيرهما من المناسبات الوطنية لمملكتنا الغالية ليست مجرد زخرفة إعلامية، بل أدوات فاعلة تبث الانتماء وتبلور المواطنة باعتبارها علاقة حيّة بين المواطن والمقيم ووطننا الغالي، تعزّز الشعور بانتمائنا الوطني.
ليس هذا فحسب بل يصل إلى ترسيخ الانتماء وتعميق الهوية الوطنية لدى فئات واسعة، خصوصًا الأجيال الشابة، فحين ترى المدن تُزيَّن بالألوان الوطنية، وتُسَّلط الأضواء على الرموز التاريخية، وتُروَّج قصص المؤسّسين والبطولات، يُصبح الحاضر امتدادًا لتاريخٍ يُفخر به المواطن، هذه الصور المتكررة تبني ذاكرة جماعية متماسكة تُقوّي الروابط بين الفرد والجماعة.
في الواقع، تشير المعطيات إلى أن الاحتفالات الوطنية في المملكة لم تعد مناسبة من يوم واحد فقط، بل موسم يمتد أسابيع، ففي 2024، شارك أكثر من 33 مليون سعودي في فعاليات اليوم الوطني وهو رقم يعكس مدى اتساع الأثر الاجتماعي لهذه الحملات، ما يعكس أن الحملات الوطنية لا تكتفي بالبعد الرمزي بل تنشط في البُعد الاقتصادي والاجتماعي أيضًا.
الحملة الاتصالية الحكومية الناجحة تُسخّر وسائل الاتصال التقليدية والرقمية من اللوحات في الشوارع، وشاشات البث، البث التلفزيوني، الإعلانات الرقمية، وسائل التواصل الاجتماعي، وحتى الفعاليات الحيّة في المدن، وحينما تتزامن هذه القنوات في رسالة موحدة، تنتقل الحملة من كونها مُرسَلة إلى تجربة يشارك فيها الجمهور.
وعلى سبيل المثال، في عام من الأعوام، أشارت إحصائية في عام 2023 إلى أن 84 ٪ من مستخدمي منصة إكس في السعودية ينتظرون تفاعل الجهات الرسمية في اليوم الوطني، بينما 72 ٪ يتوقعون أن تتفاعل الماركات المحلية، و80 ٪ يرون أن نشاط الجهات الحكومية مهم في تلك المناسبة، هذا يعني أن الجمهور لا يعتبر الأمر ترفًا بل جزءاً من التفاعل المجتمعي.
على المستوى الإقليمي والعالمي، وفي دول أخرى، تُستخدم الحملات الوطنية لتحقيق تأثير مماثل: رسائل تُركّز على الهوية المشتركة، والرموز الوطنية، وفعاليات تشاركية في المدن، وهاشتاغات يُدعى الناس للمشاركة فيها رقميًا.
مثل هذه الحملات تُكرّس فكرة أن المواطنة ليست واجبًا رسميًا فقط بل فخر يُعبَّر عنه علنًا، وهذه الظاهرة ليست محلية فحسب؛ دول متعددة تطلق حملات خلال أعيادها الوطنية لتعزيز اللحمة الاجتماعية والاجتهاد في المشاركة المجتمعية.
حملات التوعية والاتصال تُعد من الأدوات التي تسهم في بناء السلوك المدني، فهي تُسهم في تحسين المعرفة بالمؤسسات، كما أن الحملات المستدامة تقود إلى تغيّر في المواقف بدرجة ملموسة إذا ما تكررت الرسائل وشاركت بطرق متنوعة.
لكن ليس كل حملة تؤتي ثمارها كي تنجح، يجب أن تكون الرسالة موجهة بوضوح، مترابطة مع القيم الوطنية، ومرتبطة بمواكبة اللحظة الاجتماعية، بأن تستجيب لمشاعر الناس وتجاربهم، كما أن السرعة في إطلاق الحملة، والتوقيت الجيد، والتفاعل اللحظي مع الجمهور، مهم جدًا.
من جهة الجهات الحكومية، عليهم أن يعملوا نسقًا تكامليًا بين قطاعات الثقافة، الإعلام، التعليم، وغيرها من الجهات المعنية بالترويج الرقمي، والتنسيق في المحتوى وتوحيد الهوية البصرية أمر حاسم، وعندما تُدمَج المبادرات على الأرض مع الوسائط الرقمية، يستطيع المواطن أن يلمس الرسالة.
في الختام، الحملات الاتصالية للمناسبات الوطنية في السعودية ليست مجرد أعمال إعلامية مؤقتة، بل منابر لبناء الهوية وتعزيز المواطنة. عندما تُحرَّك هذه الحملات بذكاء، وتُصمَّم بروح وطنية، وتُنفَّذ على مدار الوقت، فإنها تنتج ذلك الشعور العميق، أن هذا الوطن ليس فقط كيانًا ماديًا بل قصة نرويها في حاضرنا وتُسجَّل في وجدان جيلٍ قادم.