اخبار السعودية

جريدة الرياض

سياسة

التأييد الحقيقي

التأييد الحقيقي

klyoum.com

أ.د. حمزة بن سليمان الطيار

من التأييد الحقيقي تشجيعُ الإنسان على الاستمرار في بذل الجهود في محاولات ‏النجاح المثمر، ومواصلة السعي للوصول إلى الأهداف، فبعض الناس إذا واجه صعوبات في ‏عمل أو دراسة أو تجارة، شكا إلى أصحابه؛ ليجاملوه ويبرروا له التوقف، فيهوّن عليه ذلك ‏شعور الإخفاق، فظاهر أمره أنه يشاورهم، وواقعه أنه يلقّنهم الأعذار التي يودُّ سماعَها..

للمفاهيم حقائقُ ثابتةٌ بغضِّ النّظر عن تفسيراتِ وتأويلاتِ النّاس، ويُتوصّلُ إلى معرفة ‏حقائق المفاهيم بالنظر في الدلائل والبراهين الصّحيحة، فمن الحقائق ما تولّى الشرع الحنيف ‏بيانها وتعريفها، ومنها ما يُدركُ بالعقل السليم، ومنها ما تُفسره الأنظمة المرعيَّة، وتضع له ‏ضوابط يجب الالتزام بها، ومنها ما يُراعى فيه أعراف المجتمعات ويُرجعُ فيه إلى العادات ‏والتّقاليد التي لا تتضمن محظوراً شرعيّاً ولا مخالفةً نظاميّةً، فمن التمس الحقائق مستعيناً بهذه ‏الوسائل الصَّحيحة اهتدى إلى ما كُتِب له منها، وكثر صوابُه، ومن تخبّط في ذلك على غير ‏هدىً وبيّنةٍ، وتعاطى مع الأمور على غير حقائقها، لم يسدَّ الثَّغَرات التي يحاول سدّها، بل ‏تكون لصنيعه نتائجُ سلبيَّةٌ؛ لأنه جمع بين إهمال السبب الناجع، وتعاطي أضداده، وكلٌّ من ‏الأمرين ضارٌّ لو افترض انفراده، فما بالكم لو اجتمعا، ومن المفاهيم التي يشيع فيها ترك ‏الحقيقة "مفهومُ التّأييد"، فكثيرٌ من الناسِ يتعامل معه بالتّشهّي المحضِ بدون نظرٍ إلى ‏حقيقته، فيحاول أن يؤيّد أخاه أو صديقه انطلاقاً من مفهومٍ خاطئ، فيتسبّب له في متاعب ‏أكثر، ويُعينه على إضاعة مصلحته من حيث شعر أو لم يشعر، ولي مع التأييد الحقيقي ‏وقفات:‏

الأولى: التّأييدُ -وهو النصرة والتقوية- من المفاهيم التي حرص الشرعُ الحنيفُ على تبيين ‏حقيقتها؛ لميل النفوس البشرية إلى التعسُّف في تطبيق مبدأ النصرة، وعموم البلوى بالمشاحّة ‏بين الناس، وتدافعهم على المنافع والرغائب، وتوتّر بعض الصِّلات والعلاقات، ما يستدعي ‏أن ينتصر هذا لصديقه أو قريبه، وينتصر ذلك لصديقه أو قريبه، والمفهوم السّطحي للتأييد ‏في مثل هذه المواقف هو الوقوف مع الصديق أو القريب بشكلٍ مرتجلٍ، بغضِّ النظر عن ‏المصالح والمفاسد، والمفهوم الحقيقي للتأييد استعمال الرويّةِ والبصيرة، ومحاولة جلب المصالح ‏ودرء المفاسد، فإن كان أخوك هو المظلوم، فأرشده إلى وسائل حفظ حقوقه، وهي متاحةٌ ‏بأنظمةِ بلدنا الذي ينعم بالعدل وسيادة النظام بحمد الله تعالى، ومن أهمِّ ما تؤيّد به أخاك ‏المظلوم توجيهه في درب التفاهم مع الطرف الآخر إن كان في الموقف فرصةٌ للمفاهمة، وإن ‏اقتضى الأمر الانتصاف الملزِمَ حضضته على اللجوء إلى الجهاتِ الرسميّة، أما إذا تبيّن لك أن ‏أخاك هو الظالمُ وأنَّ الحق مع الطرف الآخر، فحقيقة التأييد لأخيك أن تثنيه عن الظلم، وأن ‏تحاول إعادته إلى رشده بحكمةٍ ورفقٍ، ففي الحديث عَنْ أَنَسٍ بن مالكٍ رَضِيَ اللَّهُ تعالى عَنْهُ، ‏قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا» فَقَالَ رَجُلٌ: يَا ‏رَسُولَ اللَّهِ، أَنْصُرُهُ إِذَا كَانَ مَظْلُومًا، أَفَرَأَيْتَ إِذَا كَانَ ظَالِمًا كَيْفَ أَنْصُرُهُ؟ قَالَ: «تَحْجُزُهُ، أَوْ ‏تَمْنَعُهُ، مِنَ الظُّلْمِ فَإِنَّ ذَلِكَ نَصْرُهُ»، أخرجه البخاري، وهذا الحديث معيارٌ دقيقٌ للإنصافِ، ‏ويحتاج الإنسانُ إلى أن يستحضره.‏

الثانية: كلّما كان الموقف مهمّاً وحسّاساً، ازدادت أهمية تطبيق الحديث السابق فيه، وكلما ‏كان الشخص أقرب تأكّد ذلك في حقّه، وذريّةُ الإنسانِ أولى من يُبذلُ له التأييد ‏الحقيقي، وذلك بحمايتهم من الوقوع فيما يضرهم في معادهم أو معاشهم، من المعاصي ‏والأفكار الهدّامة، ومخالفات الأنظمةِ، وتعاطي الأشياء المحظورة والضارّة، والتورّط في كل ما ‏يضعهم تحت طائلة التبعاتِ، ومن التأييد الحقيقي لفرد الأسرة والصديق والزّميل ترجيح كفة ‏العقل والحكمة في المحافظة على مصلحته، إذا بدر منه ما يؤول إلى تخليه عنها، فمن فَهم من ‏ولده أو أخيه أو أخته الميلَ إلى التخلّي عن زواجه أو وظيفته بلا موجبٍ، فينبغي أن لا ‏يجاريَه في تبرير ذلك بالأسباب المصطنعة، بل يُحرّضه على الإبقاء على مصلحته، ويذكّره ‏بمرجّحات ذلك، لعله يتدارك الموقف، ولا يمنعه من ذلك خوفُ أن يقول له: أنت لم تقف ‏في صفّي، فمراعاة مصلحة الإنسان هي الوقوف الصحيح في صفِّه، وإذا طالت به الحياة ‏انكشفت له الحقيقة، وأدرك أن الناصح له هو الواقف في صفّه، وأنَّ المحرّض له على التخلّي ‏عن مصلحته هو الذي لم يقف معه.

الثالثة: من التأييد الحقيقي تشجيعُ الإنسان على الاستمرار في بذل الجهود في محاولات ‏النجاح المثمر، ومواصلة السعي للوصول إلى الأهداف، فبعض الناس إذا واجه صعوباتٍ في ‏عملٍ أو دراسةٍ أو تجارةٍ، شكا إلى أصحابه؛ ليجاملوه ويبرروا له التوقف، فيهوّن عليه ذلك ‏شعور الإخفاق، فظاهر أمره أنه يشاورهم، وواقعه أنه يلقّنهم الأعذار التي يودُّ سماعَها، ‏واللّائق في مثل هذا الموقف ألا يؤيدوه ذلك التأييد الزّائف، وأن يشجّعوه على الاستمرار، ‏فكم رأينا من إنسانٍ تراختْ عزيمتُه في وَسَط الطريقِ، فقيّض الله تعالى له مؤيِّداً حقيقيّاً ‏نصحه بالاستمرار، ووقف معه الموقف الصّائب، فكان ميموناً عليه، وكم رأينا من إنسانٍ ‏حابَاه من حوله واقتنعوا له بالصعوباتِ المتوهَّمة، فانقطع بسبب ذلك، وكانت مجاملتهم له ‏شؤماً عليه.‏

*المصدر: جريدة الرياض | alriyadh.com
اخبار السعودية على مدار الساعة