المزاج الدولي وإسرائيل.. من التعاطف إلى الإدانة
klyoum.com
أخر اخبار السعودية:
إنفيديا تعتزم استثمار 100 مليار دولار في أوبن أيه.آيد. فايز بن عبدالله الشهري
لم تعد صورة إسرائيل في العالم كما كانت طوال العقود الماضية. فالحرب على غزّة منذ أكتوبر 2023 وما تبعها من قتلٍ ودمارٍ غير مسبوقين، والاعتداءات على دول المنطقة وليس آخرها العدوان على الدوحة، ساهمت في زيادة هزّ في المزاج الدولي، ودفعت كثيرًا من الشعوب والحكومات إلى إعادة النظر في مواقفها. وهذا التحوّل لم يقتصر على الرأي العام العربي والإسلامي، بل امتدّ إلى الغرب نفسه الذي ظلّ لعقود يقدّم لإسرائيل دعمًا سياسيًّا وعسكريًّا غير مشروط، بل وحتى داخل المجتمع الإسرائيلي انخفض التأييد لسياسات نتنياهو بصورة ملحوظة.
تاريخيًّا، بنت الولايات المتحدة وأوروبا الغربية سرديّة عالمية يتصدّرها خطاب مضلّل يصف إسرائيل بـ"الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط"، و"حصن الحضارة الغربية" في وسط محيط معادٍ. لذلك أُغرِقت تل أبيب بالمساعدات العسكرية، وحُميت في المحافل الدولية، وغُضّ الطرف عن ممارساتها الاحتلالية. لكنّ الحرب على غزّة شقّت هذا الغطاء، وفضحت زيف الصورة القديمة. فبحسب استطلاع مركز "بيو" في ربيع 2025، تراجعت صورة إسرائيل بشكل حاد في عشرين دولة من أصل أربع وعشرين شملها الاستطلاع. وفي أستراليا، واليونان، وإندونيسيا، واليابان، وهولندا، وإسبانيا، والسويد، وتركيا، أعرب ثلاثة أرباع السكان أو أكثر عن موقف سلبي تجاه إسرائيل.
وحتى في الولايات المتحدة، التي تُعد الحليف الأقوى لتل أبيب، ارتفعت النسبة السلبية إحدى عشرة نقطة مئوية بين مارس 2022 ومارس 2025. وهذا المشهد لم يقتصر على الرأي العام، بل تعدّاه إلى القضاء والمنظمات الدولية. ففي نوفمبر 2024، أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرة اعتقال بحقّ رئيس الوزراء "بنيامين نتنياهو" ووزير الدفاع السابق "يوآف غالانت" بتهم جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية. وفي ديسمبر من العام نفسه، حمّلت منظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش إسرائيل مسؤولية ارتكاب إبادة جماعية وتدمير النظام الصحي في غزة وتحويلة إلى نظام ممنهج لقتل الناس "Medicide".
وقد انعكست هذه المواقف على دوائر القرار في العواصم الغربية، ففي يوليو 2025، أصدرت 28 دولة أوروبية وأميركية بيانًا مشتركًا طالب بوقف الحرب فورًا، مؤكدًا أن "المعاناة بلغت مستوى غير مسبوق". بل إنّ دولًا مثل إسبانيا وأيرلندا والنرويج وفرنسا اعترفت رسميًا بحقّ الفلسطينيين في دولة مستقلة، فيما بدأت ألمانيا الحليف التاريخي، تناقش لأول مرة وضع شروط على مساعداتها العسكرية. وحتى الدول الكبرى في مجلس الأمن بدت أكثر صراحة؛ فروسيا والصين انتقلتا من الحذر الدبلوماسي إلى الإدانة الواضحة، بينما تبنّت فرنسا وبريطانيا مواقف أكثر توازنًا وانتقادًا لسياسات تل أبيب.
وفي الشارع الغربي، برزت موجة احتجاجات واسعة يقودها الشباب، خصوصًا في الجامعات الأميركية والأوروبية رافعين علم فلسطين، وهم يدعون إلى مقاطعة إسرائيل، مستثمرين وسائل التواصل الاجتماعي لفضح الانتهاكات الإسرائيلية في غزة ما جعل المأساة حاضرة في الوعي العالمي.
وللمفارقة أنّ هذا التغيّر طال الداخل الإسرائيلي أيضا، فبحسب "معهد الديمقراطية الإسرائيلي"، انخفضت نسبة المؤيدين لاستمرار السيطرة على غزة من 40% في 2024 إلى نحو الثلث في 2025، فيما أيّد ثلثا الإسرائيليين التوصل إلى تسوية سياسية تُنهي الحرب.
والخلاصة، أن تراكم هذه الضغوط على إسرائيل، إذا جرى استثماره بذكاء، قد يقود إلى مزيد من عزلتها، وإلى تضييق اقتصادي وسياسي متصاعد، وربما إلى قرار أممي حاسم يفرض حلّ الدولتين، بل وإلى تغييرات كبيرة في القيادة السياسية داخل تل أبيب نفسها.
عجبا لظالم يحتجّ بالتاريخ في آهاته، ولا يرى مصيرة المحتوم في صفحاته..