اخبار فلسطين

وكالة شهاب للأنباء

سياسة

في ظل الحصار والمجاعة.. أطفال غزة يعانون من سوء تغذية حاد آخذ في التضاعف بوتيرة مرعبة

في ظل الحصار والمجاعة.. أطفال غزة يعانون من سوء تغذية حاد آخذ في التضاعف بوتيرة مرعبة

klyoum.com

خاص/ شهاب

في وقتٍ يواصل فيه الاحتلال الإسرائيلي حصاره الخانق على قطاع غزة، بات الجوع وجهًا من وجوه الحرب، وضحاياه هذه المرة أطفالٌ لا تتجاوز أعمارهم السنوات الخمس. وقد أعلنت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) أن أكثر من خمسة آلاف طفل في غزة تلقوا علاجًا من سوء التغذية الحاد خلال شهر واحد فقط، ما يمثل زيادة صادمة بنسبة 150% عن أرقام فبراير الماضي. هذا التصعيد لم يأتِ من فراغ، بل يعكس انهيارًا فعليًا للمنظومة الغذائية والصحية في القطاع المحاصر.

تقول الأونروا، وهي من الجهات القليلة التي تقدم خدمات طارئة في غزة (متوقفة مؤقتاً)، إن الأطفال هناك "يتضورون جوعًا"، في ظل عجز شبه تام عن إدخال مساعدات إنسانية كافية، ووسط تقارير دولية متطابقة تحذّر من مخاطر المجاعة. وبينما تقف الشاحنات المحمّلة بالغذاء والدواء على أبواب المعابر، يموت الأطفال في الداخل بسبب نقص أبسط مقومات البقاء: الحليب والماء النظيف.

أقسام الأطفال

في أقسام الأطفال داخل مستشفيات غزة، تتجلى الأزمة بأبشع صورها. الدكتور أحمد الفرا، رئيس قسم الأطفال والولادة في مجمع ناصر الطبي بخانيونس، يرصد هذه الكارثة يوميًا. يقول إن المستشفى يستقبل نحو عشر حالات جديدة من الأطفال المصابين بسوء التغذية الحاد يوميًا، لكن النقص الحاد في الأسرّة والمستلزمات لا يسمح باستيعابهم.

والأخطر، وفق الفرا، أن حليب الأطفال بأنواعه — وخاصة العلاجي منه — مفقود تمامًا منذ أكثر من أربعة أشهر.

وأوضح الفرا في تصريح صحفي خاص لوكالة شهاب أن هذا النقص يُهدد حياة 500 طفل يعانون من أمراض استقلابية نادرة تتطلب تغذية خاصة، محذرًا من نتائج قد تصل إلى التخلف العقلي، الشلل الدماغي، بل والموت.

الأشكال التي يظهر بها سوء التغذية في غزة ليست عابرة. يصفها الفرا بثلاثة أنماط رئيسية: "المارازمس"، حيث يفقد الطفل ما يقارب 40% من وزنه نتيجة نقص السعرات الحرارية، و"الكواشيوركور" الناجم عن نقص البروتين ويؤدي إلى تورمات في الجسم، إضافة إلى الحالات المركبة التي تجمع بين الحالتين. هذه الأنماط لا تُسبب فقط ضعفًا شديدًا في المناعة، بل تؤثر على نمو الطفل العقلي والسلوكي بشكل دائم، لا يمكن إصلاحه حتى لو تم تأمين الغذاء لاحقًا.

ووفقًا للفرا، فإن المشكلة تبدأ حتى قبل الولادة، فالأمهات الحوامل في غزة يُعانين من سوء تغذية حاد، ما يؤدي إلى ولادات مبكرة وأطفال ناقصي وزن، أو مشوهين. ومع غياب الحليب الصناعي وفقر تغذية الأم، يُحرم الرضيع من العناصر الأساسية لنمو دماغه وجسده. وكما يوضح الفرا: "الضرر الناتج عن حرمان الطفل من الغذاء في الأشهر الستة الأولى لا يمكن إصلاحه لاحقًا، حتى مع توفر الفيتامينات".

تحذيرات دولية

إلى جانب هذه الشهادات من الميدان، تتوالى التحذيرات الدولية من منظمات أممية مرموقة حول خطورة الوضع. فقد أعلنت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) أن عدد الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية الحاد في غزة آخذ في التضاعف بوتيرة مرعبة.

وأكدت ممثلة اليونيسف في فلسطين، جان كوغان، أن معدلات الهزال الحاد بين الأطفال ارتفعت من 4.7% إلى 5.8% في غضون أسابيع قليلة، وهو تطور اعتبرته "مؤشرًا على كارثة غذائية باتت وشيكة".

أما برنامج الغذاء العالمي، فقد تحدّث عن نقص حاد في الإمدادات الغذائية، خاصة الأغذية العلاجية الضرورية لإنقاذ حياة الأطفال، مشيرًا إلى أن المخزون المتاح لا يكفي لأكثر من أسابيع قليلة، وسط صعوبات متزايدة في إدخال المواد الأساسية عبر المعابر.

وصرّحت سيندي ماكين، المديرة التنفيذية للبرنامج، بأن "الأطفال في غزة لا يموتون بسبب قلة الطعام فحسب، بل لأن العالم يمنع عنهم الغذاء". وأضافت: "هذا الحصار يجب أن يُرفع فورًا قبل أن نموت كمنظمات إنسانية أمام أعين هؤلاء الأطفال".

انعدام الأمن الغذائي

من جهته، أشار مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة (OCHA) إلى أن نحو 70% من السكان يواجهون مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي، بينما وصفت منظمة الصحة العالمية الوضع بأنه "أزمة وجودية لجيل كامل".

وقال المتحدث باسم المنظمة في جنيف إن "سوء التغذية بات يؤدي إلى وفيات حقيقية بين الأطفال، إضافة إلى آثار لا تُمحى على الصحة العقلية والنمو الجسدي".

وقد أجمعت هذه المنظمات على أن استمرار القيود على إدخال المساعدات، لا سيما الغذائية والطبية، يفاقم الأزمة ويفتح الباب أمام سيناريوهات أشد خطورة.

وتؤكد التقارير أن الأطفال الناجين من سوء التغذية لن يكونوا بالضرورة أصحاء، فمعظمهم سيحمل تبعات عقلية وجسدية تؤثر في مستقبلهم مدى الحياة، ما لم يُبادر العالم إلى تحرك حقيقي يتجاوز التصريحات.

ورغم الزخم الإعلامي العالمي، يبدو أن الجوع لم يعد مفاجئًا في غزة، بل جزءًا من واقع يومي يحاصر الطفولة من كل اتجاه. جيل كامل هناك ينهار بصمت، والأرقام الصادمة مجرد بداية لما قد يتحول إلى كارثة إنسانية أعمق، ما لم يُرفع الحصار ويُسمح بدخول الغذاء والدواء فورًا.

*المصدر: وكالة شهاب للأنباء | shehabnews.com
اخبار فلسطين على مدار الساعة