اخبار السعودية

جريدة الرياض

سياسة

جودة الحياة في المدن السعودية نحو مجتمع أكثر سعادة

جودة الحياة في المدن السعودية نحو مجتمع أكثر سعادة

klyoum.com

جابر محمد الشعيبي

شهد مفهوم جودة الحياة في المملكة العربية السعودية تحوّلًا عميقًا منذ انطلاق رؤية 2030، حيث لم يعد مقتصرًا على تحسين الجوانب المادية والبنية الأساسية، بل أصبح استثمارًا استراتيجيًا في الإنسان والمجتمع، يهدف إلى بناء بيئة شاملة تدعم رفاهية المواطن والمقيم على حد سواء. فقد ارتفعت مستويات الرضا العام بشكل ملحوظ، وبلغت المملكة المركز الثاني عربيًا في مؤشر السعادة لعام 2024 بنسبة 6.59 نقاط من أصل 10، وهي نتيجة تفوقت بها على المتوسط العالمي البالغ 5.56 نقاط، مما يعكس نجاح الجهود الحكومية في تعزيز أنماط المعيشة وتحقيق شعور أوسع بالانتماء والأمان الاجتماعي.

وتجلت ملامح هذا التحول في مشاريع نوعية، أبرزها مشروع الرياض الخضراء، الذي يستهدف زرع أكثر من 7.2 ملايين شجرة للمساهمة في خفض درجات الحرارة وتحسين جودة الهواء، إلى جانب إنشاء حدائق عامة وممرات مفتوحة جعلت المدن السعودية أكثر ملاءمة للحياة الأسرية. كما برز الاهتمام بالتنمية البشرية، إذ سجلت مناطق مثل الرياض والمنطقة الوسطى مستويات متقدمة، حيث بلغ مؤشر التنمية البشرية فيها 0.899 في عام 2022، وهو من أعلى المعدلات في المنطقة، ما يعكس نجاح الاستثمارات في التعليم والصحة والخدمات الاجتماعية.

وفي موازاة ذلك، تشهد المملكة طفرة في مشاريع المدن الذكية التي أصبحت مكوّنًا رئيسًا لجودة الحياة، فمشاريع مثل: مدينة نيوم، والقدية، والدرعية الجديدة، تعتمد على أحدث التقنيات الرقمية والذكاء الاصطناعي لتوفير حلول في النقل، وإدارة الطاقة، والخدمات البلدية، ما يجعل المدن السعودية أكثر كفاءة واستدامة. وقد خصصت الدولة أكثر من 500 مليار ريال لدعم مبادرات المدن الذكية وتطوير 285 بلدية، في خطوة تؤكد الالتزام بتهيئة بيئة حضرية متطورة تواكب متطلبات المستقبل.

ولم تتوقف إنجازات جودة الحياة عند الداخل، بل انعكست خارجيًا عبر ثقة المجتمع الدولي بقدرة المملكة على تنظيم فعاليات كبرى، فقد فازت الرياض باستضافة إكسبو 2030، وهو حدث عالمي يتوقع أن يجذب ملايين الزوار ويتيح للمملكة فرصة استثنائية لعرض تجربتها في التنمية والتحول الحضري، كما تستعد المملكة لاستضافة كأس العالم لكرة القدم 2034، ما يعكس جاهزية البنية التحتية الحديثة، ودور الرياضة والثقافة في تعزيز جودة الحياة وفتح مجالات جديدة للسياحة والاستثمار.

ومع هذه الإنجازات، فإن جودة الحياة ليست مجرد مبانٍ حديثة أو مرافق متطورة، بل تتعلق بمدى شعور الناس بالرضا عن تفاصيل حياتهم اليومية، من التعليم والرعاية الصحية إلى الأمن وفرص الترفيه، لذلك تسعى البرامج الوطنية إلى تحقيق هذا التوازن عبر خطوات عملية متسارعة، تجعل المدن السعودية أكثر قدرة على المنافسة عالميًا.

إن مشروع جودة الحياة في المملكة لم يعد مجرد شعار يُرفع في الخطط الاستراتيجية، بل أصبح مسارًا حقيقيًا يعيد تشكيل المدن السعودية لتكون أكثر توازنًا وسعادة، قادرة على تعزيز الانتماء الوطني ودعم تطلعات الأفراد، ووضع المملكة في موقع متقدم كوجهة جاذبة للعيش والعمل والاستثمار على المستويين الإقليمي والعالمي.

ومن المهم في المرحلة المقبلة تعزيز قياس مؤشرات جودة الحياة على مستوى المدن الصغيرة والمتوسطة، لا الاقتصار على العواصم الكبرى، لضمان شمولية التنمية، كما يُستحسن توسيع مشاركة القطاع الخاص والمجتمع المدني في تشغيل وإدارة المرافق الترفيهية والثقافية بما يرفع من كفاءة التشغيل ويضمن استدامة المشاريع. وأخيرًا، يمكن تطوير مؤشرات وطنية خاصة بجودة الحياة تراعي الخصوصية السعودية، وتسهم في سد الفجوة بين البيانات الدولية والتجربة المحلية، بما يعزز حضور المملكة في المؤشرات العالمية ويحقق تطلعات رؤية 2030.

*المصدر: جريدة الرياض | alriyadh.com
اخبار السعودية على مدار الساعة