مع بروز اسمه في مستقبل غزة.. نظرة على تاريخ توني بلير المثير للجدل
klyoum.com
(CNN) -- يعود رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير إلى دائرة الضوء الدولية كرئيس محتمل لهيئة مكلفة بإعادة إعمار قطاع غزة. في حال التوصل لاتفاق لوقف إطلاق نار شامل بالقطاع.
سيُوظّف بلير سنوات من الخبرة السياسية والتفاوضية في هذه المهمة بعد أن شغل منصب رئيس الوزراء البريطاني لعقد من الزمن، ثم عمل مبعوثًا دوليًا في الشرق الأوسط.
بعد عام واحد فقط من توليه منصب رئيس الوزراء عام 1998، أبرم بلير، بوساطة أمريكية، أحد أهم إنجازاته في منصبه، "اتفاقية الجمعة العظيمة"، التي جلبت السلام إلى إيرلندا الشمالية. وكان عمره آنذاك 43 عامًا، ما جعله أصغر رئيس وزراء بريطاني سنا منذ عام 1812.
وقبل 8 سنوات، سُئل بلير الغامض عن سبب دخوله عالم السياسة. فقال رئيس الوزراء البريطاني الأسبق حينها: "تنظر إلى العالم من حولك، وتعتقد أن الأمور على غير ما يرام. وتريد تغييرها".
لم تكن لبلير قط عقيدة أو فلسفة حكم، على عكس سلفه، مارغريت تاتشر. لكنه ظل في منصبه حتى عام 2007، ونشط في الدبلوماسية والاستثمار الدولي منذ ذلك الحين.
ومع ذلك، لم يخلُ تعيينه الجديد في غزة من الجدل. إذ قاد بلير المملكة المتحدة إلى حرب العراق دعماً للرئيس الأمريكي آنذاك جورج بوش الابن عام 2003. وقد شوّه ذلك إرثه وأدى إلى احتجاجات شعبية ودبلوماسية.
وكتب أكثر من 50 دبلوماسياً بريطانياً سابقاً رفيع المستوى رسالة مفتوحة في إبريل/نيسان 2004 ينتقدون فيها دعمه الثابت للسياسات التي تقودها الولايات المتحدة في كل من العراق والصراع الإسرائيلي-الفلسطيني، ووصفوه بأنه "محكوم عليه بالفشل".
وخلص تحقيق مستقل حول دعم بلير لغزو العراق لاحقاً إلى أنه بالغ في تبرير الحرب، وأنه لم يكن هناك تهديد وشيك من نظام صدام حسين في ذلك الحين.
وغزت الولايات المتحدة العراق بهدف معلن هو البحث عن أسلحة دمار شامل مخفية، لكن لم يكن هناك أي منها.
وفي منصبه السياسي اللاحق كمبعوث للشرق الأوسط لما كان يُعرف باللجنة الرباعية الدولية، لم يكن محبوبًا لدى الفلسطينيين لموقفه المؤيد لإسرائيل.
وضمت اللجنة الرباعية الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي وروسيا والولايات المتحدة، وعيّنت بلير مبعوثًا لها عام 2007 بهدف المساعدة في تطوير الاقتصاد والمؤسسات الفلسطينية. وأمضى 8 سنوات في هذا المنصب قبل استقالته عام 2015، وفي تلك المرحلة كانت المفاوضات بين الإسرائيليين والفلسطينيين متعثرة، وأصبح حل الدولتين حلمًا يتضاءل.
ووسط تزايد الانتقادات في السنوات الأخيرة من ولاية بلير، قال كبير المفاوضين الفلسطينيين السابق، نبيل شعث، إنه "لم يحقق سوى القليل جدًا بسبب جهوده الحثيثة لإرضاء الإسرائيليين".
وأضاف شعث: "لقد قلّص دوره تدريجيًا إلى مجرد مطالبة الإسرائيليين بإزالة حاجز هنا أو حاجز هناك".
ولم تتحسن صورة بلير في الضفة الغربية كثيرًا منذ ذلك الحين. إذ صرّح مصطفى البرغوثي، من المبادرة الوطنية الفلسطينية، لشبكة CNN الاثنين قائلا: "لقد ادّعى وجود أسلحة دمار شامل (في العراق)، وتبيّن أنها كذبة كبيرة".
وأضاف البرغوثي: "أعتقد أنه من الأفضل أن يبقى في بلده ويترك الفلسطينيين يحكمون أنفسهم. والأهم من ذلك، أن يُجري الفلسطينيون انتخابات ديمقراطية حرة لانتخاب قادتهم بحرية وديمقراطية، بدلًا من إخضاعنا لحكم استعماري آخر". ولم تُجرِ السلطة الفلسطينية، التي تحكم الضفة الغربية المحتلة، انتخابات رئاسية أو برلمانية منذ ما يقرب من عقدين.
وخلال فترة عمله مبعوثًا للجنة الرباعية، ردّ مكتب بلير على مزاعم إنجازه "الضئيل" بالإصرار على أنه "يؤمن إيمانًا راسخًا بحل الدولتين، ولكنه يعتقد أيضًا أنه لا يمكن تحقيقه إلا من خلال التفاوض مع إسرائيل".
ولكن في الأيام الأخيرة، برز عدم دعم بلير لحكومة حزب العمال الحالية في اعترافها بدولة فلسطينية. وعندما سُئل عما إذا كانت المملكة المتحدة تدعم دوره، تجنب مكتب رئيس الوزراء الإجابة، قائلاً فقط: "ينصبّ تركيزنا على محادثات السلام، التي من الواضح أننا نلعب دورًا فاعلًا فيها".
ومع ذلك، يُنظر إلى بلير على أنه مناسب لهذا الدور في غزة. إذ أمضى معهد توني بلير للتغيير العالمي (TBI)، بالتعاون الوثيق مع إدارة ترامب، أشهرًا في استكشاف سيناريوهات "اليوم التالي" لإعادة إعمار غزة.
وقد أثارت بعض هذه السيناريوهات جدلًا واسعًا. فقد كشف تحقيقٌ أجرته صحيفة "فاينانشال تايمز" هذا العام أن موظفين من المعهد شاركوا في دراسةٍ تصوّر إعادة إعمار غزة، والتي كانت ستشمل دفع أموالٍ للفلسطينيين لمغادرة أراضيهم.
وردّ المعهد بأن خطط بلير "لم تكن يومًا تتعلق بنقل سكان غزة، وهو اقتراح لم يُعِده أو يُطوّره أو يُصادق عليه المعهد".
وفي أغسطس/آب، التقى بلير في البيت الأبيض بصهر الرئيس دونالد ترامب، جاريد كوشنر، ومبعوثه إلى الشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، لمناقشة أفكار إعادة الإعمار.
لا شك أنه يحظى باهتمام إدارة ترامب، ومن خلال شركته الاستشارية السابقة كانت تربطه علاقات وثيقة بالإمارات العربية المتحدة. هذه العلاقات تُتيح لبلير بالفعل علاقات باثنتين من أهم الدول التي ستشارك في تكوين مستقبل غزة بعد الحرب، ولكن فقط في حال التوصل إلى وقف شامل لإطلاق النار.
ولطالما حظي بحفاوة بالغة واحترام كبير في إسرائيل. لكن بصفته مبعوث اللجنة الرباعية، نادرًا ما زار غزة.
وصرح عضو المكتب السياسي لحماس، حسام بدران، لقناة الجزيرة بأن بلير "شخصية غير مرغوب فيها في السياق الفلسطيني، وربط أي خطة به نذير شؤم على الشعب الفلسطيني".
وأضاف بدران أن بلير لعب "دورًا إجراميًا ومدمرًا منذ حرب العراق".
ورحّب بلير نفسه بخطة السلام المكونة من عشرين نقطة التي طرحها ترامب، واصفًا إياها بأنها "جريئة وذكية"، قائلًا إنها تَعِد "بفرصة مستقبل أفضل وأكثر إشراقًا لشعب غزة، مع ضمان أمن إسرائيل المطلق والدائم".
والجدير بالذكر أنه تحدث عن "إمكانية قيام تحالف إقليمي وعالمي أوسع لمواجهة قوى التطرف"، وهي قضية ركّز عليها هو ومعهده.
إن بلير، المفاوض الذي يعترف المنتقدون بقدر ما يعترف المؤيدون بذكائه وفهمه للتفاصيل، سوف يحتاج إلى كل خبرته وقدرته على الإقناع في دوره الجديد، إذا ما نجح.