حين تفكر الآلة عنا
klyoum.com
عبدالله مغرم
لم يكن الذكاء الاصطناعي يوماً سوى أداة بين أيدينا، كان يساعدنا في تنظيم بريد إلكتروني مزدحم، أو يقترح أغنية تناسب مزاج المساء، لكن العالم يتغير بسرعة مذهلة، ومعه تتغير مكانة هذه الأداة، فبحلول العام 2027، ستدير منصات المستشار الآلي أصولاً مالية تتجاوز 5.9 تريليونات دولار، بينما ستدمج ثلاثة أرباع الشركات العالمية الذكاء الاصطناعي في عملياتها اليومية. نحن إذاً أمام خوارزميات لم تعد مجرد مساعد خفي، بل باتت تقف على عتبة القرار نفسه.
تخيل أن حياتك لم تعد سلسلة اختيارات شخصية، بل خريطة مرسومة بخوارزمية تعرف عنك أكثر مما تعرفه أنت عن نفسك. ماذا لو أوصى لك الذكاء الاصطناعي بما تأكل، من تُحب، وأين تستثمر؟ قد يبدو المشهد مريحاً: قرارات أسرع، أخطاء أقل، واقتصاد أكثر انضباطاً. بالفعل، شركات كبرى تحقق وفورات ضخمة بفضل الخوارزميات، والمنصات الاستثمارية الآلية تمنح الملايين فرصة إدارة أموالهم بكفاءة لم يحلموا بها من قبل.
لكن في المقابل، تطرح هذه الطمأنينة سؤالاً مقلقاً: إذا أصبح كل قرار محسوباً بالبيانات، فأين يذهب معنى حرية القرار؟ ما قيمة الإرادة الإنسانية إذا كان أفضل شريك لحياتك تحدده معادلة رقمية؟ والأسوأ أن هذه الخوارزميات ليست بلا عيوب، فهي مرآة لبيانات متحيزة قديمة، قد تحمل داخلها رواسب من التمييز على اختلاف أنواعه.
الأمثلة من واقعنا اليوم أكثر وضوحاً من أي خيال. شركات التوظيف الكبرى باتت تفوّض الخوارزميات لترشيح موظفيها الجدد. منصات الاستثمار مثل (Betterment) تدير مليارات بلا تدخل بشري يُذكر. وحتى في العيادات، باتت الروبوتات الطبية تقترح تشخيصات دقيقة تنافس خبرة الأطباء. ومع ذلك، مازلنا نحتاج إلى عين بشرية، لأن الخوارزمية مهما بلغت دقتها لا تعرف دفء التعاطف ولا حكمة التجربة الإنسانية.
إننا نقف اليوم أمام مفترق طريق حاسم: إما أن يكون الذكاء الاصطناعي شريكاً يوسع حدود حريتنا، أو وصياً يصادر حقنا في الاختيار، وبين هذه الثنائية، يظل المستقبل رهناً بمدى وعينا نحن كبشر، لا بقدرات الخوارزمية وحدها. فالسؤال لم يعد: هل ستفكر الآلة عنا؟ بل: هل سنسمح لها أن تكتب قصتنا بدلاً منا؟.