اخبار فلسطين

سما الإخبارية

سياسة

كيف تستخدم "إسرائيل" رمزا توراتيا لتبرير الإبادة في غزة؟

كيف تستخدم "إسرائيل" رمزا توراتيا لتبرير الإبادة في غزة؟

klyoum.com

أطلق جيش الاحتلال الإسرائيلي اسم "عربات (مركبات) جدعون" على تصعيد حرب الإبادة الإسرائيلية ضد قطاع غزة، وهو اسم له دلالات توراتية وسياسية عديدة، وسبق استخدامه في أكثر من جريمة تاريخية ضد الشعب الفلسطيني.

وتهدف الخطة بشكل صريح إلى احتلال كامل قطاع غزة وإنشاء معسكر اعتقال لسكانه جنوبا، تمهيدًا لتهجير جماعي، وقد تتحول لعملية إبادة أوسع.

ويعكس اختيار اسم "جدعون" في العديد من الخطط والعمليات والوحدات العسكرية رغبة "إسرائيل" في استحضار رموز دينية وتاريخية تعزز من "شرعية" عملياتها العسكرية، وتُضفي عليها طابعا "بطوليًا" مستمدًا من القصص التوراتية.

ويأتي استخدام الاسم للتأكيد على فكرة "الانتصار بالقلة المؤمنة" و"التفوق بالتكتيك والإيمان" في مواجهة أعداء أكثر "عددًا وقوة ووحشية".

من هو جدعون؟

تعود قصة جدعون إلى العهد القديم أو التناخ اليهودي، وهي ليست مرتبطة مباشرة بـ"عربات" بالمعنى الحرفي، بل ترمز إلى "القوة والتكتيك والقيادة المُلهمة" التي جسدها هذا القاضي اليهودي، وارتبط اسمه بالقصة اليهودية التي تجسد فكرة "النصر بالإيمان والخداع التكتيكي وليس بالعدد أو العتاد".

وبحسب الرواية اليهودية، كان بنو إسرائيل في زمن جدعون تحت قهر المديانيين الذين كانوا يهاجمونهم ويدمرون محاصيلهم، فاحتموا بالكهوف والمغارات، وصرخوا إلى الرب، الذي أرسل لهم ملاكًا ليُكلف جدعون بمهمة إنقاذهم.

وجاء في الرواية اليهودية أيضًا أن "ملاك الرب يظهر لجدعون بينما كان يدرس القمح خفية، ويقول له: الرب معك يا جبار البأس"، ويشك جدعون في دعوته، ويطلب علامات من الله ليتأكد أنه المختار، ويقدّم ذبيحة، وتُقبل بشكل خارق، مما يؤكد الدعوة الإلهية، بحسب ما جاء في "سفر القضاة".

ويُكلَّف جدعون بتحطيم مذبح البعل الذي كان لأبيه، وبناء مذبح للرب بدلًا منه، حيث ينفّذ المهمة ليلًا خوفًا من القوم، ويكسب لقب "يربّعل" أي "ليحاكمه البعل".

ومذبح البعل هو بناء أو مكان مقدس يُستخدم لتقديم القرابين والعبادات للإله الوثني بعل، وهو أحد أبرز الآلهة في الديانات الكنعانية والفينيقية القديمة، ويُذكر المذبح بكثرة في النصوص التوراتية بوصفه رمزًا للوثنية والانحراف الديني الذي وقع فيه بنو إسرائيل.

وجاء في الرواية اليهودية أيضًا أن "جدعون يجمع جيشًا قوامه 32 ألف رجل لمحاربة المديانيين، بينما الرب يرى أن العدد كبير جدًا، ويأمره بتقليصه حتى لا يفتخر الشعب بقوّتهم، ويطلب من جدعون أن يراقب كيف يشرب الجنود من النهر؛ فمن يلعق الماء بلسانه ككلب، يتم اختياره، ومن يركع ليشرب، يتم استبعاده، ليتم اختيار 300 رجل فقط".

ويُقسّم جدعون رجاله الـ300 إلى ثلاث فرق، و"يُعطى كل جندي بوقًا وجرة فخارية بداخلها مشعل نار، وفي الهجوم الليلي، يقومون بتحطيم الجرار، وإشعال المشاعل، والنفخ في الأبواق، والصراخ: سيف للرب ولجدعون"، ويسبب الهجوم المفاجئ ارتباكًا في معسكر المديانيين، ويبدأ الجنود في قتل بعضهم البعض، ويُقتل زعماؤهم وينتهي التهديد المدياني وتُحرر إسرائيل.

القصة من القرآن الكريم

تأتي قصة جدعون مشابهة إلى حد كبير لقصة طالوت التي وردت في القرآن الكريم، ورغم اختلاف السياقين الدينيين، إلا أن تفاصيل القصتين تُظهر تشابهًا لافتًا في البناء الرمزي والرسالة العقائدية.

ويرد ذكر جدعون بن يوآش في سفر القضاة (الإصحاحات 6–8) ضمن التوراة كقائد اختاره الرب في زمن كان فيه بنو إسرائيل تحت وطأة الاحتلال المدياني، ولم يكن من علية القوم ولا من القيادات العسكرية، بل شابًا عاديًا يشك في نفسه وقدرته.

وجاء وصف طالوت في القرآن الكريم ضمن سورة البقرة كملك اختاره الله لبني إسرائيل في فترة ضعف وشتات، لكن القوم اعترضوا على اختياره بسبب فقره وافتقاره للنسب القيادي.

ولعل أبرز نقاط التلاقي بين القصتين تكمن في اختبار النهر الذي شكّل لحظة غربلة إيمانية حاسمة. ففي الرواية التوراتية، أمر الرب جدعون بتصفية جيشه الذي بلغ 32 ألفًا، عبر مراقبة طريقة شربهم من الماء، فلم يبقَ معه إلا 300 جندي. أما في القرآن الكريم، فقد ابتُلي جيش طالوت بنهر، وقيل لهم: "فَمَن شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ ۚ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِّنْهُمْ".

في الحالتين، ينتصر القائد رغم التفوق العددي الساحق للعدو، فجدعون يهزم المديانيين عبر خطة ليلية ذكية، مستعينًا بالأبواق والمشاعل لترويعهم، بينما يُسجل داوود الشاب (قبل أن يُبعث نبيًا) النصر في قصة طالوت.

نتنياهو وجدعون

ترى الباحثة والمحللة السياسية الفلسطينية رهام عودة أن رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو يرى نفسه كـ"جدعون جديد بعث لليهود"، وأنه "تمت تسمية العملية باسم جدعون لأن نتنياهو يشبه نفسه بجدعون، حيث يعارضه عدد كبير من الشعب الإسرائيلي ويرفض التجنيد الإجباري".

وأضافت عودة في منشور عبر منصة "فيسبوك" أن "جدعون حسب التوراة فشل في تجنيد كافة أبناء شعب إسرائيل للحرب معه، وكان له معارضون وعدد كبير من المترددين للمشاركة في الحرب".

ورغم أن نتنياهو شخصيًا علماني في أسلوب حياته، إلا أنه يعتمد على التوراة والأحزاب الدينية للحصول على التأييد السياسي، فهو كثيرًا ما يُشير إلى التوراة كمصدر "تاريخي وشرعي" لوجود الشعب اليهودي في أرض فلسطين، ويُكرر عبارة: "الرب أعطى هذه الأرض لآبائنا"، وهو اقتباس من سفر التكوين.

ويعتبر نتنياهو أيضًا الضفة الغربية أنها "يهودا والسامرة"، وهي أرض توراتية وليست محتلة، ويستخدم ذلك لتبرير الاستيطان، كما أنه يُبرّر ضم شرق القدس بأن القدس هي العاصمة الأبدية التي اختارها الله لشعبه، مستندًا إلى المزامير وسفر صموئيل.

وفي خطاب له أمام الأمم المتحدة، قال نتنياهو: "هذا ليس مجرد صراع على الأرض، بل هو صراع على الحقيقة. اليهود كانوا هنا قبل ألفي عام، وكان لنا مملكة، وهي مذكورة في كل الكتب – التوراة والتاريخ على حد سواء".

تكرار استخدام "جدعون"

جاء احتلال وادي بيسان شمال شرق القدس ضمن عملية عُرفت باسم "عملية جدعون"، وكانت واحدة من آخر العمليات التي أطلقتها عصابات الهاغاناه قبل نهاية الانتداب البريطاني، كجزء من حرب النكبة عام 1948.

وكانت أهداف العملية هي الاستيلاء على بيسان وتطهير القرى المحيطة والمخيمات البدوية، وإغلاق أحد ممرات الدخول المحتملة لقوات شرق الأردن. وكانت جزءًا من خطة داليت.

ونفذ العملية لواء جولاني في الفترة ما بين 10-15 أيار/ مايو 1948، وقاد أفراهام يوفي الكتيبة التي استولت على بيسان.

ونجحت العملية في احتلال المنطقة، مما أدى إلى تهجير معظم سكانها العرب، وتحويل المدينة لاحقًا إلى مستوطنة يهودية.

وضم لواء جولاني سيئ السمعة ضمن وحدته كتيبة سُميت باسم "جدعون"، وحمل شعارها "شجرة جولاني مع سيف وجرة وبوق"، وهو مستوحى من قصة جدعون الذي استخدم هذه الأدوات في معركته ضد المديانيين.

وشاركت هذه الكتيبة في جميع حروب الاحتلال الإسرائيلي تقريبًا منذ تأسيسه.

وفي عام 2015، أطلق جيش الاحتلال خطة استراتيجية متعددة السنوات تُعرف باسم "خطة جدعون"، بقيادة رئيس الأركان آنذاك غادي آيزنكوت.

وهدفت هذه الخطة إلى إعادة هيكلة الجيش وتعزيز جاهزيته لمواجهة التحديات الأمنية المستقبلية، مستفيدة من دروس الحروب السابقة، مثل حرب لبنان الثانية عام 2006 وحرب غزة عام 2014.

وهدفت الخطة إلى إعادة هيكلة وتنظيم الجيش، من خلال تقليص حجمه النظامي والاحتياطي، مع التركيز على رفع كفاءة الوحدات القتالية، إضافة إلى دمج وحدات العمليات البرية والسايبر واللوجستيات لتعزيز التنسيق والفعالية.

وعملت الخطة أيضًا على تشكيل قيادة موحدة للعمليات الخاصة "JSOC"، وإعادة هيكلة وحدات المهام الخاصة، وإنشاء ذراع للسايبر بقيادة ضابط برتبة لواء، على غرار سلاحي الجو والبحر.

وكان من أهم أهداف الخطة توسيع استخدام التكنولوجيا في العمليات العسكرية، بما في ذلك الذكاء الاصطناعي والبيانات الضخمة، مع زيادة وتيرة التدريبات العسكرية، خاصة في المناطق الشمالية والجنوبية.

واتجهت الخطة إلى تقليص عدد المناصب الدائمة في الجيش، بما في ذلك تسريح حوالي 2,500 موظف، وإعادة توزيع الميزانية لتعزيز القدرات القتالية والتكنولوجية، وتحقيق توازن بين الردع والدفاع والحسم في العمليات العسكرية.

وواجهت الخطة انتقادات بسبب تقليص بعض الوحدات، مما أثار مخاوف بشأن الجاهزية اللوجستية. وأظهرت استطلاعات داخلية حينها تراجع ثقة الجنود بالقيادة العليا، مما يشير إلى تحديات في الروح المعنوية.

تُعتبر "خطة جدعون" تحولًا استراتيجيًا في العقيدة العسكرية الإسرائيلية، حيث سعت إلى بناء جيش أكثر مرونة وتكيفًا مع التحديات الحديثة، مع التركيز على التكنولوجيا والتدريب المتقدم.

*المصدر: سما الإخبارية | samanews.ps
اخبار فلسطين على مدار الساعة