تهويد القدس بالعمران: مشاريع تغير وجه المدينة
klyoum.com
أخر اخبار فلسطين:
49 شهيدا في غارات إسرائيلية على قطاع غزةلا تقتصر مخططات الاحتلال على تهويد القدس وتغيير هويتها عند حد معين، بل تواصل أذرعه العمل على تنفيذ المشاريع التهويدية، التي تعبث بملامح المدينة، وتشوه عمرانها الأصيل، وتسعى إلى فرض تحول جذري في الطابع العربي والإسلامي للمدينة، وهي أهداف تتسق مع محاولات الاحتلال طمس الهوية الحضارية للقدس المحتلة، وترسيخها عاصمة للاحتلال.
ويركز هذا المقال على عبث الاحتلال بالعمران في القدس المحتلة، واستهدافه بشكل ممنهج طابع القدس المعماري العريق، وما تضمه من معالم لها روح تاريخية وآثارية وبصرية أصيلة، وتحليل آثار هذه المشاريع الدخيلة على الهوية التاريخية والثقافية للمدينة، مع تسليط الضوء على أبرز المخططات التهويدية التي نُفذت في السنوات الأخيرة.
أبرز المشاريع الحديثة والرامية إلى تغيير وجه المدينة
مع ما تمتلكه القدس المحتلة من تاريخ ضارب في القدم، ومعالم تعود إلى حقب متعاقبة، سعت سلطات الاحتلال إلى زرع مبانٍ ومعالم دخيلة على المدينة، ولا تراعي تاريخ المدينة وموقعها الديني، ومن خلال سعي الاحتلال إلى إعادة تشكيل مشهد القدس البصري، وإدخال المزيد من المعالم الدخيلة، التي يتستر قسم منها خلف حجج التطوير، وآخر خلف تطوير البنية التحتية ووسائل المواصلات، وفي نهاية المطاف تسمح هذه المشاريع للاحتلال بإحداث خلل في الأنساق المعمارية لهذه المدينة، وإضعاف الحضور المركزي للمقدسات، وفي النقاط الآتية نستعرض أبرز هذه المشاريع:
القطار الهوائي الخفيف
تصر سلطات الاحتلال على المضي قدما في تنفيذ هذا المشروع على الرغم من مختلف الاعتراضات الفلسطينية والاستيطانية على حد سواء، إذ لا يقتصر هدف مشروع القطار الخفيف المعلق "التلفريك"، على تسهيل نقل الركاب كما تدعي سلطات الاحتلال، بل يشكل المشروع الأبرز لتشويه المظهر العام للبلدة القديمة، وإدخال معلم استيطاني يشوه المشهد الحضاري للقدس.
إلى جانب ما سيحققه من نقل للمزيد من المستوطنين إلى البلدة القديمة خاصة، والشطر الشرقي للقدس عامة، ومن المخطط أن يستوعب "التلفريك" عند اكتماله نحو 3 آلاف راكب في الساعة، عبر 72 عربة، بتكلفة تقدر بنحو 200 مليون شيكل (نحو 58 مليون دولار أميركي).
وتتبنى وزارة السياحة في حكومة الاحتلال هذا المشروع، وتشرف على تنفيذه "اللجنة الوطنية للبنية التحتية"، بينما تتولى "هيئة تطوير القدس" مهام الإنجاز على الأرض، وتتضمن المرحلة الأولى من المشروع إقامة ثلاث محطات: الأولى في موقع محطة القطار القديم بمنطقة البقعة في الشطر الغربي من المدينة، ثم يعبر الخط فوق حي الثوري نحو المحطة الثانية قرب موقف السيارات في جبل صهيون، قبل أن يستكمل مساره على طول سور القدس التاريخي ليصل إلى المحطة الثالثة في حي سلوان، بالقرب من "مركز كيدم"، الذي تديره جمعية "إلعاد" الاستيطانية، وهو قيد التخطيط حاليا عند مدخل حي سلوان، ويسير خط "التلفريك" بموازاة أسوار المدينة القديمة والمسجد الأقصى.
وشهدت السنوات الماضية محاولات حثيثة من قبل سلطات الاحتلال للمضي قدما في المشروع، ففي 15 مايو/أيار 2022 صادقت المحكمة الإسرائيلية العليا على إقامة خط "التلفريك"، الممتد حتى عمق البلدة القديمة، بعد رد الالتماسات التي قدمت ضد المشروع.
كما ذكرت القناة العبرية السابعة أن الخطة التي صادقت عليها محكمة الاحتلال، تشمل الخط بطول 1.4 كيلومتر، ويتضمن أربع محطات.
وفي عام 2023 أصدرت منظمة "عيمق شفيه" الإسرائيلية تقريرا في مايو/أيار ذكرت فيه أن الحكومة الإسرائيلية تمضي قدما في مخطط "التلفريك"، وأشارت إلى أن "لجنة التخطيط صادقت على عقود عديدة ما يمهد للبدء ببناء المشروع".
القطار السريع (محطة عند حائط البراق)
يشكل هذا المشروع خطرا كبيرا على البنية المعمارية للمدينة القديمة، إذ سيمر أسفل المناطق الفلسطينية وصولا إلى سور الأقصى الغربي، ما يهدد الأبنية القديمة التي سيجري الحفر أسفلها وفي محيطها.
ففي بداية 2020 وبعد رفض "اللجنة الوطنية للبنية التحتية" الإسرائيلية تمديد مسار القطار، نجحت ضغوط المنظمات الاستيطانية في إعادة طرح الخطة للنقاش، وأعلنت اللجنة المذكورة 17 فبراير/شباط 2020 عن مسار القطار الذي سينتهي عند نقطة ستُستحدث عند سور الأقصى الغربي تحت اسم "محطة ترامب"، في إشارة إلى تقدير جهود الرئيس الأميركي في دعمه المفتوح للاحتلال ومشاريعه التهويدية خلال ولايته الأولى.
وذكرت منظمة "عمق شبيه" أن المجلس الوطني للاستثمار صادق على المسار المقترح؛ بسبب الضغوط السياسية التي مارستها منظمات المستوطنين الذين يعدون القطار وسيلة أخرى لربط المستوطنات والمواقع السياحية في الشطر الشرقي من القدس مباشرة بالمستوطنات في الشطر الغربي.
ويشمل مسار القطار شريطا يمتد تحت عشرات المنازل الفلسطينية في حي وادي حلوة في سلوان جنوب الأقصى، بموازاة الجدار الجنوبي للمدينة القديمة. وبحسب المنظمة فإن مرور القطار فوق سطح الأرض إلى "محطة ترامب" سيستلزم تدمير الطبقات الأثرية في المكان، فضلا عن إلحاق الضرر بعين سلوان التاريخية وتلويثها.
وفي مايو/أيار 2020 ذكرت وسائل إعلام إسرائيلية أن سلطات الاحتلال شرعت بإجراء عمليات حفر تجريبية استكشافية خارج البلدة القديمة مباشرة في سياق مشروع القطار السريع الذي سيصل إلى محيط الأقصى، وتحديدا عند باب المغاربة في الجدار الجنوبي للبلدة القديمة، وبحسب مصادر عبرية فإن الخطة النهائية للمشروع ستشمل نفقا تحت الأرض طوله ثلاثة كيلومترات يربط محطة "هأوما" بساحة البراق و"الحي اليهودي".
ووفقا للخطة، سيتم بناء النفق والمحطات تحت الأرض على عمق 52 مترا، على أن يشكل النفق والمحطات الجديدة استمرارا لخط القطار السريع بين "تل أبيب" والقدس، وتبلغ كلفة المشروع حسب تصريح لمتحدث باسم وزارة النقل الإسرائيلية، في ديسمبر/كانون الأول 2017 نحو 700 مليون دولار أميركي.
قطار الأنفاق "مترو"
وهو مشروع يرتبط بخط القطار السريع، وقد أعلنت عنه مديرية "التخطيط والبناء" في القدس المحتلة في يناير/كانون الثاني 2023، وأشارت إلى أنها بدأت مرحلة التخطيط لإقامة شبكة "المترو"؛ بهدف ربط المدينة المحتلة بمدن وبلدات إسرائيلية عدة، ويأتي ضمن رؤية إسرائيلية لسلخ القدس عن محيطها الفلسطيني تماما، وربطها بالمستوطنات التي تطوق المدينة، إلى جانب ربطها بالمدن الكبرى ولا سيما "تل أبيب"، ومنطقة "غوش دان"، ونقل أكبر عدد من المستوطنين من الشطر الغربي من القدس إلى شطرها الشرقي، بما فيها المناطق المحتلة ومحيط المسجد الأقصى.
وستمد سلطات الاحتلال خط سكك الحديد لربط مساكن الجامعة العبرية والمباني القريبة من قرية العيسوية الفلسطينية بمنطقة "جفعات رام" في الشطر الغربي من القدس.
أبراج لركن السيارات
كشفت صحف إسرائيلية في أكتوبر/تشرين الأول 2018 عن مخطط لبلدية الاحتلال في القدس لإنشاء 10 أبراج متعددة الطوابق لوقوف السيارات عند مداخل البلدة القديمة.
ويشمل المخطط إقامة ستة أبراج قرب باب العمود، وأربعة قرب باب النبي داود، ويصل ارتفاع كل برج ما بين 15 و17 مترا، مع قدرة استيعابية تبلغ نحو 12 سيارة لكل برج. ولم تورد المصادر العبرية أو الفلسطينية أي معطيات عن البدء في تنفيذ المشروع، إلا أن الاحتلال عادة ما يؤجل تنفيذ المشاريع إلى حين توافر الظروف المناسبة من حيث التوقيت السياسي والأمني، بما يضمن تمريره دون مواجهة شعبية.
مشاريع ترفيهية ضخمة تطل على البلدة القديمة
لا تقتصر المشاريع الدخيلة عند مشاريع البنية التحتية فقط، بل تمتد إلى الترفيه وغيرها، ففي نهاية 2020 كشفت مصادر عبرية أن بلدية الاحتلال في القدس تنوي إنشاء دولاب ضخم في القسم الغربي من متنزه "أرمون هنتسيف" (قصر المندوب السامي) الاستيطاني، الذي يقع على طرف جبل المكبر المطل على البلدة القديمة والمسجد الأقصى من الجنوب، وسيكون بارتفاع 40 إلى 60 مترا.
وستنفِذ البلدية هذا المشروع بالتعاون مع "سلطة تطوير القدس" في إطار خطة شاملة لترميم المتنزه.
وفي سياق متصل بالسياحة والترفيه، ففي عام 2023 كشفت مصادر عبرية أن بلدية الاحتلال في القدس و"صندوق إرث المبكى"، عملا على وضع مخططات لإقامة "مطل ومقهى" تهويدي فوق المدرسة التنكزية وحائط البراق، والأبنية المطلة على المسجد الأقصى المبارك.
وبدأ الاحتلال فعليا إقامة "المطل والمقهى"، بعد أن وضع كل الترتيبات والإجراءات والفنية اللازمة لذلك. وسيقام المخطط على مساحة 300 متر مربع فوق المنطقة المذكورة، وسيكون مفتوحا على مدار الساعة للمستوطنين واليهود الذين لا يقتحمون الأقصى، لأسباب أيديولوجية ودينية، وهو ما سيتيح لهؤلاء استباحة المنطقة في كل الأوقات.
التوجه نحو بناء أبراج شاهقة في المستوطنات المحيطة بالقدس
تسعى سلطات الاحتلال الاستيطانية إلى تغيير الهوية الحضرية والديمغرافية للمدينة المحتلة، من خلال تشييد سلسلة من الأبراج الاستيطانية الضخمة التي تُحيط بها من مختلف الجهات، بهدف فرض وقائع تهويدية جديدة.
ففي نهاية 2020 صادقت "اللجنة اللوائية للتخطيط والبناء" في بلدية الاحتلال على مخطط إقامة برج استيطاني ضخم في منطقة التلة الفرنسية، وبحسب المخطط سيضم 30 طابقا إضافة إلى البنية التحتية، وستشمل طوابقه مكاتب ومحال تجارية وفنادق وأماكن ترفيهية ومواقف للسيارات، وشققا لطلاب الجامعة العبرية، ونحو 150 وحدة استيطانية.
وشهدت السنوات الماضية إقرار عدد من هذه الأبراج الضخمة، ففي 25 مارس/آذار2022، أقرت "اللجنة المحلية للتخطيط والبناء" التابعة لبلدية الاحتلال بالقدس، قرار اللجنة المحلية لبناء الأبراج الأولى في مدخل حي الثوري ضمن المنطقة الصناعية المسماة "تلبيوت" من 30 طابقا.
وذكرت بلدية الاحتلال أن هذا البرج سيكون مشرفا على البلدة القديمة ومطلا على القدس بشطريها، على أن يتم الانتهاء من بنائه في 2026. وفي 9 يونيو/حزيران 2024 كشفت مصادر فلسطينية أن بلدية الاحتلال في القدس وافقت في وقت سابق، على مخطط استيطاني في مستوطنة "التلة الفرنسية"، بحسب الخطة سيتم هدم 8 مبانٍ استيطانية، واستبدالها بأبراج استيطانية ضخمة.
ومن أضخم هذه الأبراج ما أقرته "لجنة التخطيط اللوائية" التابعة لبلدية الاحتلال في 21 يوليو/تموز 2024، فقد وافقت على بناء برج استيطاني شاهق، من المفترض أن يصبح الأعلى في المدينة المحتلة، وسيُقام البرج في حي "كريات يوفيل" الاستيطاني، على أراضي قرية عين كارم المهجرة في الشطر الغربي من القدس المحتلة، وبحسب معطيات عبرية، سيصل ارتفاع البرج إلى 197 مترا، ويضم 56 طابقا، وقد روجت له الشركة المطورة بأنه "برج خليفة في القدس"،
وسيتولى تصميم المشروع مكتب "أدريان سميث وجوردون جيل"، وهو المكتب المسؤول عن تصميم برج خليفة، إلى جانب فريق من داخل الاحتلال.
استقراء الآثار المترتبة على هذه المخططات
تُشير المعطيات السابقة إلى تنوع هذه المشاريع، ومحاولة الاحتلال تغيير طابع المدينة، وإقامة صروح معمارية ضخمة تُفرض على واحدة من أقدم مدن العالم، في تحول لا يخدم سكانها الأصليين، ولا حتى من يقطنها من المستوطنين، بقدر ما يخدم أجندة سياسية وثقافية، تهدف إلى فرض الهيمنة اليهودية على المدينة المحتلة، إذ تُبنى هذه المشاريع بعمارة غربية دخيلة، تتنافر بشكل صارخ مع عمارة المدينة الأصلية، من جهة، وتزاحم معالمها التاريخية من جهة أخرى.
ما يعني أنها تشوه الهوية الحضارية للقدس بشكل مباشر، وتطمس ملامحها العربية والإسلامية تدريجيا، وتعمل على استبدالها بهوية مصطنعة تجمع بين الرموز الدينية اليهودية، إلى جانب الأبنية الشاهقة ذات الطابع الرأسمالي الحديث.
والنتيجة هي محاولة لتحويل مشهد المدينة إلى نموذج "غربي رأسمالي"، في سياق ممنهج لتهميش الوجود الفلسطيني وطمس التاريخ الإسلامي، وفرض واقع جديد يُرسخ القدس كعاصمة يهودية مزعومة.
وفي سياق الهوية التاريخية والثقافية، تسعى هذه المشاريع إلى طمس الملامح العربية والإسلامية، من خلال إدخال عناصر معمارية دخيلة تتناقض في الطراز والمواد مع البيئة التاريخية للمدينة، وهنا تحضر قضية بالغة الأهمية والصلة وهي تغيير أسماء الأماكن والشوارع والأزقة، من أسمائها العربية الأصيلة إلى أسماء دخيلة، تتصل بالشخصيات اليهودية والروايات التلمودية، في سياق إعادة صياغة الرواية التاريخية، بالتوازي مع تشويه الواقع المعماري والعمراني.
ولا تقف هذه الآثار على المظهر الحضاري فقط، بل تتصل بإعادة إنتاج المشهد البصري، فتحكمه على أقل تقدير معالجتان، الأولى أن يتم معالجة هذا المشهد من خلال الرواية الصهيونية، إذ تغطي الأبراج الاستيطانية، والمطلات السياحية وخطوط "التلفريك"، المشهدية التاريخية للمسجد الأقصى والبلدة القديمة، وقطع هذا الرابط الأصيل ما بين الفلسطينيين ومدينتهم.
أما الثاني فتحويل هذه الإطلالة من رمزية روحية لها إرث تاريخي متصل بالفتح والتحرير وأول مشهد كان يراه الرحالة للقدس والأقصى، إلى مرافق استيطانية، تجعل من هذه الأماكن مواقع "سياحية" في خدمة الاحتلال والسياح الذين يأتون إلى المدينة من خلاله.
أما على الصعيد العمراني، فتسعى أذرع الاحتلال من خلال هذه المشاريع إلى الإخلال بالتدرج البصري التاريخي للمدينة، فقد كانت الأبنية الأكثر ارتفاعا هي القباب والمآذن، وما يبرز من كنائس القدس التاريخية، ما يعني أن إدخال الأشكال المعمارية الحديثة، ذات الأبعاد الاستيطانية، سيحجب بشكل متدرج المعالم القديمة، وهي في المرحلة الحالية تزاحمها على أقل تقدير، ما يحول الارتكاز الحضاري منها، ويحولها إلى معالم ثانوية، ليست ذات أهمية في مدينة يحاول أن يحولها الاحتلال إلى مدينة على النسق الغربي.
وهو ما يجعل المعالم التاريخية الأصيلة، وكأنها غير منسجمة مع المعالم الحديثة، وهو ما يُحدث على المدى البعيد خللا كبيرا ما بين البلدة القديمة، مع محيطها الطبيعي والمعماري، الذي يتحول شيئا فشيئا إلى ما يشبه مدينة "غوثام"، أو إلى "مانهاتن" جديدة.
ولا شك، فإن مضي الاحتلال في بناء هذه الأبنية والمشاريع، وبعضها يقع في مناطق قريبة جدا من المناطق الأثرية، ومن المسجد الأقصى المبارك، وأيضا الحفر لبناء محطات المترو أو القطارات وغيرها، سيؤدي إلى تدمير طبقات أثرية عديدة، تعود إلى الحقب المتتالية في القدس المحتلة.
وقد أظهر سلوك الاحتلال خلال السنوات الماضية أنه لا يلقي بالا لأي مكتشفات أثرية إسلامية، بل يدمرها ولا يكشفها، ولا يُظهر إلى الجمهور إلا المكتشفات التي يُمكنه أن يدعي أنها تعود إلى الحقب القديمة، وخاصة إلى فترة "المعبد" المزعوم، على الرغم من تهافت هذه الادعاءات تاريخيا وآثاريا.
وإلى جانب ما يُمكن أن تحققه هذه المشاريع التهويدية، من استهداف الوجود الديمغرافي للفلسطينيين، وتعزيز الحضور الاستيطاني في شطري القدس المحتلة، وتسهيل تنقل المستوطنين ما بين هذين الشطرين، مع تعزيز عزل القدس عن فضائها الجغرافي والديمغرافي في الضفة الغربية، وتحويل القدس إلى بيئة طاردة لسكانها الأصليين.
تعمل هذه السياسة على تكريس القدس عاصمة لدولة الاحتلال، بمعالم غربية استهلاكية، تتناقض مع هوية المدينة، وهي معالم يهودية المنفعة والأثر، وحديثة العمران والتصميم، وتأتي إلى جانب المعالم اليهودية الدينية، التي شيدها الاحتلال بأساليب معمارية أقدم تحاكي ادعاءاته بالوجود اليهودي القديم داخل القدس.
أخيرا، إن استمرار الاحتلال في فرض هذه المشاريع العمرانية الدخيلة، يعني تحويل القدس من مدينة ذات هوية عربية وإسلامية راسخة إلى مدينة مشوهة، ذات مشهد حضري غربي مصطنع، بما يمحو تاريخها الأصيل ويقطع صلتها بسكانها الأصليين، وإن المعركة على هوية المكان لا تقل خطورة عن المواجهة في الميدان.