"رجلنا في رام الله".. موقع عبري يُوثّق صعود حسين الشيخ على أكتاف التنسيق الأمني
klyoum.com
أخر اخبار فلسطين:
قصف للخيام ومجازر لا تتوقف.. تطورات حرب الإبادة الجماعية على غزةفي عالم السياسة الفلسطينية، لم يكن صعود حسين الشيخ إلى قمة الهرم القيادي للسلطة الفلسطينية حدثًا عفويًا أو نتيجة طبيعية لنضال طويل، بقدر ما كان تتويجًا لمسار مشبوه من التماهي مع مشروع الاحتلال الإسرائيلي وأذرعه الأمنية، وتكريسًا لنموذج "الوكيل المحلي" الذي تم بناؤه بعناية في دهاليز التنسيق الأمني والتبعية الإدارية.
منذ توليه منصب نائب رئيس السلطة الفلسطينية مؤخرًا، بات من الواضح أن حسين الشيخ ليس مجرد وجه قيادي داخل فتح، بل هو ثمرة استراتيجية إسرائيلية طويلة المدى تهدف إلى إنتاج قيادة فلسطينية "مقبولة" من المؤسسة الأمنية والسياسية الإسرائيلية.
فقد تناول تقرير لموقع "سيحا مكوميت" العبري، وهو موقع تحليلي مهم داخل الأوساط الإسرائيلية، السيرة السياسية للشيخ، واصفًا إياه صراحة بـ"رجلنا في رام الله"، في دلالة صريحة على دوره كحلقة وصل موثوقة بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية.
النشأة والمسار: من "جيل البلاد" إلى رجل الأمن والعبور
ينتمي حسين الشيخ إلى ما يُعرف داخل الأوساط الإسرائيلية والفلسطينية بـ"جيل البلاد"؛ الجيل الذي نشأ بعد الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية عام 1967، وبدأ مسيرته داخل الضفة لا في الشتات كما هو حال كثير من قادة فتح التاريخيين. هذه النشأة المحلية كانت مدخله المبكر لفهم تفاصيل السيطرة الإسرائيلية على الأرض، وقد استخدم هذه المعرفة لاحقًا لترسيخ نفوذه من خلال وزارة التنسيق المدني مع الاحتلال.
في مقابل سيرة مروان البرغوثي الذي أصبح أيقونة للنضال الوطني ودفع ثمن مواقفه في سجون الاحتلال، تَشكَّلت سيرة حسين الشيخ ضمن مناخ مختلف تمامًا، اختلط فيه العمل السياسي بالعلاقات الأمنية، وتغذّت فيه الطموحات الشخصية من منابع الاحتلال نفسه.
التواطؤ المكشوف: من "التنظيم" إلى التنسيق الأمني
في بداياته خلال الانتفاضة الثانية، حسم حسين الشيخ بوصلته بعد صعود السلطة الفلسطينية، وتفرّغ لتوطيد علاقاته مع الأطراف الإسرائيلية. ووفق ما أورده موقع "سيحا مكوميت"، فقد تم ذكر الشيخ في سياق اتهامات مباشرة تتعلق بالضلوع في عمليات ضد إسرائيليين، لكنها لم تؤدِ إلى أي مساءلة أو اعتقال — وهي مفارقة لافتة في سلوك الاحتلال المعروف بعدم التساهل مع من يثبت ضلوعه في مقاومته. فكيف نجا حسين الشيخ من المحاسبة؟ الجواب غير المعلن يكمن في طبيعة الدور الذي بدأ الاحتلال يخطط له ضمن مؤسسة السلطة.
لاحقًا، عندما استلم وزارة "التنسيق المدني"، تحوّل حسين الشيخ إلى مسؤول عن شريان الحياة اليومي للفلسطينيين — التصاريح، التحويلات المالية، ونقل البضائع — بمعنى آخر، تحوّل إلى مدير مدني لصالح الاحتلال، يُنفذ السياسات الإسرائيلية بوجه فلسطيني، ضمن غطاء السلطة الفلسطينية.
دعم إسرائيلي مباشر لصعوده السياسي
التقرير ذاته أشار إلى رحلة الشيخ السياسية التي رتّبها أبو مازن بالتعاون مع المؤسسة الإسرائيلية، لتقديمه إلى الساحة الدولية كرجل براغماتي معتدل. لقد كانت هذه الرحلة بمنزلة "إعادة تصدير" الشيخ إلى المجتمع الدولي كممثل مثالي للمرحلة المقبلة، وهي مرحلة لا تُركّز على الاستقلال الوطني بقدر ما تهتم بإدامة التنسيق الأمني وضبط الشارع الفلسطيني.
وفي هذا السياق، وصف مسؤول كبير في المؤسسة الأمنية الإسرائيلية الشيخ في مجلة "فورين بوليسي" بأنه "رجلنا في رام الله" — وهي العبارة التي اختارتها الصحافة الإسرائيلية كعنوان لهذا التحليل، لتؤكد مرة أخرى أن الشيخ ليس فقط مقبولاً إسرائيليًا، بل تم بناؤه سياسيًا بتوجيه مباشر.
إخضاع الداخل الفلسطيني لصالح الاحتلال
مارس حسين الشيخ دورًا أساسيًا في تحجيم خصوم أبو مازن داخل حركة فتح، وكان أداته في تفكيك البنية القيادية للمعارضة الداخلية، ما أتاح له التقدم بثبات نحو قمة السلطة. لقد تم استبعاد محمد دحلان، وناصر القدوة، وتهميش جبريل الرجوب، في حين بقي الشيخ وحده في الدائرة الضيقة لعباس، حتى استحق موقع "الخليفة المحتمل".
بهذا المعنى، لم يكن حسين الشيخ مجرد خيار شخصي لعباس، بل كان الخيار الذي يناسب (إسرائيل)، ويلبي تطلعاتها بوجود "وكيل فلسطيني" يستطيع أن يضبط الداخل، ويدير السلطة بلا مطالب حقيقية تتعلق بالتحرر أو إنهاء الاحتلال.
المؤسسة الفلسطينية كذراع للسيطرة الإسرائيلية
يرى المحلل الإسرائيلي مناحيم كلاين، وهو أكاديمي مطّلع وعضو سابق في الوفد التفاوضي، أن المشروع الفلسطيني الذي مثّله عباس والشيخ لم يكن يومًا مشروع تحرر، بل تحوّل إلى جهاز بيروقراطي يمارس "العسكرة الداخلية" ضد شعبه، لحماية مصالح النخبة الإسرائيلية.
هذه النخبة، التي أسست اتفاق أوسلو، استخدمت عباس والشيخ وغيرهم كأدوات ضبط محلي، تُدار من خلال التنسيق الأمني، وتخدم في النهاية مشروع الاستعمار الاستيطاني.
في هذا السياق، تصبح السلطة الفلسطينية — وفق التحليل — جهازًا تابعًا للاستعمار لا يملك من أمره شيئًا، بل يُعيد إنتاج السيطرة الإسرائيلية بأدوات فلسطينية، وهي الفكرة التي يتمدد بها النظام الإسرائيلي الجديد نحو ضم فعلي وتحقيق نظام فصل عنصري كامل، وفقًا لتوصيف كلاين.
التحول الدولي والاندماج في مشروع التفوق اليهودي
تحذّر المقالة من خطورة المرحلة الحالية، حيث لم تعد (إسرائيل) بحاجة إلى وكلاء محليين كما في السابق، بل بدأت تُقلّص صلاحياتهم، وتعمل على فرض سيطرة مباشرة. وضمن هذا السياق، فإن مستقبل حسين الشيخ نفسه قد لا يكون مضمونًا، لأن النخبة الإسرائيلية الجديدة — المتطرفة عقائديًا — لم تعد ترى في الفلسطينيين أي قيمة، لا كمفاوضين ولا كشركاء، حتى ولو كانوا على شاكلة الشيخ.
ومع ذلك، فإن تجربة الشيخ تبقى درسًا في الكيفية التي يمكن فيها للاحتلال أن يُنتج نخبة محلية تُمثل امتدادًا له، وليس تحديًا له، بل تعمل على حماية أمنه وشرعنة وجوده، مقابل فتات من الامتيازات الشخصية والمناصب.
حسين الشيخ... النموذج الفاسد لوظيفة "الوكيل"
في النهاية، يظهر حسين الشيخ كمجرد حلقة في سلسلة طويلة من القيادات التي اختارت الطريق الأسهل نحو النفوذ السياسي، طريق يقوم على التنسيق مع الاحتلال، والتماهي مع شروطه الأمنية، والتخلي الكامل عن مشروع التحرر الوطني.
لقد صعد الشيخ إلى القمة ليس بقوة التأييد الشعبي، ولا من خلال تقديم مشروع وطني، بل بدعم مباشر من المؤسسة الإسرائيلية التي وجدته مناسبًا لإدارة الاحتلال بوجه فلسطيني.
تسليط الضوء على هذا المسار، لا يعني فقط إدانة الشيخ، بل هو دعوة لإعادة النظر في وظيفة السلطة الفلسطينية، وما إذا كانت لا تزال تمثل الشعب الفلسطيني، أم أنها تحوّلت إلى أداة أخرى بيد الاحتلال تُدير حياته وتقمع مقاومته، باسم "السلام" والتنسيق الأمنيز
المصدر : الرسالة نت