دعوة لإعادة النظر بآلية اختيار الإعلاميين والمحللين في الفضائيات
klyoum.com
أخر اخبار فلسطين:
حالة الطقس: أجواء معتدلة ويطرأ ارتفاع طفيف على درجات الحرارةالإعلام أداة بناء لا أداة تكرار، ومن حق الجمهور أن يطالب بمن يمثل وعيه وتطلعاته. لقد آن أوان التغيير؛ لا مجاملة الوجوه ذاتها، ولا استسهال الحضور الإعلامي وكأنه مهمة علاقات عامة لا مسؤولية مهنية ووطنية.
ففي الوقت الذي تمر فيه المنطقة بتحولات استراتيجية متسارعة، وتواجه الدولة الأردنية تحديات دقيقة على مختلف الصعد، تتزايد حاجة المشاهد الأردني إلى فهم أعمق لما يجري. ولأن الإعلام يُفترض أن يكون وسيطًا بين الحدث والرأي العام، فإن البرامج التحليلية على الشاشات الأردنية تتحمل مسؤولية مضاعفة في تقديم محتوى رصين، مهني، ومتزن. غير أن المتابع يلحظ – وبكثير من الأسى – أن كثيرًا من هذه البرامج تعيد إنتاج الوجوه ذاتها والأصوات ذاتها التي باتت مستهلكة، بل وفاقدة للثقة لدى شريحة واسعة من الناس.
ولا يمكن بطبيعة الحال التعميم أو إنكار وجود عدد من المحللين السياسيين والإعلاميين الذين أثبتوا، على مدى السنوات، حضورهم المهني الجاد، وتميّزوا بوعيهم، واتزان طرحهم، وصدق مقارباتهم، مما أكسبهم احترامًا واسعًا وقبولًا ملحوظًا لدى فئات مختلفة من الجمهور الأردني. هؤلاء شكّلوا إضافة حقيقية للمشهد الإعلامي، ونجحوا في أن يكونوا صوتًا عاقلاً وموضوعيًا في خضم الضجيج.
غير أن هذه النماذج، رغم جودتها، تبقى محدودة مقارنة بما يُفرض أحيانًا من أسماء لم تعد تحظى بأي احترام جماهيري أو مهني، بل بات حضورها مصدر استغراب واستهجان لدى المتابع العادي، وحتى المتخصص والمطلع العارف.
المفارقة أن هذه الأسماء تظهر دومًا في الصفوف الأمامية، وكأنها وحدها تمتلك الحقيقة، رغم أن مواقفها كثيرًا ما تتقلب تبعًا للمناخ العام. فبعضهم اشتهر بنقل البندقية من كتف إلى آخر، أو القفز من قارب إلى آخر، مما أفقد حضورهم المصداقية والعمق. وباتوا يُجيدون عرض المواقف لا تحليلها، ويُتقنون الأداء لا الرؤية، وتحولوا إلى أدوات تعويم وتشويش بدل أن يكونوا أدوات توضيح وتنوير، لأن غايتهم تسويق أنفسهم لا تبيان وتحليل الحقيقة أو تفكيك القضايا التي يسعى الجمهور لفهمها.
هنا يبرز السؤال الملحّ: من يختار هؤلاء؟ ولماذا هذا الإصرار على تكرار أسماء باتت عبئًا على الخطاب العام، بدل أن تكون إثراء له؟ هل يتم اختيارهم فعلًا بناءً على الكفاءة؟ أم أن الاعتبارات الشخصية، والعلاقات، وربما التوجيهات المبطنة، تلعب دورها في رسم خريطة الضيوف؟ وما الذي يجعل القنوات تتجاهل الأصوات الجديدة، والطاقات المهنية الجادة، والخبرات الأكاديمية المتخصصة، لصالح أسماء فقدت قيمتها في أعين الناس قبل آذانهم؟
الأكثر إرباكًا أن بعض القنوات تبدو وكأنها تتعمد مناكفة الجمهور، فتستضيف من لا يحظى بأي قبول أو احترام لدى المتابعين، رغم أن وسائل التواصل الاجتماعي مليئة بالتعليقات والآراء التي تعكس نفورًا عامًا واضحًا من هذه النماذج. ومع ذلك، لا نلمس أي استجابة أو مراجعة، وكأن هناك رغبة مضمرة في فرض خطاب معيّن، أو الحفاظ على حضور نمطي لا يهدد التوازنات القائمة خلف الكواليس.
وفي ظل هذا المشهد، يصعب استبعاد فرضية أن بعض من يُديرون الملف الإعلامي يختارون عمدًا محللين لا يمتلكون العمق أو الرؤية، بهدف التشويش على القرارات المفصلية لا توضيحها. فبدل أن يكون المحلل مرآة لوعي الجمهور، يصبح أداة لتضليله أو إلهائه. وهذا أمر بالغ الخطورة، لا على الإعلام فقط، بل على صناعة الوعي والثقة داخل المجتمع بأكمله.
إن المدهش – والموجع في آن – أن الأردن لا يفتقر إلى الكفاءات. ففي جامعاته، ومراكزه البحثية، ومؤسساته الأمنية والعسكرية، كفاءات وطنية متميزة في العلوم السياسية، والعلاقات الدولية، والدراسات الاستراتيجية، والتحليل العسكري، والاقتصاد السياسي. أسماء تمتلك الأدوات العلمية، والقدرة على القراءة المتعمقة، والتفسير المسؤول، لكنها غائبة تمامًا عن الشاشة، أو مُغيّبة لحساب نماذج لا تتجاوز ميزتها سوى الجهوزية العالية للظهور، وتقمّص دور “أبو العرّيف” الذي يتنقل من محطة إلى أخرى بذات النمطية والسردية الممجوجة.
لقد بات من الضروري إعادة النظر في آلية اختيار المحللين السياسيين على الشاشات الأردنية، عبر مراجعة جادة لمعايير الاختيار، والابتعاد عن منطق العلاقات والانتماءات، لصالح الكفاءة والتخصص والاتزان.
كما أن احترام الرأي العام يبدأ من احترام ذكائه ووعيه، وتقديم محتوى يليق به، لا فرض أسماء يضيق بها المتابعون وتسيء إلى الصورة الإعلامية العامة.
والله الموفق..