جامعة بيت لحم تختتم أعمال مؤتمر بيت لحم الدولي الثالث حول الإشكاليات المنهجية والتوجهات المعرفية في الآثار والتراث الثقافي الفلسطيني
klyoum.com
بيت لحم 2000 -اختتمت جامعة بيت لحم، يوم الأربعاء الموافق 19 تشرين الثاني 2025، أعمال مؤتمر بيت لحم الدولي الثالث بعنوان "إشكاليات منهجية وتوجهات معرفية في الآثار والتراث الثقافي الفلسطيني"، والذي امتد على مدى يومين متتاليين، الثلاثاء 18 والأربعاء 19 تشرين الثاني، ونظمه برنامج الآثار والتراث الثقافي الفلسطيني في كلية الآداب، بمشاركة نخبة واسعة من الباحثين والأكاديميين والخبراء من فلسطين والعالم.
انطلقت أعمال المؤتمر صباح الثلاثاء بالوقوف دقيقة صمت، إجلالا لأرواح الشهداء والنشيد والوطني الفلسطيني، حيث رحّب رئيس المؤتمر د. عمر عبد ربه، رئيس دارة العلوم الإنسانية، بالحضور مؤكّدًا أن هذا الحدث العلمي يأتي في سياق الحاجة الملحّة لحماية التراث الفلسطيني في ظل التحديات السياسية والاستعمارية الراهنة. وأشار إلى ضرورة تقديم دراسات منهجية دقيقة تُعزّز السردية الفلسطينية للمواقع الأثرية، وإلى الجهود المبذولة في البرنامج لتأهيل الطلبة عبر تدريبهم على أحدث تقنيات التوثيق والتحليل، بما في ذلك عرض نتائج مشروع توثيق خربة أبو حمامة.
وألقت الأستاذة الدكتورة إيمان السقا، النائب الأكاديمي ورئيسة اللجنة العلمية، الكلمة الافتتاحية، مؤكدة أن المؤتمر يأتي كفعل مقاومة معرفية في مواجهة الطمس الممنهج للتراث، خاصة بعد الدمار واسع النطاق الذي لحق بالتراث المادي وغير المادي في قطاع غزة، إضافة إلى الهجمة الاستعمارية المتصاعدة في الضفة الغربية. وأوضحت أن محاور المؤتمر تمتد من الإشكاليات المنهجية في دراسة الآثار إلى تفكيك السرديات الاستعمارية وتوثيق الذاكرة المكانية واستخدام التكنولوجيا الحديثة في حماية التراث. وقدمت شكرها للباحثين، وللكلية، وللدائرة، ولوزارة السياحة والآثار على دعمها لبرامج التدريب الحقلي.
ثم ألقى الدكتور حمدان طه الكلمة الرئيسية بعنوان: "آثار فلسطين: تاريخ البحث، المناهج والممارسة"، مستعرضًا تطوّر علم الآثار في فلسطين منذ القرن التاسع عشر، وتحول التنقيبات من جمع العاديات إلى البحث العلمي المنهجي، وبروز المدرسة الفلسطينية الحديثة التي أسهمت في إعادة كتابة تاريخ وآثار فلسطين بصورة موضوعية وشاملة.
شهد اليوم الأول أربع جلسات علمية عكست تنوع المقاربات البحثية وتعمقها، وتناولت قضايا الذاكرة البصرية والسرديات الاستعمارية والمشهد الريفي والبيئي، وعمليات التهويد، والإبادة التراثية، وعلاقة الصحة النفسية بالتراث الثقافي.
في الجلسة الأولى، التي ترأستها الأستاذة هنادي سوداح يونان، عميدة كلية الاآداب، فقد ناقش الباحث عصام نصار تمثّلات الماضي في الخيال البصري الفلسطيني، فيما قدّمت سماح بصول قراءة معمّقة في حرب الروايات السينمائية حول تهويد الآثار، فيما استعرضت وسام عباسي دور اليونسكو والمؤسسات الدولية في استعادة التراث الثقافي. وقد تفاعل الحضور مع هذه الجلسة عبر نقاشات تناولت قضايا الصورة والذاكرة والبناء السردي. وفي الجلسة الثانية، قدّم عمر عبد ربه عرضًا شاملاً لنتائج مشروع توثيق خربة أبو حمامة كنموذج رائد لدراسة المواقع الريفية بمنهجيات حديثة، تلاه عرض جونغين كريستين الذي تناول العلاقة بين الطبيعة والثقافة وأهمية توثيق البيئات الطبيعية الفلسطينية. ثم ناقش هاني نور الدين الأبعاد المنهجية للمعطيات الأثرية في دراسة تاريخ عصر التمدّن القديم، واختتم قاسم أبو حرب الجلسة باستعراض قرن من التنقيبات الأثرية في فلسطين ضمن المدرسة البريطانية للآثار.
أما الجلسة الثالثة، برئاسة مهدي برياح، فقد ركزت على السياسات الاستعمارية في إعادة تشكيل المشهد المكاني الفلسطيني. إذ قدم ناصر الدين أبو خضير وعصام حلايقة ورقة بحثية حول عبرنة وتهويد أسماء الأماكن في فلسطين من حيث المنهج والتطبيق، تلتها ورقة روضة غنايم التي عرضت مسح القرى الفلسطينية قبل هدمها، وتصويرها جوياً، وتغيير أسمائها وتهويدها ضمن مشاريع السيطرة المكانية. كما قدّم محمود هواري تحليلًا عميقًا لاستخدام علم الآثار كسلاح في يد الاستعمار الاستيطاني لمحو التراث الثقافي الفلسطيني والاستحواذ عليه، واختتم جاد أبو سعد الجلسة بدراسة حول استعادة الهوية المكانية لقرية ديرآبان المهجّرة عام 1948.
وفي الجلسة الرابعة، التي ترأسها عصام نصار، قُدمت ثلاث أوراق بحثية تناولت الأثر العميق للعنف الاستعماري على التراث والإنسان. افتتحت الجلسة بورقة مازن عويسي وجمال برغوث حول النكبة والإبادة الجماعية وإبادة الآثار باعتبارها شكلًا من أشكال العصيان المعرفي في علم الآثار الفلسطيني، تلتها ورقة ديبورا وايدنر التي بحثت في الصحة النفسية كوسيلة لحماية التراث الثقافي عبر تحليل آثار الدمار النفسي ومحو التراث غير المادي في غزة. واختُتمت الجلسة بورقة محمود عيسى بعنوان الاستعمار والفصل العنصري في القرن الحادي والعشرين محكوم عليهما بالفشل، التي ناقشت فشل أدوات السيطرة الحديثة أمام صمود الذاكرة الفلسطينية واستمرار حضورها في الوعي الجمعي.
كما شهد اليوم الثاني أربع جلسات علمية تناولت موضوعات متقدمة في التراث الثقافي والمناهج الأثرية، وعكست تنوع المقاربات العلمية والبحثية.
بدأت الجلسة الأولى برئاسة الدكتور عمر عبد ربه، حيث قدّم زيدان كفافي ورقة بحثية تناولت دور السلالة الهيرودية في تاريخ فلسطين، تبعه سعيد بدوي بمداخلة حول الإبادة والتراث الثقافي من خلال مناقشة الأرشيف والذاكرة وإعادة بناء سردية الصمود. كما استعرض مازن قمصية وفيكتور قواس خبرات متحف فلسطين للتاريخ الطبيعي في تعزيز المعرفة بقيم التراث الثقافي والطبيعي ودوره في حفظ التنوع البيئي والذاكرة الطبيعية الفلسطينية. وفي الجلسة الثانية، التي ترأستها الدكتورة إيمان الطيطي، قدّمت سحر الخصاونة عرضًا حول التطبيقات العلمية لإشعاع السنكروترون في مركز “سيسامي” ودوره في دراسة المواد الأثرية، تلاها عرض عادل لداوي الذي ناقش دور نظم المعلومات الجغرافية في توثيق التراث وتسمية الشوارع في مدينة بيت جالا، فيما اختتم الراوي حمزة العقرباوي الجلسة بمداخلة موسّعة حول مقامات الأولياء في الثقافة الشعبية الفلسطينية وأهميتها في فهم البعد الروحي والاجتماعي للمكان.
أمّا الجلسة الثالثة، برئاسة الأستاذ جريس غنيم، أستاذ التاريخ في جامعة بيت لحم، فقد تناولت د. مها السمان في ورقتها التراث الثقافي الحديث والسياحة في القدس الشرقية وتحولات عمل الفنادق بين عامي 1948 و1967، تلتها ورقة داود الغول التي قدّمت قراءة حديثة ومراجعة نقدية للأدبيات المتعلقة بسلوان، قبل أن يعرض منصور نصاصرة ورقته التحليلية بعنوان تبلور المتروبوليس العربي: رواية مطار القدس (1948–1967). واختُتم اليوم بالجلسة الرابعة التي ترأستها الدكتورة عبير مصلح، حيث ناقش د. صلاح الهودلية ود. حسن الجمل أثر حرب أكتوبر 2023 على المواقع الأثرية في الضفة الغربية، أعقبتهما ورقة سجود محاجنة حول الأرشيف والسردية الفلسطينية لقرية اللجون، ثم قدّم أحمد أسعد دراسة إثنوغرافية معمّقة حول الذاكرة الثقافية لقرية أرطاس، فيما اختتم أكرم عجلة أعمال اليوم بمداخلة حول الحوكمة اللامركزية للتراث الثقافي كآلية لمواجهة السياسات الاستعمارية في الضفة الغربية وغزة.
اختُتمت أعمال المؤتمر بتأكيد أهمية تعزيز التعاون بين المؤسسات الأكاديمية والمجتمعية والرسمية لحماية التراث الفلسطيني وصون سرديته التاريخية. وشدد المشاركون على أن تطوير منهجيات بحث فلسطينية أصيلة، وتحفيز الوعي المجتمعي بأهمية التراث، هما ركيزتان أساسيتان في مواجهة سياسات الطمس والاستحواذ. وأعربت جامعة بيت لحم عن اعتزازها بتنظيم هذا الحدث للعام الثالث على التوالي، مؤكدة استمرارها في دعم البحث العلمي وخدمة المجتمع الفلسطيني.