اخبار السعودية

جريدة الرياض

سياسة

احذر الباب الدوار

احذر الباب الدوار

klyoum.com

فهد الأحمري

هنالك كلمات معينة -هي ومشتقاتها- وبكافة معانيها، تثير في نفسي خليطا من القلق والفضول، ومنها: الباب..

-ولا شك- فحياتنا كلنا هي سلسلة من الأبواب؛ نقف أمامها أحيانا، ونرتطم بها غالبا. طبعا لا أقصد (باب رزق) فأنا -ولله الحمد- أؤمن بأن الرزق يلاحق صاحبه.

القضية أنني في كل مرة أفتح فيها بابا لفرصة عمل، تواجهني أبواب مسؤوليات وشروط تعجيزية. ومما لفتتني مقولة لأحدهم إنه الشخص الوحيد الذي لو قيل له: "هذا هو باب الثراء"، فسيجد خلفه مجموعة نجارين لديهم أمر إغلاقه بأخشاب أغلظ من الفولاذ.

وبالتأكيد، لا أقصد (باب الطوارئ) في الطائرة، فأنا لا أختار المقعد الملاصق له! لأنني شاهدت في الأفلام أن من يفتح الباب في الجو يصبح (بابا نويل) مؤقتا.. ثم يتحول إلى ضباب سميك!

أما أسوأ نوع من الأبواب بالنسبة لي، فهو (الباب الدوار)؛ الذي أراه رمزا للحيرة الإنسانية، تدخل فيه بنية الخروج منه، فتعود لنقطة البداية، وهو تماما ما يقع لي في كل حمية غذائية جديدة أو برنامج رياضي!

في الطفولة، كرهت أن يقال لي: "فلان طرق الباب ولم تفتح له، ليش؟"؛ لأنني لم أكن أدرك لماذا يلومونني أنا، ولم يلوموا جارنا (بابا فرحان) التعيس الذي أرسل علينا الطارق الأتعس حين قال له "اطرق" باب الجار!

وأكثر ما كان يبهجني هو "باب النجار المخلوع"، لشعوري أنني لست وحدي غير المتقن لـ"أبواب" حياته فحتى النجار المحترف مخلوعة أبوابه، وكثيرا ما كنت أتساءل: هل (بابا سنفور) كان يملك مفتاحا لكل تلك الأقفال، أم كان مجرد "بابا"؟

وفي مرحلة الصبا، عرفت أن الحياة ليست دائما (بابا مفتوحا)، بل غالبا (بابا موصدا) يحتاج إلى واسطة لفتحه، ولا أملكها! وأدركت أن الصديق الصدوق هو من تجده دائما (بابا خلفيا) للهروب من المناسبات الاجتماعية المملة، بينما العدو هو من يترك لك (الباب مفتوحا قليلا) ليقول لك لاحقا: "أنت اخترت الخروج!".

في حقبة لاحقة، أدركت أن بعض البشر هم مثل (الأبواب الدوارة)؛ تراهم يخرجون من حياتك ليعودوا إليها بعد دورة كاملة من النفاق والملل، وكلهم يصر على أنه دخل من "باب" مختلف.

أما أصعب الأبواب، فهو (باب الأمل)، الذي يفتح لثوانٍ ثم يغلق بقوة في وجهك قبل أن تمد يدك! وعندما بدأت بالبحث عن عمل، صار يقال لي: "هذا الباب مغلق حاليا، جرب (الباب الآخر).

بإمكاني أن أصفح عن (الأبواب) التي أوصدت في وجهي لسوء الفهم، أو سوء الحظ، أو سوء التوقيت..

بإمكاني أن أتغاضى مع الأبواب الزجاجية والخشبية والحديدية..

بإمكاني فتح باب النقاش مع عدو لئيم، وأغلق باب جوالي في وجه صديق حميم.. ثم أتظاهر أن الشبكة ضعيفة.

لكن الباب الوحيد الذي لا يمكن أن أفهمه، أو أصافحه، أو أصالحه هو: الباب الصلب المغلق بوجه طفل مكسور القلب يبحث عن مأوى، لأنه لا يملك (مفتاح خزنة) ولا (كود دخول).

*المصدر: جريدة الرياض | alriyadh.com
اخبار السعودية على مدار الساعة