اخبار فلسطين

شبكة قدس الإخبارية

سياسة

في اليوم العالمي لحرية الصحافة: "الكذبة" الكبيرة حين يكون الصحفي فلسطينيًا

في اليوم العالمي لحرية الصحافة: "الكذبة" الكبيرة حين يكون الصحفي فلسطينيًا

klyoum.com

غزة - قدس الإخبارية: في الوقت الذي يقف فيه العالم ليحيي اليوم العالمي لحرية الصحافة، متغنّيًا بمبادئ الحق في التعبير والمعرفة والعدالة، تقف غزة وسط ركامها، لتعلن أن حرية الصحافة هنا تُكتب بالدم لا بالحبر، وتُمارَس تحت القصف لا في صالات التحرير.

ففي قطاع غزة، لا يأتي هذا اليوم بالورود والتكريمات، بل محمولًا على أكتاف الشهداء من الصحفيين والإعلاميين الذين دفعوا حياتهم ثمنًا للحقيقة.

استهداف الصحفيين: قتلًا وإصابة وبنىً تحتية 

منذ السابع من أكتوبر 2023، تاريخ بدء العدوان الإسرائيلي، وحتى اليوم، استُشهد 212 صحفيًا وإعلاميًا فلسطينيًا، من بينهم مراسلون ومصورون ومحررون وموظفون في مؤسسات إعلامية محلية ودولية، وفق إحصائيات المكتب الإعلامي الحكومي في قطاع غزة، كما أُصيب 409 آخرون بجراح متفاوتة الخطورة، بعضهم فقد أطرافه، وجميعهم فقدوا الأمن الشخصي.

إلى جانب ذلك، اعتُقل 48 صحفيًا، جرى توثيق أسمائهم، وتعرض عدد منهم للتعذيب وسوء المعاملة، في انتهاك فجّ لكل القوانين الدولية التي تحمي الصحفيين أثناء النزاعات.

الاستهداف الإسرائيلي للصحفيين لم يكن عشوائيًا ولا عرضيًا، بل هو سياسة ممنهجة تهدف إلى إسكات الصوت الفلسطيني ومحاصرة الكاميرا الفلسطينية التي ما زالت ترصد وتوثق الجرائم رغم القصف.

مئات المؤسسات الإعلامية لم تسلم من هذا العدوان، حيث جرى تدمير مقرات 143 مؤسسة، شملت صحفًا ورقية وإلكترونية وإذاعات وقنوات فضائية، كما تم تدمير مقرات 12 فضائية عربية ودولية كانت تعمل من غزة. في المقابل، لم تسلم منازل الصحفيين من القصف، حيث دُمّر 44 منزلًا بالكامل، واستُشهد 21 ناشطًا إعلاميًا كانوا يستخدمون منصات التواصل لنقل الصورة من قلب الحدث.

العدوان لم يتوقف عند الاستهداف المادي، بل طال البنية التحتية للصحافة الفلسطينية. فقد جرى تدمير المطابع، وإتلاف كاميرات البث ومعدات النقل المباشر، وملاحقة الحسابات الرقمية للصحفيين والمؤسسات الإعلامية، وحجب العديد منها على منصات التواصل بذريعة "مخالفة المعايير"، ما يعكس حربًا مزدوجة: حربًا ميدانية وأخرى رقمية، هدفهما كسر الكلمة وتغريب الصورة وفرض رواية واحدة.

وتشير التقديرات إلى أن إجمالي الخسائر التي لحقت بالقطاع الإعلامي في غزة تجاوز 400 مليون دولار حتى الآن.

وفي هذه المناسبة، أكد المكتب الإعلامي الحكومي في غزة أن ما يجري بحق الصحفيين الفلسطينيين هو جريمة مستمرة، تستوجب تحركًا دوليًا عاجلًا.

وطالب المكتب بتحقيق مستقل وسريع من قبل الأمم المتحدة ومجلس حقوق الإنسان ومنظمة مراسلون بلا حدود في الجرائم المرتكبة ضد الصحفيين، داعيًا إلى توفير حماية دولية عاجلة للعاملين في القطاع الإعلامي الفلسطيني، وإنهاء الحصار الإعلامي المفروض على غزة.

كما شدد على ضرورة إحالة هذه الجرائم إلى المحكمة الجنائية الدولية، لمحاكمة المسؤولين عن قتل الإعلاميين واستهداف مؤسساتهم.

وأشار المكتب إلى أن الصحفي الفلسطيني لا يمارس عمله من خلف الشاشات، بل يعيش الميدان بكل تفاصيله الدامية، ويقاوم بالكلمة كما يقاوم المقاتلون بالسلاح. الكاميرا في يده أداة مواجهة، والميكروفون صدى لوجع الناس، وهو لا يتراجع ولا يصمت، رغم التهديد المستمر بالموت والاعتقال والقصف.

اعتقال الصحفيين

إلى جانب ذلك، وثّقت مؤسسات الأسرى نحو 180 حالة اعتقال واحتجاز في صفوف الصحفيين منذ بداية العدوان، فيما لا يزال الاحتلال يعتقل 49 صحفيًا ممن جرى اعتقالهم بعد الإبادة، بالإضافة إلى ستة صحفيين آخرين كانوا رهن الاعتقال قبل اندلاع العدوان.

وفي بيان مشترك صدر عن هيئة شؤون الأسرى والمحررين، ونادي الأسير الفلسطيني، ومؤسسة الضمير لرعاية الأسير وحقوق الإنسان، أكدت المؤسسات أن استهداف الصحفيين لم يكن يومًا أمرًا طارئًا في سجل الاحتلال، بل يشكّل أحد أركان سياساته الثابتة منذ عقود.

غير أن ما جرى منذ السابع من أكتوبر يشكّل محطة فارقة، إذ تصاعدت عمليات اغتيال الصحفيين بشكل غير مسبوق، خاصة في قطاع غزة، حيث لم يقتصر الاستهداف على الصحفي أثناء أداء واجبه، بل امتد إلى عائلته أيضًا، ضمن محاولات انتقامية لتحطيمه نفسيًا وإسكات صوته.

لقد حول الاحتلال عائلات الصحفيين إلى أهداف مباشرة، وقصف منازلهم وهم فيها، في رسالة واضحة مفادها أن من ينقل الحقيقة سيدفع الثمن كاملًا.

كما شددت المؤسسات على أن الاحتلال لا يزال يفرض جريمة الإخفاء القسري بحق عدد من الصحفيين، أبرزهم نضال الوحيدي وهيثم عبد الواحد، اللذين اختفيا منذ السابع من أكتوبر دون أن يُكشف مصيرهما حتى اليوم، رغم كل الجهود الحقوقية والمطالبات للكشف عنهما.

جريمة الإخفاء القسري، التي اتبعها الاحتلال مع جميع معتقلي غزة في بداية العدوان، ما تزال قائمة رغم بعض التعديلات القانونية الشكلية التي جرت لاحقًا، وما زال العديد من المعتقلين، ومنهم صحفيون، في طي المجهول.

ويواصل الاحتلال استخدام الاعتقال الإداري كأداة قمعية تستهدف الصحفيين دون تهم أو محاكمات، في مخالفة صريحة لكل الأعراف الدولية.

وبين الصحفيين المعتقلين حاليًا، هناك 19 صحفيًا محتجزون تحت هذا النظام، بعضهم أمضى سنوات طويلة خلف القضبان دون محاكمة، كما هو حال الصحفي نضال أبو عكر من بيت لحم، الذي تجاوزت فترة سجنه العشرين عامًا، غالبيتها تحت الاعتقال الإداري.

ولم يكتف الاحتلال بالقتل والاعتقال، بل حوّل منصات التواصل الاجتماعي من فضاء لحرية التعبير إلى أداة رقابة وقمع. فمن خلال قوانين فضفاضة تتحدث عن "التحريض" و"التعاطف"، دون تعريفات واضحة، بات الاحتلال يعتقل الصحفيين على خلفية منشوراتهم، ويستخدم هذه الذرائع لتجريم عملهم الإعلامي، والزجّ بهم في السجون لمجرد نقلهم للواقع.

أما من بقي من الصحفيين في السجون، فيواجهون صنوف الانتهاكات التي يعاني منها الأسرى الفلسطينيون عمومًا، من تعذيب ممنهج، وضرب مبرح، وتجويع متعمّد، وحرمان طبي، إلى جانب الإذلال والإهانة المستمرة. يُحتجز الصحفيون في ظروف قاسية لا تراعي الحد الأدنى من الحقوق، ويتعرضون للعزل والتضييق، ويُحرمون من أدواتهم الأساسية للتواصل أو التغطية.

وفي هذا السياق، جدّدت مؤسسات الأسرى مطالبتها بالإفراج العاجل عن جميع الصحفيين المعتقلين في سجون الاحتلال، وضرورة الكشف الفوري عن مصير الصحفيين المختفين قسريًا من غزة.

ودعت المؤسسات هيئة الأمم المتحدة وكافة المنظمات الدولية إلى تحمّل مسؤولياتها الأخلاقية والقانونية، والعمل بشكل فاعل على وقف جرائم الاحتلال بحق الصحفيين، وعدم الاكتفاء بإصدار التقارير والمناشدات الشكلية. 

الحرب الرقمية على الصحفيين 

 

وفي سياق متصل، أصدر مركز "صدى سوشال" تقريره الشهري عن شهر أبريل 2025، مسجلًا أكثر من 320 انتهاكًا رقميًا بحق المحتوى الفلسطيني، بينها 75 انتهاكًا استهدفت صحفيين وإعلاميين في غزة. وشملت هذه الانتهاكات حذف وتقييد منشورات على منصات متعددة، بنسبة 30% على تيك توك، و23% على إنستغرام، و20% على فيسبوك، و16% على إكس، و7% على واتساب، و4% على يوتيوب.

كما وثق المركز 18 منشورًا تحريضيًا إسرائيليًا ضد صحفيين فلسطينيين، تضمن بعضها دعوات علنية لاستهدافهم جسديًا، أبرزها ما تعرض له الصحفي حسن صليح الذي أُصيب في خيمة الصحفيين بخانيونس، حيث نُشرت معلومات عن موقعه داخل المستشفى لدفع الطيران الإسرائيلي إلى استهدافه مجددًا، مع تعليقات ساخرة تحقيرية بحقه.

أما في الجانب المقابل، فقد وثق المركز 29 منشورًا تحريضيًا من قبل صحفيين إسرائيليين دعوا فيها إلى إبادة الفلسطينيين، دون أن تواجه تلك المنشورات أي محاسبة أو حتى تقييد.

كما رُصدت 36 حالة انتهاك من مستخدمين عرب، تضمنت عنفًا رقميًا قائمًا على النوع الاجتماعي ضد خمس صحفيات وناشطات من قطاع غزة، إضافة إلى تسع حالات اختراق وانتحال لشخصيات صحفية، وحملات تحريض ممنهجة.

حماس تثمن دور الصحفيين 

من جهتها، أصدرت حركة المقاومة الإسلامية "حماس" بيانًا بالمناسبة، ثمّنت فيه دور الإعلام الفلسطيني في مواجهة الرواية الصهيونية وتحدي آلة الكذب.

وأكدت أن جرائم الاحتلال لن تنجح في إسكات الصوت الفلسطيني، داعية إلى الإفراج عن جميع الصحفيين المعتقلين، ومحاسبة الاحتلال على انتهاكاته المستمرة. وأشارت الحركة إلى أن استمرار استهداف الإعلام يكشف حجم الخوف الإسرائيلي من تأثير الكلمة وصورة الحقيقة، مطالبة المؤسسات الحقوقية بتحمل مسؤولياتها في ملاحقة ومحاسبة دولة الاحتلال على جرائمها ضد الإعلام الفلسطيني.

في هذا اليوم الذي يُفترض أن يكون احتفالًا بحرية الصحافة، تُظهر غزة الوجه الحقيقي للثمن المدفوع من أجل الكلمة. هناك حيث الكاميرات تُدفن تحت الأنقاض، والميكروفونات تُخرس بالصواريخ، وأسماء الصحفيين تتحول إلى عناوين في صفحات الشهداء. ومع ذلك، يبقى الصوت الفلسطيني حاضرًا، متحديًا، شاهدًا، وصادقًا. فحرية الصحافة في فلسطين ليست شعارًا عابرًا، بل عقيدة وصمود ورسالة، تُكتب وتُصور وتُذاع من تحت الركام.

*المصدر: شبكة قدس الإخبارية | qudsn.net
اخبار فلسطين على مدار الساعة