اخبار فلسطين

وكالة شهاب للأنباء

سياسة

تحليل اتفاق وقف إطلاق النار بين طهران و"تل أبيب".. توازن ردع أم خسائر متبادلة؟

تحليل اتفاق وقف إطلاق النار بين طهران و"تل أبيب".. توازن ردع أم خسائر متبادلة؟

klyoum.com

تقرير - شهاب 

دخل اتفاق وقف إطلاق النار بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية والكيان الإسرائيلي حيز التنفيذ، ليطوي صفحة من المواجهة العسكرية التي كادت أن تدفع المنطقة إلى أتون حرب إقليمية شاملة، خاصة مع دخول الولايات المتحدة على الخط، وتزايد احتمالات تدخل أطراف أخرى.

ورغم أن النيران هدأت ميدانيًا، فإن تداعياتها السياسية والعسكرية لا تزال تتردد في أروقة العواصم الكبرى، كما أن الاتفاق جاء لوقف نزيف التصعيد، إلا أن التساؤلات تتزايد حول تداعياته الاستراتيجية على مستقبل المنطقة برمتها.

وبحسب ما تسرّب من مصادر دبلوماسية، فإن وقف إطلاق النار لا يشمل تسوية سياسية شاملة، بل يرتكز على تفاهمات مؤقتة لوقف الضربات المتبادلة، مع التزام الأطراف بتفادي التصعيد، دون ضمانات معلنة بشأن مستقبل البرنامج النووي الإيراني أو السياسة الإسرائيلية في المنطقة.

وقبل سريان وقف إطلاق النار شنت إيران هجوما صاروخيا واسعا على مناطق عدة داخل الكيان الإسرائيلي، وأصاب صاروخ إيراني مبنى في مدينة بئر السبع جنوب فلسطين المحتلة، وأدى إلى مقتل عددًا من المستوطنين الإسرائيليين وإصابة عشرات آخرين مع وجود عالقين تحت الأنقاض.

 

"لا انتصار واضح"

الكاتب والمحلل السياسي علي أبو رزق، يرى أن الاتفاق جاء نتيجة توازن قلق لا انتصار واضح، وأن الأطراف خرجت من المعركة بجراح سياسية وعسكرية لم تنكشف بالكامل بعد.

وقال أبو رزق إن إيران اختارت التراجع خطوة إلى الخلف، وتجنبت الانجرار إلى حرب مدمرة قد تضعها في مواجهة مباشرة مع عدة قوى عظمى، من بينها الولايات المتحدة وبريطانيا وربما قوى أوروبية أخرى.

وأضاف أن هذه المواجهة لم تكن تستهدف فقط البرنامج النووي الإيراني، بل كانت تحمل في جوهرها نية إسقاط النظام وتقويضه من الداخل، وهو ما لم يتحقق.

وأشار إلى أن المفارقة اللافتة كانت في "ردة فعل الشارع الإيراني" الذي كان يُعتقد أنه معارض للنظام، لكنه أظهر تماسكا وطنيا خلال الحرب، مما أربك حسابات الغرب وأجهض جزءًا من خطتهم على الصعيد الداخلي الإيراني.

كما رأى أبو رزق أن العامل الحاسم في وقف الحرب لم يكن سياسيًا، بل عسكريًا بامتياز، وهو ما سماه "سلاح الردع الباليستي"، في إشارة إلى الصواريخ الإيرانية التي تمكنت من تجاوز القبة الحديدية ومنظومات الدفاع الأمريكية، وأحدثت دمارًا غير مسبوق في عمق الأراضي المحتلة، كان آخرها اليوم حين دُمر مبنى ضخم في مدينة بئر السبع، ما أدى إلى عدد كبير من القتلى، وفق ما تناقلته وسائل إعلام إسرائيلية.

وفي الجانب الآخر، يقرّ المحلل السياسي بأن إيران تكبّدت خسارة استراتيجية في برنامجها النووي، إذ لم يُكشف بعد حجم الأضرار التي لحقت بالمنشآت المستهدفة، لكن إذا ما صدقت التسريبات، فإن المشروع النووي تعرض لضربة موجعة قد تحتاج سنوات لتعويضها، واصفًا ذلك بـ"خسارة عمرها عشرات السنين".

أما على الجانب الإسرائيلي، فيؤكد أبو رزق أن رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو نجح في توجيه الضربة الأولى، وكان مزهوًا بموافقة الإدارة الأمريكية على المشاركة جزئيًا في ضرب المنشآت النووية الإيرانية، كما اعتبر عملية اغتيال عدد من القادة والعلماء الإيرانيين إنجازًا استخباريًا.

لكنه أشار إلى أن "المشهد الختامي للحرب" كان صادمًا لإسرائيل، لا سيما الضربة الأخيرة في بئر السبع، والتي قال إنها "ستظل محفورة في الوعي الإسرائيلي لفترة طويلة".

وحول ما إذا كانت المنطقة تتجه إلى تسويات شاملة، أكد أبو رزق على أن الإجابة غير متوفرة، ليس لغياب المعلومات فقط، بل لأن كثيرًا من الملفات لا تزال مفتوحة، والعداء بين المحاور الإقليمية لم ينحسر بل تضاعف، والجميع يدّعي الانتصار، ويقدّم شواهده الخاصة لتبرير موقفه.

"تجنبت السيناريو الأسوأ"

رأى الكاتب والمحلل السياسي عبد الكريم قادري أن المواجهة الأخيرة بين "إسرائيل" والولايات المتحدة من جهة، وإيران من جهة أخرى، كشفت عن ملامح جديدة في ميزان القوة بالمنطقة، وبيّنت أن كلاً من الطرفين خرج بمكاسب وخسائر متباينة، لكن طهران نجحت في تجنّب السيناريو الأسوأ.

وقال قادري إن إيران استوعبت الضربة الأولى بسرعة، وحافظت رغم الأضرار التي لحقت ببعض منشآتها النووية على جوهر مشروعها النووي، وتمكنت من إثبات قوة ردعها الصاروخية دون اللجوء إلى استخدام كامل ترسانتها العسكرية، في إشارة إلى الضربات الدقيقة التي استهدفت مواقع إسرائيلية حساسة خلال أيام المواجهة.

وأوضح أن طهران اختارت تنفيذ ضربات محدودة ومضبوطة النطاق، في محاولة لتجنب الانزلاق إلى حرب إقليمية مفتوحة قد تؤدي إلى تدمير بنيتها النووية والعسكرية بشكل كامل، وهو ما شكّل في نظره خيارًا استراتيجيًا ناجحًا في لحظة بالغة التعقيد.

وأشار قادري إلى أن الضربة الختامية الإيرانية، التي استهدفت منشأة كبيرة في بئر السبع وأدت إلى وقوع خسائر بشرية ومادية فادحة، منحت طهران فرصة لترميم قدراتها العسكرية، وكسبت من خلالها وقتًا مهمًا لإعادة ترتيب أوراقها على مستوى الردع والدبلوماسية، ما يضعها في موقع أقوى على طاولة أي مفاوضات مقبلة.

وأكد أن محاولة إسقاط النظام الإيراني من خلال الضغط العسكري والدولي فشلت، مشيرًا إلى أن النظام حافظ على تماسكه السياسي والأمني رغم الضغوط، مستفيدًا من الالتفاف الشعبي حوله خلال ذروة التصعيد، وهو ما أحبط رهانات عديدة كانت تعوّل على تفكك داخلي.

وشدد قادري على أن المعركة لم تنتهِ تمامًا، لكنها انتقلت إلى مرحلة عضّ الأصابع السياسية والدبلوماسية، حيث يسعى كل طرف لتثبيت مكتسباته وفرض شروطه في مرحلة ما بعد النار.

"فزّاعة دعائية"

كما علّق الكاتب السياسي عبد الستار مرجان على التطورات الأخيرة بين إيران و"إسرائيل"، معتبرًا أن ما جرى كان ضمن التوقعات، ولم يرتقِ إلى مستوى الحرب الشاملة كما روّجت بعض الأطراف، مشيرًا إلى أن إسقاط النظام الإيراني لم يكن هدفًا حقيقيًا بقدر ما كان "فزّاعة دعائية" تُستخدم لخلق مبرر للتصعيد.

وقال مرجان إن المواجهة بقيت ضمن نطاق محدود، رغم عنف الضربات المتبادلة، موضحًا أن "إسرائيل" تمكّنت من إلحاق أضرار حقيقية بالمشروعين النووي والصاروخي الإيرانيين، إلى جانب تنفيذ عمليات اغتيال استهدفت قيادات عسكرية وعلمية بارزة، وهو ما اعتبره مكسبًا أمنيًا وعسكريًا مؤقتًا.

في المقابل، أشار مرجان إلى أن إيران نجحت في الحفاظ على استقرار نظامها السياسي، وخرجت من الأزمة وقد رسخت مكانتها كعدو إقليمي رئيسي لكل من الولايات المتحدة و"إسرائيل"، لافتًا إلى أن طهران تعاملت ببراغماتية واضحة، مفضّلة الرد المحدود والمنضبط الذي يمنع الانهيار الداخلي ويؤمّن لها مكاسب مستقبلية.

وخلص مرجان إلى أن إيران ستستفيد من التجربة، وستُعيد تقييم جاهزيتها الدفاعية والتقنية في ضوء ما تعرضت له، معتبرًا أن المعركة كشفت نقاط الضعف والقوة لدى الطرفين، لكنها في النهاية لم تُفضِ إلى تغيير جذري في موازين القوى، بل عمّقت معادلات الردع والعداء في المنطقة.

*المصدر: وكالة شهاب للأنباء | shehabnews.com
اخبار فلسطين على مدار الساعة