الاستثمار بين السعودية وأميركا ليس من طرف واحد
klyoum.com
تجاوزت الصادرات السعودية إلى السوق الأميركية 16 مليار دولار بينها أكثر من 3 مليارات صادرات غير نفطية
بدأ ولي العهد السعودي رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان اليوم الثلاثاء زيارة رسمية إلى الولايات المتحدة الأميركية، استجابة لدعوة من الرئيس الأميركي دونالد ترمب.
والتقى بالرئيس ترمب في البيت الأبيض، في مراسم استقبال صباحية واجتماعات في المكتب البيضاوي، تعقبها حفلة عشاء رسمية، فيما يشهد يوم غد الأربعاء انعقاد منتدى الأعمال السعودي - الأميركي بحضور ولي العهد والرئيس ترمب.
وتأتي الزيارة في سياق سياسي واقتصادي لافت، إذ وصف الرئيس ترمب قبل أيام اللقاء المرتقب بأنه "أكثر من مجرد اجتماع"، معتبراً أنه يمثل تكريماً للمملكة. وكان ولي العهد قد غادر الرياض مساء الإثنين، بناء على توجيه العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز، في زيارة عمل رسمية تهدف إلى بحث العلاقات الثنائية وسبل تعزيزها في مختلف المجالات، ومناقشة القضايا المشتركة بين البلدين.
وقبل أن تحط طائرة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في العاصمة الأميركية، أعلن ترمب من المكتب البيضاوي الموافقة على بيع سرب من مقاتلات "أف 35" للسعودية، في صفقة تضم 48 طائرة بقيمة تقارب 60 مليار دولار، واعتبرت تحولاً كبيراً في سياسة التصدير الدفاعي الأميركية.
وفي سياق الزيارة، يقول عضو جمعية العلوم السياسية في جامعة كينغستون عزام الشدادي، في ملف صوتي مع "اندبندنت عربية"، إن زيارة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان إلى العاصمة الأميركية تمثل لحظة مفصلية في مسار العلاقات بين الرياض وواشنطن، لا سيما في شقها الاقتصادي، إذ تظهر الأرقام والتحولات الأخيرة أننا أمام إعادة صياغة أعمق لمفهوم الشراكة، تنتقل فيها العلاقة من إطار التعاون التقليدي إلى شراكة متكافئة بين اقتصادين يعدان الأكبر في العالم العربي والغرب.
ويضيف الشدادي أن الولايات المتحدة تعد أحد أهم الشركاء التجاريين للرياض، إذ بلغ إجمالي حجم التجارة بين البلدين نحو 39 مليار دولار في عام 2024، بينما تجاوزت الصادرات السعودية إلى السوق الأميركية 16 مليار دولار، بينها أكثر من 3 مليارات صادرات غير نفطية، وهو تحول مهم يعكس اتساع قاعدة الإنتاج السعودي وتنويع مصادر الدخل.
في المقابل، وصلت الواردات السعودية من الولايات المتحدة إلى نحو 19 مليار دولار، مما يعكس الارتباط العميق بين البلدين وحضور الشركات الأميركية بثقل كبير داخل السوق السعودية.
ويتابع الشدادي أن التطور الأبرز في المرحلة الحالية يتمثل في القفزة الكبيرة في الاستثمارات الأميركية داخل المملكة، إذ ارتفعت من نحو 860 مليون دولار إلى ما يقارب 3 مليارات في عام واحد فقط، بنسبة نمو تجاوزت 229 في المئة، وهو ما يشير إلى ثقة متزايدة في قوة الاقتصاد السعودي، الذي يرى الشدادي أنه أصبح محركاً محورياً في اقتصاد الشرق الأوسط، مع تزايد الفرص التي توفرها رؤية السعودية 2030.
وفي الاتجاه الآخر، يذكر الشدادي بأن الاستثمارات السعودية داخل الولايات المتحدة ليست جديدة، فقد ضخت المملكة عبر صندوق الاستثمارات العامة ما يزيد على 170 مليار دولار، أسهمت في توفير أكثر من 172 ألف وظيفة مباشرة وغير مباشرة داخل الاقتصاد الأميركي، فيما تمتلك الرياض أيضاً ما يقارب 126 مليار دولار من سندات الخزانة الأميركية، مما يجعل استقرار الاقتصاد الأميركي مصلحة استراتيجية للسعودية .
وينتقل الشدادي إلى الملف الدفاعي، لافتاً إلى أن إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترمب الموافقة على 48 مقاتلة متطورة من طراز F-35 للسعودية قبل وصول ولي العهد، يمثل بحد ذاته مؤشراً اقتصادياً وتقنياً مهماً، وليس مجرد صفقة تسليح.
وأوضح الطائرات كما يوضح تفتح الباب أمام نقل معرفة متقدمة، وتوفر فرص تدريب وتأهيل لآلاف المهندسين والفنيين السعوديين، إضافة إلى عقود صيانة وتشغيل تمتد لسنوات طويلة، واستثمارات صناعية تسهم في رفع مستوى التوطين الذي تستهدفه المملكة ليصل إلى أكثر من 50 في المئة من الإنفاق العسكري، وهو أحد الأهداف المحورية في رؤية السعودية 2030.
ويضيف الشدادي أن التعاون بين الرياض وواشنطن لا يتوقف عند قطاع الدفاع، بل يمتد إلى مجالات الطاقة والتقنية المتقدمة، من بينها الهيدروجين الأخضر والأزرق ومراكز البيانات العملاقة والصناعات المعدنية، إضافة إلى شراكات متنامية مع شركات أميركية كبرى في الذكاء الاصطناعي مثل "إنفيديا" و"غوغل" و"آي بي إم"، التي بدأت بالفعل بتأسيس مقار متقدمة في الرياض تشكل جسراً تكنولوجياً بين البلدين.
ويختم الشدادي حديثه بالتأكيد على أن زيارة ولي العهد تحمل بعداً اقتصادياً واستثمارياً عميقاً، يعكس توسع حركة التجارة وارتفاع مستويات الاستثمار المتبادل، إلى جانب التعاون الدفاعي والتقني المتسارع. ويرى أن هذه المعطيات تجعل الزيارة بمثابة محطة استراتيجية، ترسم ملامح مرحلة جديدة من الشراكة بين السعودية والولايات المتحدة.