المملكة تكرّم علماء العالم
klyoum.com
أخر اخبار السعودية:
الموارد البشرية تشكل أكبر علم سعودي بفن الفسيفساءد. مشاري النعيم
ربما نحن بحاجة إلى إعادة التفكير في علاقتنا مع العالم، فهل نحن مجرد داعم أو صانع للتغيير؟ لابد أن نفكر بمنطق المؤثر الذي يترك أثرًا ويصنع التغيير.. وهذا يتطلب فهمًا عميقًا لمواطن التغيير التي تؤثر على مستقبل الإنسان، فكل تغيير يعني محطة جديدة في التاريخ البشري، وإما أن نكون داخل هذه المحطة أو خارجها..
ليس غريبا على أبناء المملكة أن يمتد تأثيرهم وعطاؤهم إلى خارج المملكة، وأن يكرسوا وجودهم في المحافل الدولية المؤثرة، فهذا جزء من ثقافتهم التاريخية وبنية أصيلة في منهج تفكيرهم. جائزة اليونسكو – الفوزان الدولية لتشجيع العلماء الشباب هي الجائزة الأبرز على مستوى العالم في مجال العلوم والتقنية والهندسة والرياضيات (ستم) وهي الجائزة السعودية الوحيدة في منظمة اليونسكو التي اعتمدت من قبل المجلس التنفيذي للمنظمة في أكتوبر 2021 واحتفلت يوم الجمعة الفائت في مقر اليونسكو بباريس بدورتها الثانية قدمت خلاله خمسة فائزين من القارات الخمس في مجالات علمية مؤثرة. إنها رسالة من السعودية إلى العالم. فالاحتفاء هنا بالعلم وبالعلماء وبكل ما ينفع الإنسانية ويساهم في تقدمها. إنه قدر أبناء المملكة أن يكون لهم هذا الدور في خدمة البشرية كما كان هو قدر أجدادهم منذ قرون طويلة. لقد كانت مهمة الجائزة خلال الأربعة الأعوام الفائتة هي البحث عن المواهب العلمية واكتشافها، خصوصا إذا ما كانت أعمال تلك المواهب تساهم بشكل مباشر في حل المعضلات الكبيرة التي تواجه المجتمعات الإنسانية في كل مكان في العالم، ومع ذلك فإن طموحات الجائزة تنصب بشكل أكبر على أبناء المملكة والعالم العربي من خلال البرامج الموازية التي تقدمها بشكل مستمر.
نحن نتحدث هنا عن مبادرة نوعية راسخة الجذور متمسكة بفلسفة السعودية المنفتحة على المستقبل ناقلة لرسالة رؤيتها 2030 التي تتجاوز الانغلاق وتنفتح على المستقبل وعالمه الفسيح. الجائزة تعمل ومنذ لحظاتها الأولى على المشاركة في قوة المملكة الناعمة وهي تدرك بعمق أن السعودية قوة صلبة لا يستهان بها، فهي قلب الإسلام والعروبة وهي رائدة الطاقة في العالم مما يعني أن التوازن بين الحضور السياسي والثقافي والاقتصادي على مستوى العالم يجب أن يوازيه حضور على مستوى البناء المعرفي والعلمي وخلق مفاهيم جديدة في التنشئة العلمية.
في الواقع تضع جائزة اليونسكو – الفوزان كل هذه الاعتبارات في ميزان حساس يميل إلى دعم القوة الناعمة للمملكة كي تساهم في خلق صورة ذهنية جديدة، فهي لا تكتفي بتغيير الصورة الذهنية بل تريد خلق صورة ذهنية جديدة لمجتمع يعمل من أجل مستقبل بلاده ومن أجل رفاهية البشرية. هذا الهدف الكبير لا يتحقق بالأمنيات بل بالعمل الصامت الدؤوب، ولعل هذا ما كان يفكّر فيه عبدالله الفوزان عندما بدأ خطواته الأولى لتأسيس هذه الجائزة المهمة والمؤثرة. كان تفكيره منصبا على المساهمة في خلق مجتمع علمي لشباب المملكة أولا ثم العالم.
كان تركيز الجائزة من البداية على انخراط العلماء السعوديين في أعمال الجائزة فكان الاتفاق مع منظمة التربية والثقافة والعلوم (اليونسكو) على أن يكون التحكيم دائما في الرياض أو أي مدينة سعودية مع تنظيم لقاء علمي يحضره المحكمون والعلماء الشباب من المملكة، وهذا ما قامت به الجائزة حيث نظمت منتدى "عين على المستقبل" 1و2 على التوالي في مدينة الرياض وشكل كل منها ظاهرة علمية متفردة خصوصا الأخيرة التي عقدت في شهر أبريل من هذا العام وشارك فيها ممثلو "ستم" حول العالم بالإضافة الى المحكمين. تكمن الفكرة بشكل أساسي في خلق بيئة علمية (scientific eco system) لكن الجائزة تعي أن خلق مثل هذه البيئة يتطلب التأني والصبر والعمل الدؤوب، أي أن التغيير في العقل العلمي والمعرفي ليس مسألة هينة، بل يتطلب رؤية واضحة وعملا منظما. هذا التوجّه مرتبط بشكل مباشر برؤية المملكة، فتحقق الرؤية يتطلب وجود مبادرات تحمل رسالتها الواسعة والممتدة.
ومع ذلك يجب أن نذكر أن كل بيئة علمية لا يمكن أن تنهض وتتطور إلا من خلال المنافسة، ولعلنا ذكرنا في مناسبات سابقة أن أحد أهداف الجائزة هو الدفع بالعلماء السعوديين الشباب إلى منافسة الآخر في العالم في مجالات العلوم المختلفة. مثل هذا التنافس يجعلنا نكتشف نقاط القوة والضعف ويجعلنا نعيد التفكير في كثير من الأهداف وآليات تحقيقها. في حفل الجمعة في القاعة الكبرى في مقر اليونسكو في باريس كان التنافس كبيرا بين علماء العالم الشباب للحصول على خمس جوائز مصنفة حسب مناطق اليونسكو الخمس فكان هناك فائزة من المغرب عن المنطقة العربية وفائز من نامبيا عن أفريقيا بينما فاز عالم من الصين للمرة الثانية عن آسيا والباسفيك وفائزة من قبرص عن أوروبا وأميركا الشمالية وأخيرا حازت عالمة من البيرو عن أميركا اللاتينية. احتفاء واسع من المملكة، ممثلا بجائزة اليونسكو – الفوزان، لعلماء العالم. إنه احتفاء يفتح حدقة العين على المستقبل ويحث العلماء السعوديين الشباب للدخول إلى حلبة المنافسة بثقة.
ربما نحن بحاجة إلى إعادة التفكير في علاقتنا مع العالم، فهل نحن مجرد داعم أو صانع للتغيير. في اعتقادنا الشخصي، والجائزة تحتفي بعلماء العالم في نفس التوقيت الذي نحتفي جميعا بيوم الوطن، لابد أن نفكر بمنطق المؤثر الذي يترك أثرا ويصنع التغيير. ربما كانت فكرة الجائزة وأفكار أخرى قدمها الفوزان مهمومة دائما بخلق الأثر، وهذا يتطلب فهما عميقا لمواطن التغيير التي تؤثر على مستقبل الإنسان، فكل تغيير يعني محطة جديدة في التاريخ البشري وإما أن نكون داخل هذه المحطة أو خارجها.