اخبار فلسطين

وكالة سوا الإخبارية

سياسة

ساحل غزة - من شاطئ استجمام إلى مأوى نزوح

ساحل غزة - من شاطئ استجمام إلى مأوى نزوح

klyoum.com

كانت أمواج البحر الأبيض المتوسط تلقي تحيات الصباح على ساحل غزة الذي يبلغ طوله 40 كيلومتراً، حتى صار البحر صديقاً للسكان.

نسجت العائلات الغزية ذكرياتها بين رمال ذهبية ومياه زرقاء. يقول الصياد يوسف أبو عطية (54 عاماً) وهو يمسح دموعاً عن وجهه: "كنا نخرج قبل الفجر بـ 20 قارباً، نعود محملين بـ 3 أطنان من السمك يومياً". هذه الثروة كانت تطعم 50 ألف عائلة تعتمد على صيد الأسماك، وفقاً لوزارة الزراعة الفلسطينية.

غير أنه الآن لم يعد كذلك، لقد أصبح ملاذاً للسكان المدنيين الذين ينزحون تحت وطأة الحرب منذ السابع من أكتوبر 2023 ويقيمون مأوى وخيام من النايلون والصفيح.

ونتيجة للقصف المتواصل وجدت العائلات التي هربت من القصف من شمال القطاع، نفسها تائهة على شاطئ البحر نفسه الذي كان مصدر فرحها ذات يوم.

"نزحنا 12 عائلة إلى 200 متر فقط من الشاطئ"، تقول أم فادي (37 عاماً) بينما تهز طفلتها ذات الأعوام الأربعة. "لكن البحر خاننا.. في ديسمبر، اجتاحت الأمواج 50 خيمة وأغرقت طفلين". تشير تقارير الأرصاد الجوية إلى أن منسوب المياه ارتفع 3 أمتار بسبب العواصف، دون أن يجد النازحون أي حماية.

وتشكل الحياة على حافة الماء، فصل غريب من فصول المعاناة بالنسبة لسكان غزة، حيث يعيش 1.7 مليون نازح - 75% من سكان غزة - في خيام ممزقة تمتد على طول القطاع، جزء كبير منهم يقيم في خيام بمحاذاة الشاطئ.

ويواجه هؤلاء السكان تحدي توفر المياه الصالحة للاستخدام، وجزء كبير منهم اضطر لاستخدام مياه البحر من أجل غسل ملابسهم. وبحسب منظمة اليونيسف فإن 96% من المياه غير صالحة للشرب، فيما يفتقد السكان لمصادر المياه بفعل الدمار الهائل الذي طال البنى التحتية.

في مشهد معقد، يتحول البحر إلى حمام عام. السيدة أم ياسر (60 عاماً) تصف: "نغتسل في البحر المالح، ثم نعود لنشرب مياهاً ملوثة تسبب الإسهال لأطفالنا".

وتوضح تقارير السياحة المحلية أن الشاطئ استقبل مليون زائر سنوياً قبل الحرب، رغم الحصار. وتقول السيدة أم محمد (43 عاماً) وهي نازحة تسكن في خيمة بمحاذاة الشاطئ: "كل جمعة كنا ننزل 15 فرداً من العائلة للشواء والاصطياف، الأطفال يبنون قصوراً رملية، والنساء تبث النكات، والرجال يمارسون رياضة كرة القدم.. اليوم كل ذلك اختفى نتيجة الحرب".

وحين عاد الصياد يوسف عبد الله (35 عاماً) من جنوب القطاع إلى شاطئ مدينة غزة القديم وجد مفارقة مؤلمة: "300 قارب صيد دمرت بالكامل، والباقي صار مسكناً للنازحين"، فيما تقول وزارة الزراعة إن 95% من الصيادين فقدوا مصدر رزقهم، في حين أن 60% من الأراضي الزراعية الساحلية دمرت.

يشير الصياد عبد الله إلى بضعة أطفال يحملون جالونات مياه، ويقول: "هؤلاء الأطفال كانوا يلهون بين مراكبنا ويبنون قصورا بالرمال، أما الآن فهم يكدون من أجل اطعام أسرهم".

يقول أحد هؤلاء الأطفال يدعى أحمد (10 أعوام) يقول وهو يحفر حفرة صغيرة: "هذا قبر لدميتي.. أبي يقول إننا سنموت كلنا قريباً".

وحذرت منظمة اليونيسف من أن غالبية الأطفال في قطاع غزة يعانون من صدمات نفسية تحتاج لتدخل عاجل نتيجة تداعيات الحرب المستمرة منذ أكثر من عام ونصف.

بموازاة ذلك، حذرت الأمم المتحدة من أن 90% من النازحين ينامون على الأرض دون فرش، بينما درجات الحرارة تنخفض ليلاً. والخيام المبتلة أصبحت مرتعاً للأمراض.

"رائحة الشواء؟ التي كانت تسيطر على الشاطئ في مثل هذا التوقيت نسيناها.. الآن نعرف رائحة البلاستيك المحترق"، تقول أم عادل عبد الهادي، بينما تحاول إشعال نار بالحطب لطبخ حفنة أرز. في خيمتها التي لا تقي شمساً، تحكي كيف تحولت حياتها من "نعيم" نسبي تحت الحصار إلى جحيم مفتوح: "كنا نجئ هنا إلى الشاطئ ليلاً للاستجمام وهرباً من الحر والحشرات، لكننا اليوم نخشى أن يحل الليل لأن السماء مليئة بالطائرات".

ولأن جغرافيا المكان لم تعد كما كانت، فكل شيء بالنسبة للسكان صار يحمل ألماً، فالبحر لم يحمل الأسماك للصيادين، بل يحمل جثثاً. رماله التي كانت تحتفظ بآثار أقدام الأطفال، صارت مقبرة جماعية. وكلما بنى الناس خياماً تهزمها الأمواج. ومع ذلك، لا يزالون يتطلعون إلى حصول معجزة توقف الحرب وتعيد للبحر قدرته على غسل الجراح.

ملاحظة : هذا النص مخرج تدريبي لدورة الكتابة الإبداعية للمنصات الرقمية ضمن مشروع " تدريب الصحفيين للعام 2025" المنفذ من بيت الصحافة والممول من منظمة اليونسكو

*المصدر: وكالة سوا الإخبارية | palsawa.com
اخبار فلسطين على مدار الساعة