الحواس يكتب ذاكرة التحول في أغنية التَّمر والتين
klyoum.com
أخر اخبار السعودية:
بصحبة أحلام.. عبد الله الرويشد يظهر لأول مرة بعد رحلة العلاج (فيديو)في روايته (أغنية التمر والتين) يكتب عبدالله الحواس نصًا يتجاوز السيرة الفردية ليصبح شهادة لمجتمع كامل في لحظة تحول.
تبدأ الحكاية من بيت طيني بمنطقة الهفوف بمنتصف القرن العشرين ومن عالمٍ صغير حول طفل أبكم فقد والدته أثناء ولادتها له. هذا الطفل لايجد صوته لكنه يحمل في صمته مرآةً لمجتمعٍ بأكمله، مجتمعٍ يتأرجح بين الماضي المتجذّر وحاضرٍ يتبدّل بسرعة مدهشة.
اخنيار العنوان نفسه يحيل إلى ثنائية رمزية: التمر بما يحمله من ديمومة وجذور، و التين بما يوحي به من موسمية وانتهاء سريع. فمن خلال هذه الثنائية يكتب الحواس قصة مجتمع ينتقل من زمن الطين إلى تقاليد الحداثة الصلبة بصورة متسارعة؛ فالهفوف لم تكن مجرد خلفية مكانية بل هي فضاء تاريخي له خصوصيته.
عرفت لقرون بأنها قلب واحات الاحساء وواحدة من أبرز مراكز النخيل في العالم .
التمر فيها ليس غذاء فحسب بل رمز للهوية ولشبكة علاقات اجتماعية لاترتبط بموسم الحصاد فقط، أما التين فيأتي كرمز للتحولات وكمؤشر على زمن جديد يقتحم الحياة بثمار ورموز أخرى.
فبهذا التوظيف تتحول الرواية لتأصيل تاريخي لمكان بعينه ولمنطقة عبرت من اقتصاد الواحة والزراعة التقليدية إلى موجات التحديث والبناء فمن البيت الذي يحتضن العائلة الممتدة إلى العمارة الحديثة التي تعيد تشكيل العلاقات والوجوه.
في الرواية لا تتلخص الأبوية بحضور والد محيميد الشخصية الرئيسة بل من خلال منظومة متكاملة من السيطرة. الجدّة تفرض صرامتها والعمة تراقب والأب يحضر ويغيب كقوة غامرة لايمكن الفكاك منها؛ وصويلحة التي تحاول ترميم كل هذه العلاقات حتى وإن كانت تعويضّا بديلًا يتلاشى مع التذكير بموقعها من الأسرة التي حتى وإن تعاملت معها برفق لكنها بالرغم من محوريتها في السرد فهي لاتتجاوز خطوطًا تعطل من حركتها. والواقع القاسي بأحكامه التي انتزع مرزوقًا منه بقوة القدر الذي أعطى فرصة لانفراجة مذهلة لكنها سرعان ما اختفت بقسوة يشعر بها محيميد بشكل اعتيادي.
كل هذه الأصوات تلتف حول الطفل لتشكل عالمه لكنها لاتمنحه حنانًا أو حرية؛ رغم بأن الجميع _ ولو بصورة نسيبة_ يمتلك القدرة على اتخاذ القرار. لتتحول الرواية ببعض الأماكن فيها إلى نص عن الوصاية وتجعل الصمت شكلًا من أشكال النجاة.
محيميد ذاك « الأبكم « هذه المشكلة لم تكن عجزًا بيولوجيًا بالمعنى المطلق؛ بل هو استعارة عن جيل لم يمسح له بالكلام في مواجهة أبوية خانقة؛ يصبح معها الصمت لغة بديلة، أو كاحتجاج خفي على واقع لايمنح الفرد فسحة للتعبير، من هنا يغدو البكم صوتًا آخر: صوت المكبوت العالق بين الرغبة في التعبير والأب الذي يختصر النطق برأي واحد.
البكم الذي يعاني منه محيميد لم يؤثر فقط على قدرته على الكلام وحسب بل أضعف حضوره في عالمه الاجتماعي. وهنا يظهر صراع آخر شخصي – اجتماعي:
راغب ابن العائلة يتزوج ابنة خاله ذي المكانة المرموقة رغم أنه دون مستواها الأخلاقي والوجداني؛ والتي تناسب محيميد الذي هام في هواها ويعتبر لائقًا لها من كل الجوانب عدا مشكلته الخُلقية. مايثمل ذلك ضياع فرصة حقيقية كانت لتشكل حياة جديدة لمحيميد وبشكل مختلف كليًا.
هذه الواقعة تكشف كيف يمكن للصمت والإقصاء الاجتماعي أن يحرما الفرد من فرصه، ليس فقط في الحب بل في ممارسة إرادته وحقه في اختيار حياة يستحقها.
وفي النهاية « أغنية التمر والتين « نص جماعي عن وعن ذاكرة تاريخية ومجتمعية لمنطقة لها رمزيتها في الخليج العربي. إنها رواية تكشف عن الابوية لكنها تنشد أغنية عن الفقد وعن ضياع الفرص وعن الإرادة في مواجهة الصمت والتسلط، لتبقى حكاية تحاكي كل من شعر بأنه صامت أم الحياة وفرصه ضاعت أمام عينيه قبل أن يُسمع صوته ولكل من شعر بأن العالم يمضي والأبوية تمسك بزمام مصيره. لنشعر بالضياع ونتذكر أن وراء كل صمت قصة تحتاج أن تروى.