اخبار فلسطين

ار تي عربي

سياسة

اتفاق السلام الهش لا يكفي  دون عدالة ملموسة

اتفاق السلام الهش لا يكفي  دون عدالة ملموسة

klyoum.com

عندما يتقدم دونالد ترامب لعرض "اتفاق سلام"، من الضروري طرح سؤالين: من يُعرّف "السلام"، ومن يستفيد منه؟ ياسمين أكار – Newsweek

توضح تصريحات ترامب العلنية وفيديوهاته الساخرة المُصوّرة بالذكاء الاصطناعي لا يتعلق اتفاق وقف إطلاق النار الجديد في غزة بالعدالة أو حقوق الإنسان بقدر ما يتعلق بتعزيز السلطة والنفوذ والربح. وفي الوقت نفسه، غالبا ما تتجاهل النقاشات الإعلامية حول السلام حقائق هيكلية وتاريخية أوسع، بما في ذلك صفقات الأسلحة وشبكات الضغط والتدخل العميق للولايات المتحدة والدول الغربية في المنطقة.

لطالما عانى الشرق الأوسط من عواقب الحروب الإمبريالية والصراعات بالوكالة واستراتيجيات "فرّق تسد". والفلسطينيون على وجه الخصوص يدركون هذا الواقع تماماً. ويُظهر تاريخ إسرائيل في انتهاك اتفاقيات وقف إطلاق النار مراراً أن أي وعد بالهدوء المؤقت هش.

ومنذ دخول اتفاق وقف إطلاق النار الأخير حيز التنفيذ في 10 أكتوبر، قُتل أكثر من 100 فلسطيني في غزة وجُرح أكثر من 250 آخرين، بينما لا تزال نقاط إيصال المساعدات الحيوية مغلقة. ولا يُمكن لمثل هذه الأعمال أن تُرتكب إلا بفضل إسرائيل التي تعمل في ظل إفلات شبه كامل من العقاب، محميةً بقوى عالمية غضت الطرف عنها تاريخياً.

لا يسعى الفلسطينيون إلى "سلام" نظري تفرضه قوى بعيدة؛ إنهم يناضلون من أجل التحرير والعدالة. والسلام الحقيقي لا ينفصل عن العدالة. فالبنى السياسية والاقتصادية القائمة تكرّس حالياً الظلم، وتهدف إلى استعمار فلسطين التاريخية وتطهيرها عرقياً. وكما اعتمدت رؤية أدولف هتلر لـ"ألمانيا العظمى" على إبادة شعوب بأكملها، فإن سياسات وأفعال النظام الإسرائيلي اليوم تعكس محاولة ممنهجة للسيطرة على الفلسطينيين وتهجيرهم.

وعلى مدار العامين الماضيين، تزايدت هذه الأنماط وضوحاً؛ حيث يستهدف الجيش الإسرائيلي الدول المجاورة والسكان المدنيين والممرات الإنسانية، بينما تُظهر القوى العالمية إما موافقتها على الفظائع المستمرة في المنطقة أو التغاضي عنها.

إن التغيير الهيكلي ضروري ويجب على العالم فرض عقوبات على المستفيدين من العنف أو المسهلين له. كما يجب وقف توريد الأسلحة وضمان محاسبة الأفراد والمؤسسات المتواطئة في قتل المدنيين وتهميشهم. ويمتد هذا التواطؤ إلى ما هو أبعد من إسرائيل ليشمل كل من يدعم الإبادة الجماعية المستمرة سياسياً ومالياً ومعنوياً. ويجب أيضاً محاسبة المؤسسات الإعلامية التي تُطبّع العنف وتُجرّد الفلسطينيين والمسلمين والعرب من إنسانيتهم. فبدون محاسبة منهجية، لن تُقدّم اتفاقيات وقف إطلاق النار أي راحة حقيقية، ولن تُؤدي إلا إلى خداع الفلسطينيين والعالم، مُخفية العنف المستمر تحت ستار الهدوء المؤقت.

ولهذا السبب يُعدّ العمل الشعبي اللاعنفي أمراً بالغ الأهمية. ويُعدّ أسطول "صمود" العالمي مثالاً على ذلك: حشد كبير لعشرات القوارب ومئات النشطاء الدوليين الذين اجتمعوا لتحدي الحصار غير القانوني واللاإنساني المفروض على غزة. وقد شكّلت سفينة "مادلين" التابعة لتحالف أسطول الحرية، وهي أول سفينة تحاول التدخل الإنساني خلال الإبادة الجماعية، نقطة تحول. وقد سلّط اعتراضها وسجن المشاركين فيها الضوء على مدى ما ستذهب إليه السلطات للحفاظ على سيطرتها وقمع التضامن الدولي. ومع ذلك، فإن رد فعل الحكومات ووسائل الإعلام الدولية - المُصمّم بعناية لتقديم هدف الأسطول على أنه "سلام" لا تحرير وعدالة - لم يُغيّر الواقع على الأرض.

لقد أظهر الأسطول قوة العمل الجماعي والتعبئة الدولية. ويمكن للناس من جميع أنحاء العالم أن يتحدوا بسرعة للمطالبة بالعدالة ووصول المساعدات الإنسانية. وقد تخشى الحكومات غضب الشعوب تحديداً لأنها تدرك أن القوة في نهاية المطاف تكمن في الجماعة، لا في الروايات التي تُصاغ في المكاتب الدبلوماسية.

ولم يكن الأسطول سبباً لأي وقف إطلاق نار مؤقت؛ بل كان جزءاً من حركة أوسع تُظهر أن المواطنين العاديين قادرون على التأثير في الخطاب والمطالبة بالمساءلة ورفض قبول الإبادة الجماعية البطيئة والممنهجة التي استمرت حتى السابع من أكتوبر وتصاعدت بعد ذلك كأمر لا مفر منه.

إن قصف الدول وفرض الحصار ودعم الحملات العسكرية لن يحقق سلاماً حقيقياً أبداً، بل يُعمّق الدمار فحسب. وفي نهاية المطاف، لا يمكن تعريف السلام بمن يستفيدون من الحرب أو الاحتلال أو المصالح السياسية، بل يجب أن يكون متجذراً في العدالة والمساءلة والاعتراف بحقوق المظلومين.

وإلى أن يتحقق ذلك، سيبقى وقف إطلاق النار و"صفقات السلام" مجرد لفتات سطحية و"هدنات" مؤقتة تخفي عنفاً أعمق وتهجيراً مستمراً. ويدرك الفلسطينيون في غزة، ومن يدعمهم دولياً، هذه الحقيقة التي تتمثل في العمل المستدام والتضامن العالمي والمساءلة المنهجية وحدهما كفيلان بتحقيق السلام الحقيقي.

لقد كان أسطول الصمود العالمي مجرد البداية، وكان دليلاً على جدوى الفكرة، إذ برهن على أن الناس العاديين، عبر الحدود، قادرون على تحدي الظلم والمطالبة برفع الحصار والإصرار على محاسبة المسؤولين عن عقود من العنف. وإذا تجاهلت الحكومات هذا الزخم، فلن يتلاشى، بل سينمو، مدفوعاً بنفس المبدأ الذي يُوجّه النضال في فلسطين: العدالة لا تنتظر.

المصدر: Newsweek

المقالة تعبر فقط عن رأي الصحيفة أو الكاتب

*المصدر: ار تي عربي | arabic.rt.com
اخبار فلسطين على مدار الساعة

حقوق التأليف والنشر © 2025 موقع كل يوم

عنوان: Armenia, 8041, Yerevan
Nor Nork 3st Micro-District,

هاتف:

البريد الإلكتروني: admin@klyoum.com