جيش الاحتلال يتلاعب بالأرقام.. كم عدد الجنود المصابين في حرب غزة؟
klyoum.com
أخر اخبار فلسطين:
خارجية الاحتلال: نحن في أسوأ وضع مررنا بهوكالة خبر
بين المستشفيات العسكرية وغرف إعادة التأهيل، وتقارير الجيش الإسرائيلي، وإفادات وزارة الدفاع، وتقديرات الصحفيين، تتعاظم الفجوة التي تبتلع الحقيقة حول عدد الجنود الإسرائيليين الجرحى في الحرب على غزة، التي اندلعت منذ السابع من أكتوبر.
تتوه الإحصائيات بين جداول البيانات الرسمية الإسرائيلية، ومن خلال رصد مدقق في بيانات الجنود الإسرائيليين الجرحى، تنكشف تناقضات صارخة وتلاعب يحجب عن الجمهور التكلفة الحقيقية لحرب لم تنته بعد.
كم عدد الجنود الجرحى في الحرب؟ تختلف الإجابة تبعًا للجهة التي تُسأل. فبينما يؤكد الجيش الإسرائيلي أن عدد المصابين بلغ 5881 جنديًا، تشير إدارة إعادة التأهيل التابعة لوزارة الدفاع الإسرائيلية إلى رقم أكبر بثلاثة أضعاف تقريبًا، يصل إلى 15 ألف جندي مصاب، بالإضافة إلى 10% آخرين من عناصر قوات الأمن.
وتطرح هذه الفجوة في الأرقام تساؤلات مشروعة حول مصداقية التقارير الرسمية: هل يقلل الجيش الإسرائيلي من الأرقام عمدًا؟ أم إن إدارة إعادة التأهيل تُضخّمها؟
ففي بداية الحرب، حرص المتحدث باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي على تجاهل ذكر الجرحى، مكتفيًا بنشر أعداد القتلى فقط. وحتى 27 نوفمبر 2023، لم يُفصح الجيش عن أي رقم رسمي يتعلق بالإصابات، حتى كشفت صحيفة هآرتس أن 1000 جندي أصيبوا حتى ذلك التاريخ.
وبعد أسبوعين، في 8 ديسمبر 2023، أفادت صحيفة يديعوت أحرونوت أن أكثر من 5000 جندي جريح وصلوا إلى المستشفيات، بالإضافة إلى 1000 جندي نظامي يتلقون علاجهم داخل إطار الجيش. وفي اليوم التالي، حُذفت صورة النشر الإلكترونية التي حملت الرقم الصادم، وتم استبدالها بعنوان يشير إلى نحو 2000 جندي جديد باتوا معاقين منذ السابع من أكتوبر.
لكن تحت ضغط التغطيات الصحفية، بدأ جيش الاحتلال في 10 ديسمبر 2023 بنشر تحديثات يومية لعدد الجرحى، وبلغ حينها 1593 جنديًا. وبعد أسبوع، كشف ليمور لوريا، رئيس قسم إعادة التأهيل، في جلسة برلمانية، أن القسم استقبل 2816 جريحًا منذ اندلاع الحرب، دون احتساب الجنود النظاميين.
تزداد الشكوك مع مرور الوقت، فبحسب إدارة الموارد البشرية في جيش الاحتلال، بلغ عدد الجرحى رسميًا 5881 حتى الآن. لكن في 9 مارس 2025، أشار يوآف زيتون، المراسل العسكري في موقع واينت، إلى أن "أكثر من 10 آلاف جندي غادروا الخدمة بعد الحرب".
وبحسب زيتون، فإن معطيات الجيش تشير إلى أن نحو 12 ألف جندي قُتلوا أو جُرحوا منذ 7 أكتوبر. وإذا صدق هذا الرقم، فهذا يعني أن نحو 2000 جندي أُصيبوا لكنهم لم يُغادروا صفوف الجيش.
وفي اليوم نفسه، عقدت لجنة الكنيست الخاصة بالعمال الأجانب جلسة لمناقشة دعم الجنود الجرحى والمعاقين من خلال العاملين في التمريض. وخلال الجلسة، كشفت ليفي زيك، رئيسة وحدة توصيف الخدمات الطبية بوزارة الدفاع، أن عدد الجرحى منذ بداية العملية العسكرية بلغ 78 ألفًا، منهم 62 ألفًا أصيبوا خلال الحرب، وأوضحت أن 51% منهم دون سن الثلاثين، وغالبيتهم من جنود الاحتياط.
وفقًا لموقع هاماكوم الإسرائيلي، اعتمد الجيش في تقاريره على معايير ضيقة لتعريف "الجرحى"، إذ لا يشمل الإحصاء من تم إجلاؤهم لأسباب "روتينية"، ولا أولئك الذين لم يُصنَّفوا رسميًا كمصابين، حتى ولو عانوا من جروح طفيفة أو اضطرابات نفسية. حتى الجنود الذين توجهوا لغرف الطوارئ ولم يُدخلوا إلى المستشفى لا يُدرجون في الإحصاء.
وتأتي النتيجة في صورة مضللة لحجم الخسائر البشرية في الجيش الإسرائيلي، فالإصابات النفسية رغم شدتها تُستبعد، بينما يمكن أن يخرج جندي فقد عينه من المعركة دون أن يُسجّل ضمن "الجرحى" لأنه لم يكن مهددًا بالموت.
في المقابل، تحتسب إدارة إعادة التأهيل الإسرائيلية جميع الحالات التي تتلقى علاجًا أو دعمًا نفسيًا، بمن فيهم من يعانون من اضطرابات ما بعد الصدمة أو ردود فعل قتالية. وفي ديسمبر 2023، بدأت الإدارة بتصنيف هذه الحالات كإصابات عقلية، وبحلول مارس 2024، بلغ عدد الطلبات للاعتراف بالإعاقة النفسية 6410 حالة، وارتفع العدد إلى 7300 حالة في أبريل 2025، بزيادة 66% منذ أغسطس.
تكشف إدارة التأهيل الإسرائيلية عن حالات لجنود خرجوا من غرف الطوارئ بعد مبيت ليلة أو ليلتين، دون أن يُحتسبوا كمصابين، لكنهم في الواقع يحتاجون إلى علاج وتأهيل طويل الأمد. وبعضهم يطالب بالاعتراف بإصابته بأثر رجعي، وهو ما يُغفله جيش الاحتلال تمامًا في تقاريره.
لي مردخاي، المؤرخ الإسرائيلي، الذي يتابع تطورات الحرب منذ بدايتها، يرى – بحسب موقع هاماكوم – أن سبب الفجوة في الأرقام يعود إلى اختلاف مصالح الجهات الرسمية، فبينما يسعى الجيش إلى تقليل عدد الجرحى للحفاظ على شرعية الحرب أمام الرأي العام، تحاول وزارة الدفاع إظهار الأعباء الواقعية التي تواجه النظام الصحي.
وراء الأرقام، تبرز مشكلة أخرى هي الإعلام العسكري، فكثير من الصحفيين اعتمدوا على بيانات الجيش دون تمحيص، ونسخوا ما جاء في الموقع الرسمي دون التحقق من دقة المعلومات. وتبدو هذه السياسة خاضعة لتكتيك مدروس من قِبل المؤسسة العسكرية، حيث لا يُكشف عن الحقيقة إلا بعد تسريبات من قسم إعادة التأهيل أو ضغوط برلمانية.
وبحسب موقع هاماكوم الإسرائيلي، فإن هناك تضليلًا واسعًا للجمهور حول الثمن البشري الحقيقي للحرب على غزة، ففي الوقت الذي يُدفع فيه الجنود إلى الخطوط الأمامية، يُحرم المجتمع الإسرائيلي والعالم من فهم حجم التكاليف النفسية والجسدية التي تدفعها هذه القوات.