6 جوائز دولية للسعودية في أولمبياد البلقان للمعلوماتية بإيطاليا
klyoum.com
أخر اخبار السعودية:
استقرار النفط مع توازن بين إمدادات أوبك وتراجع المخزونات الأمريكيةلم تكن مجرد رحلة استكشافية عادية في صحراء النفود الشاسعة شمالي السعودية. بناءً على معلومة من هواة آثار محليين، وصل فريق العلماء إلى موقع ناءٍ، لكن الإثارة الحقيقية بدأت حين ابتعد أحد أعضاء الفريق ليتفقد محيطه.
هناك، وجد نفسه وجهًا لوجه مع مشهد حبس الأنفاس: نقوش ضخمة لجمال بالحجم الطبيعي، منحوتة بدقة على صخور شاهقة تحيط ببقايا بركة ماء جافة.
لم يكن هذا مجرد فن، بل همسة من الماضي السحيق، رسالة عمرها 12 ألف عام ستجبر العالم على إعادة التفكير في قصة الإنسان على هذه الأرض.
هذا الاكتشاف، الذي نُشر في مجلة "نيتشر كوميونيكيشنز" المرموقة، هو أكثر من مجرد عثور على نقوش قديمة؛ إنه يسد فجوة معرفية غامضة امتدت لآلاف السنين. إذ لطالما افترض العلماء أن شمال شبه الجزيرة العربية كان منطقة مهجورة وقاحلة لا تصلح للحياة بعد نهاية العصر الجليدي الأخير (قبل 20 ألف عام).
لكن هذه الصخور تروي قصة مختلفة تمامًا: قصة صمود وبقاء في ظروف كان يُعتقد أنها مستحيلة، وتؤرخ لوجود بشري أبكر بألفي عام مما كان معروفًا.
على 62 لوحة صخرية، وثّق الفريق 176 نقشًا متقنًا، معظمها لجمال بالحجم الطبيعي.
لكن التفاصيل هي ما يكشف عبقرية هؤلاء الفنانين الأوائل. لم تكن مجرد رسوم عشوائية، بل كانت تصور بدقة الجمال الذكور في موسم التزاوج، مع انتفاخات أعناقها المميزة وفرائها الشتوي الكثيف.
هذا التركيز لم يكن صدفة؛ إنه يربط بين الفن، وموسم الخصوبة، وظهور مصادر المياه الموسمية في الشتاء، والأهم من ذلك، يخلّد "سفينة الصحراء" كرمز مطلق للقدرة على التحمل والصمود. إنه دليل مادي على أن العلاقة العميقة بين الإنسان والجمل، التي تشكل اليوم جزءًا لا يتجزأ من الهوية الثقافية السعودية، ليست وليدة قرون قليلة، بل هي قصة بقاء ضاربة في أعماق التاريخ لأكثر من 12 ألف عام.
لكن القصة تزداد عمقًا.
الحفريات التي أجريت أسفل النقوش لم تكشف فقط عن عظام حيوانات وأدوات حجرية، بل كشفت عن مفاجأة أكبر: رؤوس سهام وخرز وأدوات دقيقة تشبه إلى حد كبير تلك التي كانت تستخدمها "الثقافة النطوفية" في منطقة الشام، على بعد مئات الكيلومترات.
هذا يعني أن هؤلاء السكان الأوائل لم يكونوا مجتمعات معزولة تكافح من أجل البقاء، بل كانوا جزءًا من شبكة ثقافية واجتماعية مترابطة، يتبادلون المعارف والتقنيات عبر مسافات شاسعة. كانوا يطورون ثقافتهم المحلية الفريدة، وفي نفس الوقت، كانوا جزءًا من عالم أكبر وأكثر تطورًا.
نعود إلى ذلك المشهد الأول: نقوش الجمال الشامخة التي تحرس واحة قديمة.
لم تعد مجرد فن صخري، بل أصبحت خرائط بقاء، ودليلًا إرشاديًا، وشهادة ميلاد لمجتمع ذكي ومترابط.
لقد ترك هؤلاء الأجداد وراءهم أكثر من مجرد صور على الحجر؛ لقد نقشوا أول فصول قصة الصمود الإنساني في شبه الجزيرة العربية، وهي قصة كان الجمل ولا يزال بطلها الأبرز.