اخبار فلسطين

شبكة قدس الإخبارية

سياسة

مملكة "إسرائيل" الصليبية الصهيونية

مملكة "إسرائيل" الصليبية الصهيونية

klyoum.com

على أديم هذه الأرض التي بارك الله حولها، قامت ممالك وغابت أخرى، غزاة جاؤوا على ظهور خيولهم، أقاموا قلاعا شاهقة، ورفعوا راياتهم على أسوار القدس، وظنّوا أنهم خالدون؛ لكن الأرض لفظتهم، والتاريخ أسدل ستاره على أحلامهم، كما أسدل على الصليبيين حين غادروا عكا آخر مرة، مهزومين، منكسرين، يطويهم البحر بعيدا عن فلسطين.

اليوم، يقف الكيان الإسرائيلي في المشهد ذاته، وإن ارتدى ثوبا عصريا: جيش مدجج بالتقنية، واقتصاد يسبح في دعم الغرب، وسياسة تتكئ على قوة أمريكا. غير أن جوهر الحكاية لم يتبدل؛ فما بُني على اغتصاب الأرض وتزييف التاريخ لا يرسخ مهما طال الزمن.

يتفتت الداخل الإسرائيلي يوما بعد يوم: قوميات متناحرة، وعلمانيون ضد متدينين، وأشكناز ضد سفارديم، والمهاجر الذي جاء باحثا عن "وطن آمن" يخطط الآن للهجرة من جديد. هذا الانقسام ليس عارضا، بل هو نذير تفكك داخلي، تماما كما تناحر أمراء الصليبيين قبل سقوطهم.

وحين تتبدل موازين القوى في العالم، وحين يتراجع النفوذ الأمريكي، ستجد إسرائيل نفسها وحيدة في مواجهة شعب لا يعرف الاستسلام؛ شعب جُبل على الصبر، جُرح ألف مرة، لكنه لم يمت، بل ازداد عنادا وتمسكا بأرضه. وحين يلتقي الصمود الداخلي مع انهيار السند الخارجي، يبدأ الانهيار الكبير، ومن يقلب النظر فيما يجري حولنا اليوم من نبذ للكيان بسبب جرائمه التي هزت ضمير البشرية، يجزم بأننا بتنا قريبين أكثر من أي وقت مضى من تلك اللحظة التي يتخلى فيها الغرب عن ربيبته المجرمة، ليس لرهافة حس أو صحوة ضمير فجائية، بل لأن حمل هذا الوزر الصهيوني بكل بشاعته لم يعد محتملا، فقد مضى لأبعد من كل ما تصوره عقل بشري من إجرام.

وساعتها، لن تسقط إسرائيل على مراحل هادئة، بل على وقع زلزال يشبه طوفانا جديدا يبدو أنه سيبدأ وشيكا، بعد أن بلغ طوفان الأقصى مداه. ربما يُهزم جيشها في معركة فاصلة، أو ينهار أمنها من الداخل، أو يتفكك حلفها مع الغرب، فتغدو مجرد "حصون محاصَرة" بانتظار النهاية، وحين يكتب التاريخ فصله الأخير، قد يضع إسرائيل في السطر ذاته الذي كتب فيه عن مملكة القدس اللاتينية: "كانت هنا، ثم زالت".

التاريخ لا يكرر نفسه حرفيا، لكنه يحب أن يسخر. وما أشبه الليلة بالبارحة، وما أشبه تل أبيب بعكا، وما أشبه القادم بالذي مضى!

حين ننظر إلى التاريخ، ندرك أنّ الكيانات الاستعمارية الغريبة عن محيطها الجغرافي والثقافي غالبا ما تكون عابرة، مهما امتلكت من قوة ودعم خارجي. مملكة الصليبيين في القدس استمرت قرنين تقريبا، لكنها انهارت أمام صلابة الأرض وأهلها وتحوّل موازين القوى العالمية. فهل يمكن أن يواجه الكيان الإسرائيلي المصير نفسه ولكن بوتيرة أسرع؟ سنحاول هنا إعادة رسم المشهد، مع سيناريوهاته المحتملة..

المرحلة الأولى: التصدعات الداخلية

مع مرور الزمن، يتعمق الشرخ داخل المجتمع الإسرائيلي: الانقسام بين التيار الديني المتشدد والعلماني، الخلافات الإثنية بين اليهود الغربيين (الأشكناز) والشرقيين (السفارديم والمزراحيم)، وازدياد هجرة عكسية لليهود مع تراجع الأمن وفقدان الشعور بالمستقبل.

هذه التصدعات تجعل إسرائيل أقل تماسكا من مملكة الصليبيين التي كانت تعاني بدورها من صراعات أمرائها وقادة الحملات.

المرحلة الثانية: تغير موازين القوى الدولية

كما فقد الصليبيون سند أوروبا الموحدة مع ظهور قوى جديدة (المماليك والعثمانيين لاحقا)، فإن إسرائيل مهددة بفقدان المظلة الأمريكية مع صعود قوى كالصين وروسيا وتراجع الغرب اقتصاديا وعسكريا، عندها سيصبح وجود إسرائيل عبئا أكثر منه فائدة لحلفائها.

المرحلة الثالثة: تعاظم المقاومة المحلية

الفلسطينيون اليوم -رغم الألم والحصار- أثبتوا أن إرادة البقاء أقوى من أي تفوق عسكري. ومع الوقت، تتنامى قدرات المقاومة الشعبية والعسكرية والتكنولوجية، حتى تصبح إسرائيل محاصَرة داخل حدودها، تفقد السيطرة على محيطها مثلما حدث للصليبيين قبل سقوط عكا.

المرحلة الرابعة: الانهيار المفاجئ

الكيانات الاستعمارية لا تسقط تدريجيا فقط، بل قد تنهار دفعة واحدة مع هزيمة استراتيجية أو انسحاب داعم رئيسي.

تصور افتراضي:

- هجوم واسع من المقاومة أو من أي قوة أخرى إقليمية مناهضة للكيان (إيران، تركيا، باكستان.. إلخ) يربك إسرائيل داخليا..

- فقدان واشنطن القدرة أو الرغبة في التدخل العسكري المباشر.

- تحرك إقليمي (ربما انتفاضة عربية أو تغير سياسي كبير) يعجّل بالسقوط.

في مثل هذا السيناريو، قد نجد إسرائيل خلال منتصف القرن الواحد والعشرين وقد تراجعت إلى "جيوب محصنة" داخل فلسطين، بانتظار لحظة الانهيار الكامل، تماما كما تقلصت مملكة الصليبيين إلى شريط ساحلي قبل سقوطها النهائي.

المسألة ليست نبوءة غيبية، بل قراءة منطقية لمسار التاريخ: المشاريع الاستيطانية العابرة قد تعيش عقودا أو قرونا، لكنها لا تخلّد، لأن جذورها في الأرض ضعيفة. وإذا كان الصليبيون قد استمروا 192 عاما، فربما يكون عمر إسرائيل أقصر بكثير في ظل تسارع الزمن وتغيّر موازين القوة.

*المصدر: شبكة قدس الإخبارية | qudsn.net
اخبار فلسطين على مدار الساعة