تحوّل تكتيكي في نهج المقاومة.. اشتباك فدائي مباشر واستنزاف منظم يربك الاحتلال
klyoum.com
تقرير – شهاب
تشير التطورات الميدانية في الأسابيع الأخيرة إلى تحوّل ملحوظ في طبيعة الاشتباك الذي تخوضه المقاومة بغزة، وتحديدًا كتائب القسام، باتجاه أسلوب فدائي مباشر، يقوم على التوغل والإغارة والانغماس في أرض المعركة، بدلًا من الاعتماد الكلي على الرماية عن بعد أو الهجمات الصاروخية، ويعزز هذا التوجه الجديد طبيعة العمليات التي نُفذت مؤخرًا، والمواد المصوّرة التي بثّتها بشكل متكرر ومدروس.
وأظهرت العمليات الأخيرة أن كتائب القسام باتت تتبع أسلوبًا قوامه الاشتباك القريب من مسافة صفر، حيث تنفذ مجموعات صغيرة من المقاتلين عمليات اقتحام على مواقع تمركز جيش الاحتلال الإسرائيلي، بهدف الاشتباك المباشر، وهذا النمط يُذكّر بالعمليات الفدائية التي كانت سائدة في الانتفاضتين الأولى والثانية، لكنه اليوم يتخذ طابعًا أكثر تنظيمًا وتخطيطًا من حيث الاستعداد والدقة.
في إحدى أبرز العمليات، بثّت كتائب القسام تسجيلًا مصورًا يظهر مجموعة من مقاتليها أثناء التسلل إلى موقع تمركز لجيش الاحتلال في خان يونس جنوب قطاع غزة، وهم يشتبكون مع جنود إسرائيليين من مسافة صفر، باستخدام العبوات الناسفة والأسلحة المضادة للدروع والقنابل اليدوية.
اللافت في هذا التحوّل ليس فقط نوعية العمليات، بل أيضًا الطريقة التي يتم بها توثيقها وبثها إعلاميًا، فقد أصبح نشر مقاطع الفيديو جزءًا لا يتجزأ من المعركة، إذ يتم اختيار زوايا التصوير والمونتاج بعناية لتُظهر الجرأة، القرب من العدو، والتضحية، لتكون هذه المقاطع مصممة لإحداث أثر نفسي مباشر، سواء على الجمهور الفلسطيني كوسيلة تعبئة وتثبيت، أو على الجبهة الإسرائيلية كأداة تهديد وتهشيم لصورة الردع الأمني.
أكثر جرأة وسعي لأسر جنود
تقديرات إسرائيلية رجحت تزايد محاولات المقاومة لأسر جنود إسرائيليين في قطاع غزة، في ظل اعتمادها أسلوبا جديدا في الفترة الأخيرة فاجأ القيادة العسكرية لدى الاحتلال ودفعها إلى محاولة وضع خطط جديدة لمواجهته.
ونقلت صحيفة "يسرائيل هيوم" العبرية، عن مصدر مسؤول قوله إن المقاومة اعتمدت مؤخرا أسلوب عمل يعتمد على التضحيات مع قدر أكبر من الجرأة والاحتكاك القريب مع قوات الاحتلال.
وأوضحت أنه على عكس العمليات السابقة التي اعتمدت على عمليات قصيرة ومحددة حرص جيش الاحتلال مؤخرا على الحفاظ على وجود مستمر في قلب مدن غزة بهدف "تطويق" مراكز قيادة المقاومة.
وأشارت الصحيفة إلى أن حضور قوات الاحتلال قابلته المقاومة بتغيير في الاستراتيجية بدا واضحا الأسبوع الماضي في خانيونس حين استهدف عناصر من المقاومة مركبة لجيش الاحتلال، وحاولوا اختطاف الرقيب الأول احتياط أفراهام عازولاي الذي كان يعمل على جرافة، قبل أن يقتلوه.
وذكرت الصحيفة أن التقديرات الأمنية ترجح أن تزداد محاولات الخطف والأسر، وأن تحاول المقاومة استثمار نقاط الضعف في انتشار القوات الميدانية التابعة لجيش الاحتلال.
وقالت إن توجيهات صدرت لقوات الاحتلال بالبقاء يقظة، وذلك بالتزامن مع العمل بانتظام على تقييم الوضع بعد كل عملية للمقاومة تسفر عن إصابات لاستخلاص الدروس العملياتية ومنع تكرار تلك الحوادث.
ومع ذلك، تقول "يسرائيل هيوم" إن تطوير المقاومة أنماط عمل مختلفة يطرح معضلات جديدة لقادة جيش الاحتلال.
وأشارت إلى أن من بين التساؤلات المطروحة داخل الجيش حاليا ما إذا كان ينبغي الاستمرار في دخول المنازل، حيث تضمنت الحوادث الأخيرة زرع متفجرات فيها، مما أدى إلى إلحاق ضرر بالجنود، إضافة إلى أفضل السبل لحماية المركبات المدرعة.
من جانبها، نقلت القناة الـ12 عن رئيس العمليات السابق في جيش الاحتلال الإسرائيلي يسرائيل زيف قوله إن "حرب العصابات في غزة مروعة وتقلل كثيرا مكاسب جيشنا".
استنزاف باستراتيجية محكمة
ومن جانبه، قال الخبير العسكري والإستراتيجي العقيد الركن المتقاعد نضال أبو زيد إن عمليات المقاومة تركز في القطاع على استهداف ناقلات الجند والدبابات، في إستراتيجية واضحة تهدف لبناء نقاط قوة المقاومة على نقاط ضعف الاحتلال.
وأضاف أبو زيد، أن المقاومة تستغل أزمة القوة البشرية لدى الاحتلال بتكثيفها استهداف العناصر والجنود، بالإضافة إلى اتباع سياسة إعلامية تهدف للضغط على معنويات قوات الاحتلال.
وأشار إلى أن المقاومة تسعى لتعزيز حالة الإرهاق والتذمر في صفوف قوات الاحتلال من خلال الترويج لعمليات الأسر، مما يخلق خللا في توازن هذه القوات ويقلل من قدرتها على تنفيذ مهامها بفعالية.
وبحسب أبو زيد، فإن هذه الإستراتيجية تؤكد فهم المقاومة العميق لطبيعة التحديات التي تواجه جيش الاحتلال الإسرائيلي واستغلالها بشكل تكتيكي محكم.
وكانت كتائب القسام، قد بثت صورا لهروب جندي إسرائيلي تحت نيران مقاتليها، وأعادت نشر صورة لجندي قالت إنه يدعى "أبراهام أزولاي" كانت قد حاولت أسره قبل أن يُقتل، مضيفة: "مصير الجندي التالي سيكون أفضل كأسير جديد لدى القسام".
وتابع أبو زيد قائلا إن التلويح المتكرر من المقاومة بخيار أسر الجنود يحمل بعدا نفسيا ضاغطا على القوات الإسرائيلية، إذ تزرع مثل هذه الرسائل حالة من التوتر والارتباك في صفوف الجنود وتؤثر على أدائهم أثناء تنفيذ التعليمات في المعارك، لا سيما في إطار عمليات "عربات جدعون".
وشدد على أن مرور 54 يوما على انطلاق "عربات جدعون" من دون نتائج حاسمة، مقابل استمرار المقاومة في توجيه الضربات، يُفقد الخطة هيبتها الإعلامية التي سعت قيادة الاحتلال لترويجها كحملة ناجحة قادرة على تغيير قواعد المواجهة في القطاع.
ولفت إلى أن العمليات المتزامنة التي نفذتها المقاومة الفلسطينية في كل من خان يونس جنوب قطاع غزة والشجاعية شرقي مدينة غزة، تؤكد تمسكها بمبدأ التخطيط المركزي والتنفيذ اللامركزي، وهو ما يدل على تماسك منظومة القيادة والسيطرة لديها.
ورأى أبو زيد، أن التزامن الزمني والدقة في اختيار المواقع يعكسان قدرة المقاومة على تشكيل مسرح عمليات متعدد المحاور رغم مرور أكثر من 640 يوما من الحرب، موضحا أن ذلك يُنتج واقعا ميدانيا جديدا يتمثل في تشكيل مثلثات جغرافية عملياتية تُعيد رسم البيئة القتالية.
وبشأن خصوصية المناطق التي تشهد تصعيدا، قال أبو زيد إن خان يونس تحولت إلى نقطة استنزاف مفتوحة بفعل فشل الاحتلال في التوغل داخلها، بينما تُعد الشجاعية وجباليا وبيت حانون مسرحا مكررا لعمليات فاشلة، رغم خضوعها سابقا لعدة اجتياحات ضمن خطط عسكرية متعاقبة.
ولفت إلى أن فشل الاحتلال في إدراك الديناميكيات المتغيرة على الأرض مردّه إلى ضعف في تقييمات جهاز الاستخبارات العسكرية (أمان)، والذي يفترض أن يمهّد ميدانيا لوحدات العمليات، لكنه بات يتعامل مع مشهد معقد لا يُحتوى بالوسائل التقليدية.