اخبار فلسطين

وكالة سوا الإخبارية

سياسة

خطة ترامب بين خطين متوازيين

خطة ترامب بين خطين متوازيين

klyoum.com

ما بين يومي الثلاثاء والإثنين الماضيين، ستة أيام فقط، لكن على ما يبدو الفارق شاسع ما بين ما أعلنه الرئيس الأميركي مما قال عنه خطته بشأن غزة ، والذي وصفه بالتاريخي، خلال لقائه قادة ثماني دول عربية وإسلامية في نيويورك، وبين ما أعلن بعد لقائه بنيامين نتنياهو رئيس حكومة الحرب الإسرائيلية، فارق لا يمكن «جسرة» أو تجاوزه لا في ثلاثة أو اربعة، ولا حتى في ثلاثة أو أربعة أشهر.

والحقيقة أنه يمكن لأي أحد يسعى للوقوف عند كنه شخصية الرئيس الأميركي الحالي، لا أن يذهب بعيداً في التاريخ، ولا حتى أن يعود لما سار عليه من سياسات مختلفة خلال ولايته الأولى ما بين عامي 2016_2020، ولا حتى لما فعله خلال التسعة أشهر الماضية، أي منذ تولى مقاليد الحكم رسمياً، ولكن يمكن بكل يسر وسهولة النظر الى لقائيه خلال اقل من اسبوع مع طرفين متقابلين في الشرق الأوسط، احدهما هو من يصر على شن الحرب في كل الاتجاهات ويصر على متابعتها، بل وارتكاب كل جرائم الحرب الممكنة فيها، وهو اتُهم من قبل أرفع محكمة دولية، وقبل أكثر من عام ونصف، أي قبل أن تمضي ثلاثة أرباع كل الوقت الذي مضى على الحرب، بكونه مجرم حرب، مطلوباً للعدالة الدولية، وهو يمثل دولة واحدة، هي إسرائيل، فيما الطرف الآخر ليس طرفاً مباشراً ولا مستتراً في الحرب، ومكون من ثماني دول مركزية في العالمين العربي والإسلامي، من بينهما دولتان تشاركان أميركا نفسها في «التوسط» بين طرفي الحرب، كذلك هناك دولة نووية، وأخرى عضو في الناتو، ومن بينها ثلاث دول يحتاج ترامب استثماراتها المالية، وهناك ثلاث دول من بينها وبين إسرائيل اتفاقيات سلام.

وهذا يظهر «هشاشة» بل بهلوانية شخصية ترامب، وبالتالي عجزه عن أن يحقق شيئاً مهماً، لا في الشرق الأوسط، ولا في شرق أوروبا، ولا في البر الصيني، ولا حتى في أميركا الوسطى، هو ما عرضه على الدول العربية الإسلامية الثماني، وما عرضه على بنيامين نتنياهو، وواضح أن هناك فارقاً جوهرياً بين العرضين، بما يعني أن «خطة ترامب» لها أكثر من صورة، أو على الأٌقل لها وجهان، والفارق كان واضحاً منذ لقائه مع قادة الدول العربية_الإسلامية الثماني، حيث لم يتم نشر ما سُمي بخطة الواحد والعشرين نقطة، بل وصل الأمر الى القول بأن ترامب عرض على القادة العرب والمسلمين ورقة بيضاء، لكن على أي حال، تحدث الإعلام عن خطوط عامة، ترافقت مع تصريحات لترامب نفسه، كانت مثيرة، اهمها أنه لن يسمح بضم اسرائيلي للضفة الغربية، وكان ذلك بعد تحذير إماراتي بتعليق اتفاقية أبراهام، وتحذير سعودي أيضاً، وذلك في مواجهة نوايا الحكومة الإسرائيلية للرد على اعترافات الغرب بدولة فلسطين في مؤتمر نيويورك وفي الجمعية العامة، ثم تضمن الحديث عن إطلاق سراح المحتجزين خلال يومين او ثلاثة من موافقة إسرائيل و حماس على خطة الإحدى وعشرين نقطة، يتبعها تدفق المساعدات ووقف الحرب، وانسحاب إسرائيلي تدريجي، وعدم تهجير سكان غزة.

لوحظ أولاً عدم طرح أمام الإعلام على الأقل الخطة التي عُرضت على القادة العرب والمسلمين، بكل بنودها، ويبدو ان ترامب تحدث أمامهم حديثاً عاماً، ولم يقدم لهم ورقة مكتوبة، واقتصر كلامه عما يحبون سماعه، وهو وقف الحرب، وانسحاب الجيش الإسرائيلي من غزة، وعدم تهجير سكانها، إضافة بالطبع لعدم ضم الضفة الغربية، مقابل اطلاق سراح المحتجزين، وجرى الحديث بأهمية اقل عن عدم حكم حماس، وهذا بات بنداً لا أحد يقف ضده، ولا حماس نفسها، أما بعد لقائه مع نتنياهو، فيبدو أن الأمر اختلف، وعلى الأرجح ان ترامب عرض أمامه تلك الخطوط العامة، لكن نتنياهو بالطبع، وبعد لقاء تمهيدي بين رون دريمر وجدعون ساعر من جهة وستيف ويتكوف وجاريد كوشنير من جهة ثانية، جرى «تعديل» البنود، وهذا ما قاله نتنياهو تماماً، ولم يجر تكذيبه لا من ترامب ولا من مساعديه، صحيح أن التعديل لم يتضمن كل ما أراده نتنياهو، وهذا الذي وصفه ترامب نفسه، بأنه لن يوافق على تعديلات لمجرد حل مشاكل نتنياهو السياسية مع ائتلافه.

وقد جاء هذا في إعلان للقناة 12 الإسرائيلية التي قالت إن ترامب اجرى اتصالاً هاتفياً مع نتنياهو صباح الأربعاء، أي بعد ان عاد الى إسرائيل وعقد اجتماعاً للحكومة، اعلن خلاله بانه قلب الطاولة، يقصد على ما كان من لقاء لترامب مع قادة الدول الثماني الذي سبق لقاءه مع الرئيس الأميركي، وقالت القناة الإسرائيلية إن ترامب حذر نتنياهو من التراجع عن موافقته على الخطة الأميركية، ويبدو ذلك بالنظر الى ان نتنياهو أرجأ عرض تفاصيل ما وافق عليه أمام ترامب لاجتماع الكابينت لاحقاً، أي بعد اجتماع الثلاثاء مع الحكومة.

جوهر الأمر، أن هناك خطة اميركية غير واضحة، لأن ترامب نفسه لم يعلن الخطة بكل بنودها وتفاصيلها، الأمر الذي دفع بالطرفين اللذين التقياه، الى ان يوافقا على ما عُرض أمامهما من أفكار عامة، وليس هناك من خطة مكتوبة، او حتى اتفاقية تقدم للطرفين المعنيين حتى يجري التوقيع عليها، وهذا يعني على اقل تقدير، وحتى لو خضعت حماس لتهديد ترامب وردت بالموافقة على خطة لم تعرض عليها رسمياً، والمنطق يقول، لكونها الطرف المقابل، وما دام ترامب قد عرضها على نتنياهو، وأجرى معه تعديلاً عليها، فإن من حق حماس ان تتمتع بنفس الفرصة التي مُنحت لنتنياهو، فإن الشروع بالتنفيذ بحاجة الى تفاصيل، بل الى مفاوضات، وهذا يعني العودة الى الدوحة والقاهرة، وكل ما قاله نتنياهو وغيره، لن يكون له اي قيمة، وما سيجري البناء عليه هو إطلاق سراح المحتجزين مقابل وقف الحرب، ثم يتناول التفاوض الجداول الزمنية، من إدخال المساعدات والانسحاب الإسرائيلي، وإطلاق سرح الأسرى الفلسطينيين وعددهم، وأشياء مهمة كثيرة، أهمها بالطبع جدول زمني بالانسحاب الإسرائيلي، كذلك ترجمة نزع سلاح حماس، او خروجها من الحكم، وهذا يتأتى ضمناً مع التوافق على من سيدير غزة بعد وقف الحرب.

المستهجن هو أن ترامب اعلن بعد لقائه مع نتنياهو، والإعلان عن ان رئيس الحكومة الإسرائيلية قد وافق على الخطة الأميركية، قد امهل حماس مدة ثلاثة الى أربعة ايام للموافقة على الخطة، التي لا تعرف عنها شيئاً، ولم تمنح فرصة مناقشتها، كما كان الحال مع خصمها، وإلا فإن إسرائيل تعرف ما ستقوم بفعله، اي ان ترامب يهدد حماس بإسرائيل، «فأبشر بطول سلامة يا مربع» وكأن إسرائيل وطوال عامين بقي أمامها شيء لم تفعله، وكأن أيضاً تهديدات ترامب قد أخافت احداً، منذ كانون الثاني الماضي، حين هدد حماس إطلاق المحتجزين وإلا ستواجه الجحيم، يمكن القول بأن غزة وفلسطين تواجه الجحيم منذ ثمانين عاماً.

وما زال نتنياهو يواصل الحرب بدعوى تحقيق أهداف الحرب، أي انه لم يحققها بعد، وفي الحقيقة إن استعراضاً سريعاً لما كان عليه الحال قبل عام، حين ارتفعت عقيرة نتنياهو وجوقته الفاشية بتغيير وجه الشرق الأوسط، بإقامة إسرائيل العظمى، من الفرات الى النيل صارت اليوم في خبر كان، فتحول فريق الحكم الفاشي للتعلق «بالعكازة الوحيدة» التي تبقت له وهي ترامب، لمواصلة الحرب لتحقيق هدف إسرائيل الكبرى، اي اسرائيل المعلنة في 48 مع كامل ارض دولة فلسطين، لكن التهديد بانهيار اهم منجز مشترك لنتنياهو ترامب خلال 30 سنة مضت وهو اتفاقات ابراهام، كذلك تداعي الدول العربية: السعودية، الأردن، مصر، والإمارات، مع فرنسا والدول الغربية، وإسنادها للسلطة الفلسطينية لمنع انهيارها الذي يدفع به سموتريتش وبن غفير، وصولا الى تحذير ترامب نفسه من انه لن يسمح لهم بالضم، وأخيراً تضمين خطته الضبابية عدم تهجير سكان قطاع غزة، يعني بأن حرب الإبادة الإسرائيلية لم تحقق أهدافها، بما يعني بأن وقف الحرب بأية صيغة او شكل ما هو إلا إعلان هزيمة نتنياهو.

أخيراً وقبل لحظة من غرق سفينة نتنياهو، سيقفز منها ترامب، الذي وجه أول طلقاته لنتنياهو بتوقيعه مرسوم حماية قطر، بما يعني شيئاً واحداً، هو ان قادة حماس في قطر باتوا تحت الحماية الأميركية!

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

*المصدر: وكالة سوا الإخبارية | palsawa.com
اخبار فلسطين على مدار الساعة