اخبار فلسطين

وكالة شهاب للأنباء

سياسة

"كيلو طحين".. حلم غزة الجائع وأمنية الأطفال في وجه المجزرة الصامتة!

"كيلو طحين".. حلم غزة الجائع وأمنية الأطفال في وجه المجزرة الصامتة!

klyoum.com

تقرير – شهاب

في غزة المحاصرة والمجوّعة، لم يعد الناس يحلمون بالأمن، أو الهدوء، أو حتى الكهرباء، بل الحلم صار أبسط من ذلك بكثير وهو "كيلو طحين"، نعم كيلو واحد فقط، قد يكون كافيًا ليصنع يومًا مشبعًا لأطفال ينامون على صوت بطونهم الخاوية.

ولم يعد "كيلو الطحين" في غزة مجرد مادة غذائية أساسية، بل تحوّل إلى أمنية يومية وحلم يراود الآباء والأمهات والأطفال أيضًا، وتسعى خلفها آلاف العائلات في القطاع الذي يعيش واحدة من أقسى الأزمات الإنسانية في التاريخ الإنساني المعاصر.

ومع استمرار الحصار ومنع إدخال المساعدات الغذائية، اختفى الطحين تقريبًا من الأسواق، وإن وُجد، فبأسعار خيالية تفوق قدرة أي أسرة منهكة، وسط اختفاء البدائل من بقوليات ومعلبات وخضراوات وأرز، وتوقف أغلب تكيات الطعام الخيرية نتيجة لندرة الحاجيات الأساسية من الأسواق.

ولم تعد القذائف وحدها تقتل، بل الجوع أيضًا، وكل يوم يمر دون إدخال مساعدات هو حكم بالموت البطيء على مئات آلاف العائلات، واليوم بات "كيلو طحين" هو عنوان صمود وألم غزة، ومعركتها المفتوحة من أجل الحياة.

وفق تقارير أممية، فقد دخل قطاع غزة المرحلة الخامسة من المجاعة، وهي مرحلة تُهدد بانهيار إنساني شامل، وتقول إحدى موظفات الإغاثة: "لم نعد نتحدث عن سوء تغذية، نحن نتحدث عن الجوع بشكله العاري.. الناس تتآكل، خاصة النساء والأطفال الرضع".

ويعتبر "كيلو طحين" في غزة اليوم، أمنية جماعية، تتكرر على ألسنة آلاف العائلات، في خيام النزوح، وعلى ركام البيوت، وفي قلوب الأمهات، هو ليس طلبًا بسيطًا بل هو صرخة حياة من شعب لا يزال يتمسك بالبقاء، ولو على رغيف من عدالة العالم الغائبة.

 

الحلم وجبة مشبعة

وفي مشهد يمزق القلب، أمهات يعتذرن يوميًا لأطفالهن لأنهن لا يمتلكن ما يضعنه على النار من طعام وخبز، وتقول إحدى الأمهات: "ابني بيصحى أول سؤال إله: ماما في خبز؟ وأنا كل يوم بجاوبه: استنى يا روحي يمكن يجينا شيء من باب الله".

كما تقول سيدة خمسينية تعيش في خيمة بمخيم النازحين بمنطقة النصر غرب مدينة غزة: "ما بدي لحمة، ولا فواكه، بس بدي كيلو طحين أعمل فيه خبز لأولادي، صاروا يحلموا بريحة الرغيف".

ومن جانبها، قالت أم سامي، نازحة من شمال غزة، وهي تقلب بيدها حفنة عدس: "يا ابني صار لنا 3 أيام ناكل شوربة من العدس اللي تبرعوا فيه الناس، أما الخبز؟ من 10 أيام ما عملت رغيف، أولادي بصحوا من النوم يسألوني: في خبز؟ وأنا أجاوبهم بالدعاء".

بينما يقف في طابور طويل أمام إحدى التكايا، يقول أبو معاذ، وهو يحمل إناءً فارغًا: "مش طالب رز ولا زيت.. بدي طحين، بدي أرجع على الخيمة وأقول لمرتي: اعملي خبز لأولادك، تخيل أنه هذا صار أكبر أحلامنا!"

وفي أحد مراكز الإيواء بمخيم الشاطئ بمدينة غزة، تقول أم لؤي (أم لطفلين): "ابني صار يسألني: ماما هو الطحين بيروح على الدول التانية وما بييجي عنا؟!"، وتضيف وهي تغالب دموعها: "طفل صار يفهم أنه في خبز لغيره، وهو مش لاقي لقمة".

الحاج أبو خليل من مدينة عزة، يقول: "يا ابني الطحين صار مثل الذهب، بروح كل يوم على 3 تكايا يمكن ألاقي حصة، وبرجع بخفي الوجع عن أحفادي أولاد إبني الشهيد وبحكيلهم: اصبروا، بكرة ربنا بيفرجها".

كما قال الطفل محمود (7 سنوات) نازح من شمال غزة بمخيم الشاطئ: "ماما قالتلي اليوم إذا لقينا طحين راح تعمللي رغيف، بس أنا مشيت معها للمكان ورجعنا بلا شي.. أنا بس بدي رغيف واحد، مش لازم كله إلي!".

أطفال غزة يقتلون جوعًا

ومن جهته، قال الحقوقي علاء السكافي، مدير مؤسسة الضمير لحقوق الإنسان، إن أطفال قطاع غزة يسقطون يوميًا جوعًا في مشهد مأساوي متكرر، في وقت يشهد فيه القطاع الصحي انهيارًا تامًا نتيجة العدوان الإسرائيلي والحصار الخانق المفروض على القطاع.

وأكد السكافي، في حديث خاص لوكالة "شهاب" للأنباء، أن الاحتلال "الإسرائيلي" يواصل استخدام سياسة التجويع كسلاح ممنهج ضد المدنيين، معتمدًا على حرمان السكان من الغذاء والماء والدواء في ظل صمت دولي مخجل وتقاعس واضح من مؤسسات حقوق الإنسان.

وأضاف: "نرصد يوميًا حالات إعياء وإغماء لأطفال ونساء ومسنين في شوارع غزة نتيجة الجوع الحاد، وارتفاعًا في أعداد المتوجهين للمستشفيات بسبب سوء التغذية، في حين لم يعد النظام الصحي قادرًا على تقديم الحد الأدنى من الرعاية الطبية، بعد أن دُمّرت مستشفياته ومُنع دخول الوقود والمستلزمات الأساسية إليه".

وأشار إلى أن هذه الأوضاع أدت إلى تفشي حالة من الجوع الجماعي في كافة مناطق القطاع، مع غياب شبه تام لأي آفاق للغذاء أو العلاج، ما يُنذر بكارثة إنسانية غير مسبوقة.

وطالب السكافي بضرورة تدخل دولي عاجل وعادل لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، عبر فتح ممرات إنسانية آمنة بإشراف الأمم المتحدة، وعلى رأسها وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا"، كونها الجهة الوحيدة القادرة على توزيع المساعدات بشكل نزيه وشامل.

وحذّر من "محاولات تمرير المساعدات عبر جهات وهمية أو مراكز تابعة للاحتلال تُروّج على أنها إنسانية، بينما هي في الحقيقة مراكز للاعتقال والإذلال ولا تقدم الحد الأدنى من المساعدات".

ودعا السكافي أحرار العالم إلى "عدم الصمت أمام هذه الجريمة الجماعية، فالسكوت عنها يعني المشاركة في الجريمة بحق شعب يُدفن أطفاله أحياءً بفعل الجوع والحصار".

وكانت وزارة الصحة الفلسطينية في غزة أعلنت عن تفاقم مأساة المجاعة وسوء التغذية في القطاع، مؤكدة أن الأزمة دخلت مرحلة "المجزرة الصامتة".

ووفق المعطيات الرسمية، سجلت الوزارة 86 حالة وفاة نتيجة الجوع، من بينها 76 طفلًا و10 بالغين، في حصيلة غير مسبوقة تعكس حجم الكارثة الإنسانية.

كما تم الإعلان عن وفاة 18 شخصًا خلال 24 ساعة فقط، ما يشير إلى تسارع معدلات الوفاة بسبب غياب الغذاء والرعاية الصحية.

ووصفت الوزارة في بيانها ما يحدث بأنه "مجزرة صامتة"، محمّلة الاحتلال "الإسرائيلي" والمجتمع الدولي كامل المسؤولية، مطالبة بـفتح المعابر بشكل فوري لإدخال الغذاء والدواء وإنقاذ ما تبقى من المدنيين المحاصرين.

وأوضحت الوزارة أن النظام الصحي بات عاجزًا عن الاستجابة للانهيار الحاصل، داعيةً إلى فتح المعابر بشكل فوري، والسماح بوصول المساعدات الإنسانية دون قيد أو شرط، لإنقاذ ما تبقى من أرواح في غزة، في وقت يتحول فيه الجوع إلى سلاح فتاك يُحصد به المدنيون.

*المصدر: وكالة شهاب للأنباء | shehabnews.com
اخبار فلسطين على مدار الساعة