من غزة إلى أعالي البحار.. الاحتلال يحول رسالة الحرية إلى جريمة حرب
klyoum.com
أخر اخبار فلسطين:
إصابة شاب خلال اقتحام الاحتلال مدينة طوباستقرير – شهاب
في عرض البحر، بعيدًا عن ضجيج المدن وأعين العالم، كان "أسطول الصمود" يشق طريقه محمّلًا برسالة أمل وحرية، يحمل معه دواءً وغذاءً وأصواتًا جاءت من قارات مختلفة لتقول إن غزة ليست وحدها.
غير أن هذا الأمل سرعان ما اعترضته بوارج الاحتلال الإسرائيلي، لتتحول الرحلة الإنسانية إلى مشهد جديد من القمع والعدوان، حيث طُوِّقت السفن، وتعرضت للاعتداء، قبل أن يُعتقل المتضامنون والصحفيون ويُساقوا قسرًا إلى ميناء أسدود.
الهجوم على "أسطول الصمود" لم يكن مجرد عملية عسكرية في المياه الدولية، حيث يمثل جريمة حرب مكتملة الأركان، ووجهًا آخر لسياسة منهجية تتبعها "إسرائيل" منذ عقود، تستهدف ليس فقط الفلسطينيين، بل أيضًا كل صوت حر يجرؤ على التضامن معهم.
فمن اغتيال الناشطة الأمريكية راشيل كوري في غزة عام 2003، إلى قتل المتضامنة التركية-الأمريكية عائشة نور في بيتا عام 2024، وصولًا إلى قرصنة السفن الإنسانية، تبدو الرسالة واضحة، أيادي الاحتلال لا تكتفي بمحاصرة غزة، بل تمتد لإسكات كل من يحاول كسر جدار الصمت حولها.
نادي الأسير الفلسطيني قال، إن اعتقال الاحتلال لمتضامني "أسطول الصمود" يعد عدوانًا على صوت الأحرار في العالم، وهو سياسة ممنهجة انتهجها الاحتلال على مدار عقود عبر وسائل متعددة، كان من بينها عمليات القتل، مطالبًا المجتمع الدولي بتحمّل مسؤولياته وحمل رسالة هؤلاء المتضامنين بالضغط الفعلي لوقف الإبادة وكسر الحصار المفروض على شعب غزة.
تكشف الوجه الاجرامي
أستاذ القانون الدولي العام وعضو الجمعيتين الأمريكية والأوروبية للقانون الدولي محمد مهران، أدان بأشد العبارات استهداف قوات الاحتلال الإسرائيلي لقافلة الصمود الإنسانية، مؤكدا أن هذا الاعتداء يشكل جريمة حرب صريحة وانتهاكا فاضحا لجميع قواعد القانون الدولي الإنساني.
وقال مهران في حديثه لوكالة "شهاب" للأنباء، إن استهداف القوافل الإنسانية يتعارض صراحة مع المادة 23 من اتفاقية جنيف الرابعة التي تلزم أطراف النزاع بالسماح بحرية مرور جميع إرساليات الإمدادات الطبية والغذائية المخصصة للسكان المدنيين.
وأكد أن البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف يحظر في المادة 70 عرقلة أو مهاجمة عمليات الإغاثة الإنسانية، موضحا أن القانون الدولي الإنساني يفرض على قوة الاحتلال التزاما إيجابيا بتسهيل وصول المساعدات الإنسانية للسكان المدنيين الواقعين تحت الاحتلال.
وشدد على أن استهداف القوافل يعكس نية إجرامية لتجويع السكان المدنيين وهو ما يشكل جريمة حرب وفقا للمادة الثامنة من نظام روما الأساسي.
وذكر، أن استهداف القوافل الإنسانية يندرج ضمن سياسة التجويع المتعمد للسكان المدنيين التي تنتهجها "إسرائيل" في غزة والتي تشكل جريمة حرب بموجب القانون الدولي، مشيرا إلى أن المادة 54 من البروتوكول الإضافي الأول تحظر صراحة تجويع المدنيين كأسلوب من أساليب الحرب.
كما لفت إلى أن الحصار البحري الذي تفرضه "إسرائيل" على غزة ذاته غير قانوني لأنه يستهدف تجويع السكان المدنيين وهو ما يتعارض مع المادة 102 من دليل سان ريمو بشأن القانون الدولي المطبق في النزاعات المسلحة في البحار، مؤكدا أن الحصار يفقد شرعيته إذا كان الهدف منه تجويع المدنيين أو منع وصول المساعدات الإنسانية إليهم.
وبين أن اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لعام 1982 تكفل حرية الملاحة في أعالي البحار وتحظر أي اعتداء على السفن المدنية الإنسانية، موضحا أن اعتراض السفن الإنسانية في المياه الدولية يشكل انتهاكا لمبدأ حرية الملاحة المكرس في القانون الدولي للبحار وأن استخدام القوة ضد السفن المدنية في المياه الدولية يعتبر عملا من أعمال القرصنة وفقا للمادة 101 من اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار.
ولفت إلى أن الاعتداء الإسرائيلي على أسطول الحرية عام 2010 الذي أسفر عن مقتل تسعة ناشطين أتراك في المياه الدولية شكل سابقة خطيرة أدانها المجتمع الدولي، مؤكدا أن تقرير لجنة تقصي الحقائق التابعة لمجلس حقوق الإنسان خلص إلى أن القوة المفرطة التي استخدمتها "إسرائيل" كانت غير قانونية وغير ضرورية.
وأضاف، أن الدول صاحبة العلم تتحمل مسؤولية حماية سفنها وطواقمها في المياه الدولية وأن الاعتداء على هذه السفن يشكل انتهاكا لسيادتها، مشيراً إلى أن القانون الدولي يتيح لهذه الدول اللجوء لمحكمة العدل الدولية أو التحكيم الدولي للمطالبة بالتعويض عن الأضرار.
وبين أن استهداف القوافل الإنسانية ينتهك أيضا مبدأ التمييز الأساسي في القانون الدولي الإنساني الذي يلزم أطراف النزاع بالتمييز بين المدنيين والمقاتلين وبين الأهداف المدنية والعسكرية، مشددا علي أن القوافل الإنسانية هي أهداف مدنية محمية بموجب القانون الدولي ولا يجوز مهاجمتها تحت أي ظرف.
وتابع، أن "القادة الإسرائيليين يتحملون المسؤولية الجنائية الشخصية عن هذه الجريمة بموجب مبدأ مسؤولية القيادة المنصوص عليه في نظام روما الأساسي"، مبيناً أن "هذا المبدأ يحمل القادة مسؤولية الجرائم التي يرتكبها مرؤوسوهم إذا كانوا يعلمون أو كان يجب أن يعلموا بارتكابها ولم يتخذوا التدابير اللازمة لمنعها أو المعاقبة عليها".
وأشار إلى أن استهداف القوافل الإنسانية ليس حادثا معزولا بل جزء من نمط إجرامي ممنهج تنتهجه "إسرائيل" في غزة يشمل الحصار المطبق ومنع دخول المساعدات وتدمير البنية التحتية الحيوية، لافتا إلى أن هذا النمط يؤكد وجود سياسة منظمة للتطهير العرقي والإبادة الجماعية.
وحول التزامات المجتمع الدولي أكد مهران، أن المادة الأولى المشتركة في اتفاقيات جنيف تلزم جميع الدول بضمان احترام هذه الاتفاقيات في جميع الأحوال، منوها إلى أن هذا الالتزام يفرض على الدول اتخاذ تدابير فعالة لوقف الانتهاكات "الإسرائيلية" بما في ذلك فرض عقوبات اقتصادية وسياسية على "إسرائيل".
ودعا المحكمة الجنائية الدولية لفتح تحقيق عاجل في استهداف القوافل الإنسانية واعتباره جزءا من جرائم الحرب والإبادة الجماعية المرتكبة في غزة، مطالبا مجلس الأمن بتحمل مسئولياته بعقد جلسة طارئة لإدانة هذه الجريمة واتخاذ إجراءات فورية لحماية القوافل الإنسانية.
وشدد على أن استمرار صمت المجتمع الدولي على هذه الجرائم يجعله شريكا فيها، مشيرا إلى أن التاريخ سيحاسب كل من تقاعس عن وقف هذه المجازر ضد الشعب الفلسطيني.
جريمة قرصنة بحرية
ومن جانبه، قال رئيس الهيئة الدولية لدعم حقوق الفلسطينيين "حشد" صلاح عبد العاطي، إن هجوم الاحتلال الإسرائيلي على "أسطول الصمود" في المياه الدولية هو قرصنة بحرية وجريمة ضد الإنسانية تتطلب تحركًا عاجلًا لحماية النشطاء ووقف الإبادة الجماعية في غزة.
وأدان عبد العاطي، في حديثه لوكالة "شهاب" للأنباء، بشدة عملية القرصنة البحرية الشنيعة التي ارتكبتها قوات الاحتلال الإسرائيلي ضد "أسطول الصمود" في المياه الدولية.
وقد شمل الهجوم محاصرة السفن، والاعتداء عليها بالإغراق، وتعطيل أنظمة الاتصالات، واعتقال ناشطين وصحفيين وشخصيات دولية، قبل سحبها بالقوة إلى ميناء أسدود.
وذكر أن هذا الاعتداء يُشكل انتهاكًا صارخًا للقانون الإنساني الدولي وقانون البحار، وأنه عمل قرصنة مكتمل الأركان، وشكل منظم من أشكال إرهاب الدولة، يهدف إلى منع التضامن الدولي، وإسكات الأصوات الحرة، وعرقلة الجهود الشعبية العالمية لكسر الحصار عن غزة وإيصال المساعدات في ظل استمرار الإبادة الجماعية والتجويع الممنهج.
وحمل رئيس الهيئة الدولية لحقوق الإنسان سلطات الاحتلال المسؤولية الكاملة عن حياة وسلامة النشطاء والمتضامنين، معتبرًا استمرار احتجازهم أو تعريضهم للخطر جريمة دولية تستوجب المساءلة والعقاب.
ورحب بالإدانات والاحتجاجات والتحركات الشعبية التي عمت مدن العالم رفضًا لهذه الجريمة البربرية، داعيًا إلى استمرار الضغط الشعبي والسياسي عبر التظاهرات أمام السفارتين الإسرائيلية والأمريكية، وتوسيع نطاق المطالب الشعبية وصولًا إلى عصيان مدني عالمي ضد الإبادة الجماعية والحصار والتجويع واعتقال نشطاء التضامن الدولي.
وطالب المحكمة الجنائية الدولية والهيئات الدولية ذات الصلة بفتح تحقيق عاجل في هذه الجريمة ومحاسبة قادة وجنود الاحتلال الإسرائيلي على هذه الانتهاكات الصارخة.
كما دعا اللجنة الدولية للصليب الأحمر إلى بذل جهود عاجلة لضمان الإفراج الفوري عن النشطاء المعتقلين، وحماية من لا يزالون في طريقهم قبل أن يتم الاعتداء عليهم، وتكثيف الضغوط على الحكومات لمقاطعة دولة الاحتلال الإسرائيلي وفرض العقوبات عليها.