أنا والذكاء الاصطناعي في الصين
klyoum.com
أخر اخبار السعودية:
أمير المدينة المنورة يطلق أعمال رخص الكشف التعديني في حزام جبل صائدد. خالد رمضان
عدت للتو من الصين، بعد أسبوع حافل في شنغهاي، المدينة الساحرة التي تجمع بين أبراج الزجاج اللامعة وأصداء التاريخ القديم، حيث تشعر هناك وكأنك تعيش في كوكب آخر يبرمج فيه التنين العالم، ملتفاً بشبكات الدوائر الإلكترونية المتدفقة كشلالات نياجرا، وفي ليالي شنغهاي المتلألئة كحرير مسجر بالبرق، يمكنك أن تقرر بوضوح أن هذه هي مدن الذكاء الاصطناعي، والذي ينفجر اليوم بطريقة مذهلة من بلد تمتد حضارته العريقة إلى 5000 عام.
عندما كنت أتأمل أبراج شنغهاي التي ترتفع كأعمدة معبد للتكنولوجيا، أدرك أن الصين ليست دولة عادية، بل هي قوة تنبض بالحيوية، تحول ترابها الذي أنجب الحرير والبارود إلى ذكاء اصطناعي.. يمكنك أن تشاهد حالة الشغف في وجوه الباحثين والمهندسين الصينيين الذين يطورون نماذج الذكاء الاصطناعي، وكيف يقومون بتشكيل المستقبل وفقاً للحلم الصيني، ولأن الأرقام لا تكذب، فقد بلغت استثمارات الذكاء الاصطناعي في الصين هذا العام 890 مليار يوان (125 مليار دولار)، مرتفعة 18% عن عام 2024، وبهذا تشكل 38% من الاستثمارات العالمية في القطاع المزدهر، وقد ساهمت الحكومة بنسبة 39% (345 مليار يوان)، مع نمو بنسبة 25% في المجالات الحساسة مثل السيارات ذاتية القيادة (22% من الاستثمارات)، والرؤية الحاسوبية (18%)، ومعالجة اللغة الطبيعية (NLP) (15%).
في بكين، عاصمة البحث الأساسي، تتركز 28% من الاستثمارات (249 مليار يوان)، على السيارات الذاتية والرؤية الحاسوبية، أما شنتشن، المدينة البركانية للابتكار، فتحصل على 24% (214 مليار يوان)، مع التركيز على المعالجة العصبية والتطبيقات الذاتية، وفي شنغهاي، بحر البرمجيات المتدفق كنهر اليانغتسي، تأتي 19% (169 مليار يوان)، مما يجعل المدن الثلاث تشكل 71% من الاستثمارات العالمية، وتضم شنغهاي وحدها حوالي 1000 شركة ذكاء اصطناعي، بقيمة 400 مليار يوان (55 مليار دولار).
ولأنه ليس من سمع كمن رأى، فقد سألت نفسي وأنا في قلب شنغهاي، هل ستفوز الصين في معركة الذكاء الاصطناعي؟ ورأيت أن هناك عدة أسباب موضوعية ترجح ذلك، أبرزها هيمنة الصين البحثية بوضوح، ولنأخذ الرؤية الحاسوبية كمثال، وهو مجال يُمكّن الآلات من تفسير البيانات المرئية والتفكير فيها، وهي تُشكل أساس كل شيء، من المركبات ذاتية القيادة والروبوتات إلى التصوير الطبي والمراقبة، في أكتوبر الماضي، عُقد المؤتمر الدولي للرؤية الحاسوبية (ICCV) في هاواي، وهو أحد أعرق وأبرز فعاليات الرؤية الحاسوبية في العالم، وكانت نصف الأبحاث المقدمة في المؤتمر مقدمة من مؤسسات صينية، متقدمةً بفارق كبير على نظيرتها الأمريكية التي احتلت المركز الثاني، والتي مثّلت 17% من الأبحاث، وإذا أُخذنا في الاعتبار المواطنون الصينيون العاملون في الخارج، لكانت الفجوة أكبر.
وبناءً على هذا المقياس البسيط، فقد فازت الصين بالفعل، حيث تصدّرت العالم من حيث حجم وظهور أبحاث الرؤية الحاسوبية المتطورة، مما شكّل جدول أعمال أحد أكثر مجالات الذكاء الاصطناعي حيوية، وباعتقادي، فإن هذه القوة الصينية تنبع بالأساس من التخطيط الاستراتيجي طويل الأمد، ففي عام 2017، أطلقت بكين خطتها لتطوير الجيل الجديد من الذكاء الاصطناعي، وهي استراتيجية وطنية تهدف إلى جعل الصين رائدة عالميًا في مجال الذكاء الاصطناعي بحلول عام 2030، وقد حظي هذا الطموح بدعم استثماري ضخم من الدولة، من خلال إطلاق صندوق استثماري بقيمة 138 مليار دولار، مخصص لتمويل قطاعات "التكنولوجيا الصعبة" مثل الذكاء الاصطناعي وأشباه الموصلات والحوسبة الكمومية.
تُدير الحكومات الإقليمية والشركات المملوكة للدولة العديد من الصناديق التي تستثمر بالشراكة مع شركات خاصة، وتُنشئ هذه الصناديق، معًا، منظومة مالية منسقة تُمكّن من توسيع نطاق التقنيات من المختبرات إلى الأسواق بسرعة، وتستضيف مدن مثل بكين وشانغهاي وشنتشن مراكزَ حوسبةٍ ضخمةً للذكاء الاصطناعي، تُعرف باسم "مصانع الذكاء الاصطناعي"، حيث تُوفّر القوةَ الحاسوبيةَ لكلٍّ من البحثِ والصناعة، وتُطور شركاتُ التكنولوجيا العملاقة، مثل هواوي، وعلي بابا، وبايدو، وديب سيك، نماذجَ تنافسيةً واسعةَ النطاق وبدائلَ أجهزةٍ عاليةَ الأداء، ورغم أن ضوابط التصدير تحد من الوصول إلى أكثر الرقائق تقدماً، فإن الباحثين الصينيين يعملون على تحسين الخوارزميات لتحقيق أداء فعال على الأجهزة المحلية، وهي السمة المميزة للابتكار في ظل القيود، وفي الوقت نفسه، تضم الصين الآن عددًا أكبر من حاملي الدكتوراه في العلوم مقارنةً بأي دولة أخرى، مما يضمن وجود قاعدة راسخة من خبراء الذكاء الاصطناعي للحفاظ على الزخم.