تحرّكات دبلوماسية بلا عائد | إيران للأوروبيين: سقفنا ثابت
klyoum.com
في لحظة مشحونة بالتوتّرات العسكرية والتهديدات السياسية، وصل وزراء خارجية المملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا، رفقةَ مفوّضة الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي، كايا كالاس، إلى جنيف، للقاء وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، في مسعى دبلوماسي وصفه مراقبون بأنه «سباق مع الزمن» وربّما «الفرصة الأخيرة»، لتفادي انزلاق الشرق الأوسط نحو حرب إقليمية شاملة قد تتورّط فيها الولايات المتحدة. ويعتقد الأوروبيون بضرورة التمسّك بالخيار الدبلوماسي مهما كان هشّاً، خشيةً من الأسوأ الذي قد ينعكس على أسعار الطاقة، ويصل شرره إلى الدول الحليفة التي تستضيف قواعد أميركية في الإقليم.
وأشار زير الخارجية البريطاني، ديفيد لامي، الذي وصل مباشرة من واشنطن، حيث التقى نظيره الأميركي، ماركو روبيو، إلى أن «نافذة زمنية تمتدّ لأسبوعين فقط قد تكون الفرصة الأخيرة للتوصّل إلى حلّ دبلوماسي»، مضيفاً أن «الوضع في الشرق الأوسط بالغ الخطورة، وعلينا منع تفاقمه قبل فوات الأوان». ويؤمل أن تقدّم الترويكا الأوروبية للرئيس الأميركي مخرجاً مقبولاً من ربقة ضغوط متناقضة يتعرّض لها من قِبَل حلفائه الإسرائيليين، ومن بعض أجنحة حزبه التي ترفض الانخراط مباشرة في حروب خارجية جديدة.
وقالت وزيرة الثقافة البريطانية، ليزا ناندي، من جهتها، إن الإدارة الأميركية قدّمت «إطاراً زمنياً واضحاً» للدبلوماسية، مؤكّدة أن كل الجهود تتّجه الآن نحو «خفض التصعيد». أمّا في باريس، فقد دافع وزير الخارجية الفرنسي، جان-نويل بارو، بأن بلاده «تقف مع القانون الدولي»، معلناً استعداد فرنسا للمساعدة في صياغة اتفاق شامل يراعي المخاوف الإسرائيلية والإقليمية، وفي الوقت نفسه يضمن لإيران الحقّ في برنامج نووي سلمي.
من جانبه، أبدى الوزير الإيراني، عباس عراقجي، استعداد بلاده للانخراط في مفاوضات «شريطة وقف العدوان الإسرائيلي». وقال أمام «مجلس حقوق الإنسان» التابع للأمم المتحدة، في جنيف: «كنا على وشك توقيع اتفاق سلام مع واشنطن في الـ15 من حزيران، قبل أن تتعرّض بلادنا لهجوم غادر»، متّهماً إسرائيل بـ»خيانة الدبلوماسية»، ومؤكداً أن طهران «لن تفاوض والسيوف مُصْلَتة فوق رأسها».
«الوضع في الشرق الأوسط بالغ الخطورة، وعلينا منع تفاقمه قبل فوات الأوان»
إلّا أن الموقف الإيراني لا يخلو من المناورة؛ إذ رأى مسؤولون أوروبيون أن طهران قد تقبل بصيغة تفاوضية «موازية» تبدأ مع الدول الأوروبية من دون الولايات المتحدة، بهدف استكشاف إمكانية التوصّل إلى اتفاق إطار، يمكن البناء عليه لاحقاً، بمشاركة واشنطن، إذا ما توفّرت ظروف التهدئة. لكن في المقابل، ترفض الحكومة الإسرائيلية، بقيادة بنيامين نتنياهو، أيّ حلّ دبلوماسي لا يتضمّن «تفكيكاً كاملاً للبرنامج النووي الإيراني، وتدمير قدرات إيران الصاروخية». وعن ذلك، قال وزير الخارجية الإسرائيلي، جدعون ساعر، في مقابلة متلفزة: «نحن لا نؤمن بهذه المفاوضات. لقد خيضت سابقاً ولم تؤدِّ إلّا إلى المزيد من التهديد».
وفي الاجتماع المُغلق في جنيف الذي بدأ بعد ظهر أمس، حاول وزراء الترويكا استكشاف مدى استعداد إيران للعودة إلى اتفاق جديد، قد يتضمّن رقابة أكثر تشدُّداً على تخصيب اليورانيوم، وتقييد برنامج الصواريخ الباليستية، مقابل تخفيف العقوبات الاقتصادية. إلّا أن العقبة الكبرى تبقى في إصرار إدارة ترامب على مبدأ «صفر تخصيب»، وهو مطلب ترفضه طهران بشكل قاطع. وأفاد مسؤول إيراني كبير، تحدّث إلى الصحافة، بأن بلاده «مستعدّة لمناقشة سقف معيّن للتخصيب»، لكنها «لن تقبل بتفكيك كامل لقدراتها النووية، خاصة في ظلّ القصف».
وتُعدّ مفاوضات جنيف اختباراً حاسماً للأوروبيين الذين يسعون لإعادة تفعيل دورهم في الملف الإيراني بعد سنوات من التهميش. فبعدما كانوا طرفاً محورياً في إنجاز اتفاق عام 2015 النووي، تراجعت مكانتهم إثر انسحاب ترامب منه عام 2018. وتعكس الجهود الحالية محاولة أوروبية لإقناع طهران بإرسال إشارات «جدّية» إلى واشنطن حول نواياها، في وقت يصعب فيه تنظيم محادثات مباشرة بين إيران وأميركا. ووفقاً لمصادر دبلوماسية، فإن الأوروبيين يسعون إلى إقناع ترامب بأن «الخيار الدبلوماسي لم يمت بعد»، وبأنه في إمكانه الادّعاء بـ»نصر تفاوضي» بدل الدخول في حرب قد تُربك قواعده الانتخابية وتكلّفه سياسياً.
وفيما يرى مراقبون أن مجرد انعقاد اجتماع جنيف، ووجود نافذة زمنية تفاوضية أعلنها ترامب، يمنحان فرصة حقيقية - ولو ضئيلة - لوقف الحرب وإعادة الأطراف إلى طاولة التفاوض قبل أن تنفجر المنطقة برمّتها، فإن فرص نجاح هذه الجولة تظلّ، أقلّه في الحسابات الجارية، محدودة للغاية؛ إذ إن إسرائيل لا تزال تصعّد ميدانياً وتُظهر تصميماً على استكمال العمليات العسكرية، بينما تبدي طهران تصلّباً في مواقفها وترى نفسها ضحية عدوان خارجي، وتستمرّ في توجيه ضربات يومية بالصواريخ الباليستية والمُسيّرات تسبّبت بشلل كبير لمجتمع الكيان. أمّا الولايات المتحدة، فيبدو رئيسها وقد صعد بنفسه إلى أعلى شجرة لا يعرف كيفيّة النزول عنها، ومن دون (السلّم) الأوروبي قد ينتهي إلى التورّط في حرب ستتدحرج وتمسّ المصالح الأميركية عبر المنطقة.
المصدر: الأخبار اللبنانية