اخبار السعودية

جريدة الرياض

سياسة

خارطة العمارة السعودية.. عودة للماضي أم رؤية للمستقبل؟

خارطة العمارة السعودية.. عودة للماضي أم رؤية للمستقبل؟

klyoum.com

أخر اخبار السعودية:

Roulette Methods: How You Can Win Cash At Roulette

د. مشاري النعيم

خارطة العمارة السعودية تهدف بشكل مباشر إلى تعزيز "الهوية الجماعية المادية"، فهي تسعى إلى توسيع ما هو مشترك بصريًا في كل منطقة من مناطق المملكة، لكنها من وجهة نظرنا لا تفرض الكيفية التي يتم التعبير بها عن هذه الهوية، فقد تكون عبارة عن إشارات تجريدية تخلق الشعور بالارتباط بالمكان، وقد تتمثل في نقل بعض العناصر ودمجها في محتوى تقني متطوّر..

لا أحد ينكر أن المملكة تمر بمرحلة غير مسبوقة تتمثل في إعادة التفكير في عمارتها المستقبلية، وهذا الأمر لا يقتصر، في حقيقة الأمر، على العمارة بل هو خطاب مباشر موجّه للهوية السعودية بكل ما تقتضيه "الهوية" من ارتباط بالجذور والبحث في آن واحد عما يجعلنا معاصرين وفاعلين في عالم اليوم. الهوية السعودية تبحث عن فكرة الاستمرارية لكنها تحث على الابتكار، والجمع بين نقيضين في آن واحد يوحي بتحديات كبيرة تتطلب أسلوبا في التفكير يتمتع ببعض التحرر من الماضي وينظر له عن كثب دون أن ينغمس فيه. فهل هويتنا تريد أن تتجه للأمام وتنفتح على المستقبل أم أنها تريد أن تتشبث بالتاريخ وتسكن داخله؟

أحد التحديات يكمن في إعلان خارطة العمارة السعودية التي أطلقها سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في 16 رمضان 1446هـ، الموافق 16 مارس 2024م، فهي توحي بالعودة إلى التاريخ والبحث عن الجذور المحلية وتقدم نماذج لتوظيف العناصر البصرية التي تعبر عن تلك الجذور. سيكون من المهم التفكير في الكيفية التي سترتبط فيها هذه الخارطة بالعمارة المحلية مفتوحة النهاية التي تتجه لها العمارة السعودية في وقتنا الراهن. للوهلة الأولى تبدو الخارطة مناقضة لفكرة النهايات المفتوحة، وكأنها تدفع إلى اتجاه واحد، لكن في الحقيقة هي لم تنص على التقيّد بالأنماط المحلية بشكل مباشر، بل أكدّت على تفسيرها وتجريدها وربطها بالتقنية المعاصرة وبالمحتوى المكاني.

في البداية، يجب أن نقول إن تحديد أنماط العمارة السعودية التاريخية مسألة تصنيفية مهمة وسوف تساعد الباحثين والمهنين للغوص عميقا في أصول الأشكال ومسببات وجودها، وسوف تساعد على فهم كيفية تخليق العمارة من خلال المحتوي المحلي، فكما هو معروف، كل عمارة أصيلة تتم ولادتها من المكان، تاريخه ومحتواه الطبيعي والثقافي. إذا يمكن اعتبار خارطة العمارة السعودية إحدى القواعد الأساسية التي يمكن الرجوع لها عند الحاجة للتجريد التاريخي. فإذا ما أردنا أن نحدد بعض المبادئ التي تُشخّص النهايات المفتوحة في العمارة يجب أن نضع في اعتبارنا أمرين أساسيين: المحتوى المكاني، والقدرة على التعامل مع التقنية المُتطوّرة.

سوف نشير هنا إلى أن خارطة العمارة السعودية تهدف بشكل مباشر إلى تعزيز "الهوية الجماعية المادية"، فهي تسعي إلى توسيع ما هو مشترك بصريا في كل منطقة من مناطق المملكة، لكنها من وجهة نظرنا لا تفرض الكيفية التي يتم التعبير بها عن هذه الهوية، فقد تكون عبارة عن إشارات تجريدية تخلق الشعور بالارتباط بالمكان، كما حدث في مركز الملك عبدالله للدراسات البترولية، وقد تتمثل في نقل بعض العناصر ودمجها في محتوى تقني متطوّر، كما حدث في محطة مترو منطقة قصر الحكم، وكلاهما في مدينة الرياض. الهدف هنا هو خلق المرجع البصري الذي يُذكّر المشاهد بالمكان، لكن ليس بالضرورة أن ينقل المرجع الأصلي كما هو. في الواقع لا يمكن تجاهل تأثير الهوية البصرية الجماعية في جعل العمارة مفتوحة النهاية منتمية ومفهومة من قبل المجتمع.

تقتضي الأصالة، في جزء منها، التفكير في الكيفية التي تتحوّل فيها العناصر الثقافية إلى أشكال مادية، وهذا يجعلنا نفكر بعمق في الكيفية التي يفكّر بها المصممون عند تفسيرهم للعناصر الثقافية، كما أشار "براين لاوسن" إلى ذلك في كتابه المهم "كيف يفكّر المصممون".. لكن الأصالة في جزئها الآخر تعمل على صُنع عناصر ثقافية جديدة، وهذا يوسع من دائرة التفكير في مفهوم الأصالة كموجّه للعمارة برمتها. كما أنه توجّه يستدعي البحث بعمق عن العناصر الثقافية المقاومة التي لم تستطع التحولات الاجتماعية والاقتصادية التي عاشها المجتمع السعودي في العقود الماضية أن تدفعها إلى الاندثار. لا بد أن نتذكر أن النواة الإبداعية لأي مجتمع تكمن في هذه العناصر الثقافية الوجودية التي تحافظ على بقائها، وإذا ما أردنا أن نخلق عمارة منتمية ومقاومة في نفس الوقت يفترض أن نستدعي تلك العناصر بشكل أو بآخر. دعونا نقول إن العمارة مفتوحة النهاية تتطلب مثل هذه العناصر المقاومة، لكنها لا توظفها بأسلوب مباشر بل تحاول أن تفككها وتبحث في مخزونها الكامن وتعيد تركيبها عبر دمجها بتكوينات تجريدية ذات تقنيات غاية في التطوّر. أنها تحاول أن تنقل العناصر الثقافية المقاومة من صيغها التاريخية إلى روح العصر الذي تُصنع فيه العمارة لتعبّر عن هوية معاصر لا تتدثّر بالتاريخ.

ومع ذلك يجب أن نشير إلى أن العمارة في بنيتها تكوّن أفكارا مسافرة باستمرار، أي أن الأفكار المعمارية وما تنتجه من أشكال غالبا تتكون في مكان محدد لكنها لا تبرح إلا وتسافر إلى أماكن عدة لتتخلّق بصور مختلفة تناسب الأمكنة التي تسافر إليها، لذلك لا يوجد حرج في نقل تلك الأفكار طالما أنها ستتكيف مع روح المكان وخصائصه الثقافية والطبيعية. فهم العمارة مفتوحة النهاية، من خلال هذا المنظور الواسع، يجعل من العمارة السعودية المستقبلية مستوعبة أي خطاب يوظف التقنيات والأدوات الجديدة. ربما هذه العمارة وما تنتجه من هويات سعة الأفق هذه، طالما أن الصورة الذهنية التي يحملها سكانها في حالة "ديناميكية" تفرضها أساليب الحياة المتحولة التي تعيشها البشرية في الوقت الراهن.

*المصدر: جريدة الرياض | alriyadh.com
اخبار السعودية على مدار الساعة