اخبار السعودية

جريدة الرياض

سياسة

تحية الإسلام

تحية الإسلام

klyoum.com

أ.د. حمزة بن سليمان الطيار

إلقاء السّلام ابتداءً من السنن العظيمة، وإذا كان معك غيرك كان إلقاء السلام سنة ‏كفائيّة في حقّكم، فإذا مرّ اثنان أو جماعة بشخص أو جماعة، وبادر أحد المارّة بإلقاء السلام ‏كان مؤديًا للسنة عن نفسه وعن رفقائه على حدّ سواء، وأقلّ ما تتأدّى به تحية السلام: ‏‏(السلام عليكم)، فإذا زاد ازداد أجره، ولا ينبغي الزهد في تلك الزيادة..

يحرص الإسلام على مدّ الجسور بين الأفراد، وإشاعة الودّ والوئام في المجتمع، وقد شرع ‏في سبيل تحقيق ذلك منظومةً متكاملةً من الوسائل، تُفضي إلى ذلك المقصد النبيل، ومن ‏ضمن تلك الوسائل حقوقٌ اجتماعيّةٌ عامةٌ متبادلةٌ بين الناس، تترجم عن الأخوّة والتعاطُف ‏وزكاء النُّفوس، وكثيرٌ من هذه الحقوق لا تستدعي جهداً بدنيّاً، ولا تكلفةً ماديّةً، بل تكون ‏بأفعال وأقوال ميسورة، لكن لها قيمةٌ لا تُضاهى، ومن تلك الحقوق بثُّ السلام، وهو أكثرها ‏شُيوعاً، والبواقي إنما يُؤتى بها لمناسبة معيَّنة كعيادة المريض وإجابة الدعوة، أما السلام ‏فمطلوبٌ كلَّما تجدَّدَ اللّقاءُ، والسلام كلماتٌ خفيفةٌ على اللسان، لكنها تخرجُ من قلب الأخ ‏ناطقةً بلسان المودة، فيهشُّ لها قلب من تلقّاها، وتجلب المحبة والوئام، ومصداق ذلك ما ورد ‏في حديث أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله تعالى عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ: «لَا ‏تَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمنُوا، وَلَا تُؤْمنُوا حَتَّى تَحَابُّوا، أَوَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى شَيْء إذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ؟ ‏أَفْشُوا السَّلَامَ بَيْنَكُمْ»، أخرجه مسلمٌ، وقال بعض العرب:‏

‏‌كيف ‌أَصْبَحْتَ ‌كيف ‌أَمْسَيْتَ ممَّا

يَزْرَعُ الوُدَّ في فؤاد الكريم‏

وقد توهّم كثيرٌ من الناس أن كثرةَ مواطن مشروعيّة السلام يقلّلُ من أهميَّته، وليس ‏كذلك، بل تشريعُه هكذا دليلٌ على عمق أثره، وعلوّ منزلته بين الحقوق، ولي مع تحية ‏الإسلام وقفات:

الأولى: إلقاء السّلام ابتداءً من السنن العظيمة، وإذا كان معك غيرك كان إلقاء السلام سنةً ‏كفائيّةً في حقّكم، فإذا مرّ اثنان أو جماعةٌ بشخص أو جماعة، وبادرَ أحدُ المارَّة بإلقاء السلام ‏كان مؤدياً للسنة عن نفسه وعن رفقائه على حدّ سواء، وأقلُّ ما تتأدّى به تحية السلام: ‏‏(السلام عليكم)، فإذا زاد ازداد أجره، ولا ينبغي الزهد في تلك الزيادة، فعن أبي هريرة رضي ‏الله تعالى عنه أَنَّ رَجُلًا مَرَّ عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ وَهُوَ في مَجْلس فَقَالَ: السَّلَامُ ‏عَلَيْكُمْ فَقَالَ: (عَشْرُ حَسَنَات)، فَمَرَّ رَجُلٌ آخَرُ فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّه، فَقَالَ: ‏‏(عشْرُونَ حَسَنَةً)، فَمَرَّ رَجُلٌ آخَرُ فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّه وَبَرَكَاتُهُ. فَقَالَ: (ثَلَاثُونَ ‏حَسَنَةً)، أخرجه البخاري في الأدب المفرد، وصححه الألباني، وأولى الأوقات بالمبادرة بإلقاء ‏السلام هو وقت الهجران؛ لأن المبادر به خيرٌ من صاحبه، فعنْ أَبي أَيُّوبَ الأَنْصَاريّ رضي ‏الله تعالى عنه: أَنَّ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ قَالَ: "لاَ يَحلُّ لرَجُل أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ‏ثَلاَث لَيَال، يَلْتَقيَان: فَيُعْرضُ هَذَا وَيُعْرضُ هَذَا، وَخَيْرُهُمَا الَّذي يَبْدَأُ بالسَّلاَم " متفق عليه.‏

‏الثانية: ردُّ السلام فرضٌ لا يسوغ تركه، وإذا أُلقيَ السلام على أكثر من شخص في مكان ‏واحد، كان ردُّه فرضَ كفاية إذا قام به أحدهم سقطَ عن البقيّة، ولا أقلَّ من أن يكونَ الردُّ ‏كالسلام الأول، فإن زاد فهو خيرٌ، كما قال تعالى: (وَإذَا حُيّيتُمْ بتَحيَّة فَحَيُّوا بأَحْسَنَ منْهَا ‏أَوْ رُدُّوهَا)، فلا يسوغ لمن ألقي عليه السلامُ أن يجيب بقوله: "هَلَا"، أو "مرحبا"، أو نحو ‏ذلك، فهذا ليس ردّاً للسلام، فمعنى قولنا: السلام عليكم: سلمّكم الله من الأضرار ‏والآفات، فهي صيغة دعاء، وفيه طَمْأَنَةٌ وتأمينٌ، كما قال بعض العلماء، فيحملُ معنى: ‏أنت في ‌أمان ‌من إيذائي لك، فأعطني الأمان من أذاك، والسَّلام هو تحيةُ أهل الجنة كما قال ‏تعالى: (وتحيتهم فيهَا سَلام} قال بعض المفسرين: (يعْنى: تَحيَّة بَعضهم بَعْضًا يكون ‏بالسَّلَام، أو تَحيَّة الْمَلَائكَة لَهُم بالسَّلَام، أو تَحيَّة الله لَهُم بالسَّلَام)، فكيف تنوب كلمة ‏‏"هلا" عن ردّ هذه التحيّة العظيمة؟

الثالثة: للسلام آدابٌ شرعيّة ينبغي أن يُعتَنى بها، فمنها ما يتعلق بمن يطلب منه أن يبادر به، ‏وقد ورد في ذلك حديث أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله تعالى عنه، عَن النَّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ قَالَ: ‏‏«يُسَلّمُ الصَّغيرُ عَلَى الكَبير، وَالمَارُّ عَلَى القَاعد، وَالقَليلُ عَلَى الكَثير»، ومنها أن تراعى ‏المصلحةُ في مستوى الصوت، فإذا سلم في مكان فيه نائمون ومستيقظون أسمع اليقظان، ولم ‏يُوقظ النَّائمَ، فعن المقداد بن الأسود رَضيَ اللَّهُ تعالى عَنْهُ قَالَ: (كَانَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْه ‏وَسَلَّمَ يَجيءُ منَ اللَّيْل فَيُسَلّمُ تسليماً لا يُوقظُ نائماً ويُسْمعُ اليَقْظَان)، أخرجه مسلمٌ، ومنها ‏بذلُ السلام على وجه العموم، وهذا هو المقصود بإفشاء السلام، أي تكثيرُه وإشاعته، وذلك ‏من أعظم الأعمال، فعَنْ عَبْداللَّه بْن عَمْرو رَضيَ اللَّهُ تعالى عَنْهُمَا، أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ ‏عَلَيْه وَسَلَّمَ: أَيُّ الإسْلاَم خَيْرٌ؟ قَالَ: «تُطْعمُ الطَّعَامَ، وَتَقْرَأُ السَّلاَمَ عَلَى مَنْ عَرَفْتَ وَمَنْ لَمْ ‏تَعْرفْ»، متفق عليه، فإلقاء السلام على من عرفتَ ومن لم تعرف من أعظم أعمال ‏الإسلام، ونجده في هذا الحديث قد قُرنَ بإطعام الطعام المعلوم ما فيه من الكُلفة الماديّة، وفي ‏هذا دليل على أنَّ إشباعَ الروح بالمودّة كإشباع البطون بالمأكول.‏

*المصدر: جريدة الرياض | alriyadh.com
اخبار السعودية على مدار الساعة