الاتصال المؤسسي.. القوة التي تعبر بالمؤسسات إلى المستقبل
klyoum.com
أخر اخبار السعودية:
واشنطن ترحل 100 إيراني بعد اتفاق مع طهراند. محمد المسعودي
على المستوى الوطني، تبرز رؤية المملكة 2030 بوصفها أنموذجًا رائدًا لكيفية توظيف الاتصال في خدمة مشروع تنموي شامل، فقد رافقت الرؤية حملات اتصالية وإعلامية استراتيجية خاطبت مختلف الفئات بلغة قريبة، وربطت بين الطموحات الكبرى والتجارب اليومية، وأثبتت أن الاتصال المؤسسي الواعي قادر على صياغة وعي جمعي نحو المستقبل..
كل مؤسسة أو جهة مهما بلغ حجمها أو قوتها، لا تستطيع أن تمضي في طريقها من دون لغة جامعة تعبّر عنها وتفتح لها أبواب الثقة مع جمهورها الداخلي والخارجي. هذه اللغة منظومة متكاملة تُعرف بالاتصال المؤسسي، تحمل في طياتها ما هو أعمق من الشعارات الدعائية والبيانات العابرة، وهو الركيزة التي تُترجم الرؤية إلى فعل، وتحوّل الاستراتيجية إلى واقع، وتربط التخطيط الإداري بالأثر المجتمعي. ومن هنا تأتي أهمية الاتصال المؤسسي كشرط بقاء ووسيلة ارتقاء، لأنه الذي يمنح المؤسسة معنى ودورًا في محيطها.
والرسالة الواضحة هي نقطة البداية، فالمؤسسات التي تحسن التعبير عن ذاتها دومًا ما تملك القدرة على الإقناع والتأثير. والاتصال المؤسسي هو العصب الذي تتساند عليه الوظائف كافة، ومن خلاله يكتسب التسويق ومعه سائر الأنشطة قوته؛ فيحافظ على الانسجام في الداخل، ويصنع الثقة في الخارج، ويرسّخ الهوية المؤسسية كقيمة متفرّدة تتكون عبر التراكم المستمر للأفعال والرسائل، وحين تستقر هذه الصورة تتحول إلى سمعة، والسمعة تعدّ هي رأس المال الرمزي الذي يحمي المؤسسة ويرفع منسوب ثقتها في الأسواق والمجتمعات. هكذا يصبح الاتصال هو الرابط بين الهوية والسمعة، والضامن لتماسك الصورة الذهنية عبر الزمن!
ولعل تجربة شركة تويوتا (Toyota) في أزمة 2010 خير شاهد، فقد اضطرت الشركة إلى سحب ملايين السيارات بسبب خلل في "دواسات السرعة"، وهو اختبار قاسٍ كاد أن يهدد إرثها العريق ومكانتها العتيقة. لكن إدارتها واجهت الموقف بجرأة وشفافية، فعقدت مؤتمرات صحفية عالمية، واعتذر رئيسها التنفيذي رسميًا أمام الكونغرس الأميركي، وأُطلقت برامج إصلاح شاملة وتعويضات للعملاء. هذه الخطوات لم تعالج الخلل التقني فقط، بل أعادت الثقة إلى العلامة، وأثبتت أن الاتصال الفعّال يحمي الأهداف الاستراتيجية ويعيد التوازن حتى في ذروة الخطر.
وعلى المستوى الوطني، تبرز رؤية المملكة 2030 بوصفها أنموذجًا رائدًا لكيفية توظيف الاتصال في خدمة مشروع تنموي شامل. لقد رافقت الرؤية حملات اتصالية وإعلامية استراتيجية خاطبت مختلف الفئات بلغة قريبة، وربطت بين الطموحات الكبرى والتجارب اليومية للمواطنين. وهكذا تحولت من وثيقة اقتصادية إلى قصة وطنية يعيشها الجميع، وصارت مثالًا على أن الاتصال المؤسسي الواعي قادر على تنوير المجتمع وصياغة وعي جمعي نحو المستقبل.
وفي ميدان التكنولوجيا الرقمية، قدّمت (أبل Apple) درسًا مختلفًا في إدارة السمعة عبر خطاب الخصوصية. حين جعلت شعارها "الخصوصية حقٌّ أساسي" محورًا لحملاتها، بالتزامٍ مؤسسي تُرجم إلى إجراءات عملية، من تشفير الأجهزة إلى تقييد تتبع الإعلانات. لقد نجحت الشركة في ربط هويتها القائمة على الابتكار بسمعتها المرتبطة بالأمان والثقة، وأثبتت أن الرسالة حين تسندها السياسات تتحوّل إلى قيمة تنافسية تعزز مكانة المؤسسة وتمنحها تفوقًا أخلاقيًا في السوق.
إن أهمية الاتصال المؤسسي تنبع دومًا فقط من كونه حارسًا للشرعية المؤسسية ومصنعًا للذاكرة الجمعية. فهو الذي ينسج القصة الكبرى للمؤسسة ويمنحها حق الوجود في نظر جمهورها، وهو الذي يحوّل الأهداف من نصوص في الخطط إلى واقع يلمسه الناس. وحين يتجذر الاتصال في بنية المؤسسة، يصبح مثل الدم الذي يجري في شرايينها، يوزع الحياة على أجزائها كافة، ويجعلها كيانًا حيًا يتنفس بالثقة ويعيش بالمعنى.
والأهمية الأعمق للاتصال المؤسسي أنه يحوّل الأزمات إلى فرص للنمو، فحين تواجه المؤسسة ضغوطًا قاسية، يمدّها الاتصال بالقدرة على إعادة صياغة صورتها وإقناع جمهورها بصدق نواياها، ومن خلال هذا الدور يتحول الاتصال إلى سجل حيّ للذاكرة الجمعية، يحفظ معها الدروس والعِبر؛ ليجعل المؤسسة أكثر نضجًا في المستقبل وأكثر رسوخًا في وعي مجتمعها.