اخبار فلسطين

وكالة شهاب للأنباء

سياسة

يوسف الزق.. حين تكون أولى صرخاتك في زنزانة وآخر أنفاسك تحت الأنقاض

يوسف الزق.. حين تكون أولى صرخاتك في زنزانة وآخر أنفاسك تحت الأنقاض

klyoum.com

تقرير – شهاب

في شارع الثورة وسط مدينة غزة، سكنت ذاكرة الغزيين مأساة جديدة، حين ارتقى الشهيد يوسف الزق، الشاب الذي وُلد في العتمة، واستُشهد تحت الأنقاض، يوسف لم يكن طفلًا عاديًا، بل حمل منذ ولادته لقبًا لم يحمله أحد قبله "أصغر أسير في العالم".

ولد يوسف عام 2008 في سجون الاحتلال الإسرائيلي، حيث كانت والدته الأسيرة المحررة فاطمة الزق تقبع في سجون الاحتلال الإسرائيلي، بعد اعتقالها وكانت حينها في شهرها الثاني من الحمل، ليقضي الجنين القادم تسعة أشهر في الرحم، وأكثر من عامين في الزنزانة.

في ذلك العام، أبصر يوسف النور خلف القضبان، ليرتبط اسمه منذ اللحظة الأولى بالنضال الفلسطيني، وتُسجل قصته في ذاكرة المقاومة كرمز للظلم الإسرائيلي والعناد الفلسطيني، لم يخرج يوسف إلى حضن والده وعائلته بعد الولادة، بل إلى غرفة ضيقة باردة في زنزانة مع والدته، لا يرى فيها إلا الجدران والأسلاك الشائكة والعيون المتربصة.

لم يكن يوسف يعرف حينها أن قدَرَه سيكون أن يُحاصَر مرتين، مرة في رحم الاحتلال، ومرة في قلب غزة المحاصرة، وبعد خروجه مع والدته في صفقة تبادل جزئية للأسرى عام 2009، عاش يوسف حياة يملؤها الحصار والمقاومة والأمل، محاطًا برعاية أسرته التي لطالما اعتبرته "هدية النصر".

لكن يد الاحتلال لا تنسى، ولا ترحم، بعد أكثر من 670 يومًا على الحرب الإسرائيلية المتواصلة على غزة، استهدفت طائرات الاحتلال شقة عائلته في شارع الثورة بمدينة غزة، ليرتقي يوسف شهيدًا، بعدما صار شابًا يافعًا لم يبلغ بعد الـ17 من عمره، وباستشهاده، طويت صفحة مؤلمة من حكاية بدأت خلف القضبان، وانتهت تحت الركام.

 

ولد أسيرًا واستشهد حرًا

في وداعه، لم تكن دموع والدته فاطمة دموعًا عادية، بل كانت حارقة كالجمر، هي التي احتضنته داخل السجن، وعاشته في ظروف قاسية، تحلم أن يكبر بين أقرانه في حرية، فإذا بها تودعه اليوم شهيدًا.

وأظهرت مقاطع فيديو منشورة عبر منصات التواصل الاجتماعي، وداعاً مؤثراً من الأسيرة الزق لنجلها يوسف قبل لحظات قليلة من عملية تشييعه، حيث قالت الأم والأسيرة المحررة: "الله يسهل عليك يوسف".

وتقول والدته المكلومة في لقاء سابق: "يوسف لم يعرف الحياة ككل الأطفال.. حتى حين خرج من السجن، لم يعرف الأمن ولا الهدوء، كان دومًا يسألني: أمي، لماذا كنت في السجن وأنا طفل؟ لماذا يحتجزون الأطفال؟ كنت أقول له: لأنك فلسطيني.. لأننا أصحاب حق".

واليوم، ترحل فاطمة عن دور الأم التي تحمي، وتعود إلى دور المناضلة التي تشهد على فصول جديدة من العدوان، فتقف أمام نعش ابنها بالدمع والصبر، وتردد: "الله يسهل عليك يا حبيبي .. استشهد يوسف كما ولد.. بكرامة، وحرية، ووجع".

وبينما صوّت العالم مرارًا على "حماية الأطفال في النزاعات"، ظل يوسف الزق مجرد رقم جديد في سلسلة طويلة من الأطفال الفلسطينيين الذين لم يمنحهم أحد فرصة للنجاة، وكن قصته ستبقى شاهدًا حيًا على طفل لم يعرف الحرية إلا لحظة استشهاده.

وداعًا يوسف

ما إن أُعلن عن استشهاد يوسف الزق، حتى اشتعلت منصات التواصل الاجتماعي بآلاف المنشورات، تغريدات وصور ومقاطع فيديو، تستذكر سيرة الشهيد الذي وُلد في الزنزانة واستُشهد في غزة، حيث عبّر آلاف النشطاء والصحفيين والمؤثرين عن حزنهم وغضبهم.

كتب أحدهم: "الطفل الذي وُلد خلف القضبان، خرج لينتظر الحريّة، فسبقته روحه إليها.. يوسف الزق ليس مجرد شهيد، بل تاريخ من الألم الفلسطيني".

كما كتبت ناشطة فلسطينية، على منصة التواصل الاجتماعي (X): "يوسف الزق مات مرتين، مرة حين وُلد في السجن، ومرة حين سقط بيته على جسده الهزيل.. هذا العالم لا يستحق دمعة من يوسف".

في حين نشر كثيرون صورًا قديمة ليوسف طفلًا في أحضان والدته بعد تحرّره، إلى جانب صور أشلاء بيته المُدمّر، في مشهد مؤلم اختصر سنوات من الاضطهاد.

وأجمع المغردون على أن استشهاد يوسف ليس فقط فقدان شاب فلسطيني، بل اغتيال لقصة نضال حقيقية ورسالة موثقة عن عنصرية الاحتلال وجرائمه بحق الطفولة الفلسطينية.

يوسف الزق لم يُمنح وقتًا كافيًا ليحيا ككل البشر، لكنه عاش كرمز حيّ لمظلومية مركبة، أسير منذ الميلاد، لاجئ بالهوية، وشهيد في نهايته، الذي خرج من رحم والدته في زنزانة، وخرجت روحه من بين الأنقاض في غزة، ليكون شاهدًا على أن كل الفلسطينيين -حتى الرُضّع- مُعرضون للاعتقال أو الاغتيال.

ومنذ بداية حرب الإبادة على القطاع، اغتال الاحتلال ما يزيد عن 33 أسيراً محرراً غالبيتهم من محرري صفقة "وفاء الأحرار"، التي جرت عام 2011 وجرى خلالها الإفراج عن 1027 أسيراً وأسيرة من السجون الإسرائيلية.

*المصدر: وكالة شهاب للأنباء | shehabnews.com
اخبار فلسطين على مدار الساعة