الاقتصاد الرياضي.. بين التعصب والوعي
klyoum.com
أخر اخبار السعودية:
هكذا تفاعل رونالدو مع فوز النصر على الزوراء في العراقحسين بن حمد الرقيب
لم تعد كرة القدم مجرد منافسة رياضية، بل أصبحت صناعة متكاملة تقودها استثمارات ضخمة وتشابكات مالية عابرة للحدود، فقد ارتفع حجم سوق كرة القدم عالميًا إلى مئات المليارات، مدفوعًا بحقوق بث تلفزيوني تُباع بأسعار قياسية، وصفقات رعاية تتنافس عليها كبرى الشركات، إضافة إلى إيرادات التذاكر والمنتجات الرسمية، ففي أوروبا على وجه الخصوص، تحولت الأندية الكبرى إلى كيانات اقتصادية تُدار بعقلية الشركات، حيث تُقاس قيمة النادي ليس فقط بما يحققه من بطولات، بل بما يضيفه من عوائد مالية، صفقة انتقال واحدة يمكن أن تُعيد رسم ميزانية موسم كامل، وهدف في مباراة مصيرية قد يرفع من قيمة حقوق البث ويروّج لمدينة سياحية، بذلك أصبحت كرة القدم رافعة اقتصادية عالمية، تمزج بين الشغف الجماهيري والمنطق الاستثماري، لتبرهن أن المستطيل الأخضر لم يعد ملعبًا للرياضة فحسب، بل ساحة مؤثرة في الاقتصاد العالمي.
أما في عالمنا العربي، فإن الإعلام الرياضي الذي يفترض أن يكون مرآة للوعي تحوّل إلى مكبّر صوت للتعصب، جلّ ما نسمعه في البرامج ليس تحليلًا ولا قراءة للأرقام ولا كشفًا لآفاق الاستثمار، بل خصومات شخصية ومناكفات لا تختلف عن ضجيج المدرجات، المذيع يتقمص دور المشجع أكثر من كونه ناقلًا للوعي، والمحلل يرفع صوته ليكسب المتابعين بدل أن يرفع منسوب الفهم، وكأن بعض الإعلاميين لم يدركوا بعد أن الرياضة كبرت وصارت اقتصادًا، وما زالوا يتعاملون معها كمعارك أحياء بين أنصار هذا النادي وذاك.
الإعلاميون الرياضيون يهربون من مواجهة الأرقام الجادة؛ لا يحللون جدوى عقود الرعاية، ولا يتابعون أثر خصخصة الأندية، ولا يناقشون مردود استضافة البطولات، بل يغرقون ساعات الهواء في أسئلة عقيمة: من ظلم الحكم؟ من استفاد من تقنية الفيديو؟ من هو اللاعب التاريخي؟ والنتيجة: جمهور يُساق للتعصب والانقسام بدل أن يُبنى وعيه على إدراك أن الكرة أصبحت صناعة واقتصادًا.
رؤية السعودية 2030 تعمل على إعادة تعريف مفهوم الرياضة فهي ليست مجرد تسلية، بل أداة اقتصادية وسياحية وثقافية، تعمل وفق منهجية علمية صحيحه، من استضافة البطولات الكبرى، واستقطاب نجوم الصف الأول، وضخ الاستثمارات، وهي إشارات إلى أن الرياضة لم تعد ترفًا، ومع ذلك، الإعلام الرياضي، وفي طليعته بعض الوجوه التي تملأ الشاشات ليلًا ونهارًا، يصر على أن يعيش في الماضي، وكأن مهمته الوحيدة هي زيادة أعداد المتعصبين في المدرجات.
إننا بحاجة إلى إعلام رياضي شجاع يتخلى عن دور "المشجع المؤثر" ويتقمص دور "المثقف المفسر" بحاجة إلى مذيع يقرأ تقارير الاستثمارات لا نتائج المباريات فقط، وإلى محلل يشرح للجمهور أثر صفقة لاعب على السياحة والاقتصاد لا على ترتيب الدوري فقط، أما أولئك الذين لا يعرفون من الرياضة سوى رفع الأصوات وتوزيع التهم، فهم خارج اللعبة الجديدة مهما حاولوا الادعاء أنهم في قلبها، فالرياضة لم تعد عرقًا على العشب فقط، ولا صرخة مشجع في المدرج، بل اقتصاد يتنفس، وصناعة تنمو، وحياة تتجدد، ومن لا يواكب هذا التحول من الإعلاميين، فليستعد لمغادرة المشهد، لأن صوت التعصب لم يعد عملة مقبولة في سوق الرياضة الحديثة.