اخبار فلسطين

جريدة الايام

سياسة

لم يكن متفرجاً

لم يكن متفرجاً

klyoum.com

غسان زقطان

في ذكرى رحيل علي إسحق

رغم اختياره عنوان «ملاحظات متفرج» لمجموعته القصصية الوحيدة التي طبعها متأخرا تحت ضغط الأصدقاء، لم يكن علي اسحق متفرجا، كان شريكا فاعلا منذ البدايات المبكرة للعمل الفدائي الفلسطيني، والثقافي الإعلامي فيما بعد. لعل طريقه كان واضحا منذ استشهاد والده في خمسينيات القرن الماضي.

الفتى عليّ الذي حمل من أجداده رواية هجرة الشعب الشركسي من بلادهم بداية القرن الماضي، بعد الحرب الأهلية الروسية وانتصار البلاشفة، هجرة قاسية عبرها الشركس من تخوم روسيا حتى بلاد الشام مرورا ببلاد الأتراك حيث وصلت أسرته إلى «الريحانية» في فلسطين، ثم هجرة العائلة مع هجرة الفلسطينيين اثر «النكبة» في منتصف القرن واحتلال العصابات الصهيونية الجزء الأكبر من فلسطين، بهذه الذاكرة المركبة العميقة كان عليّ يتجول، وبها وصل إلى قواعد الفدائيين مبكرا، إرثه الشركسي الغني الممتلئ بجسارة الرعاة وفضاء السهوب وقصص الحب ومآثر الخيل، وانتماؤه الفلسطيني المؤسس على وطنية راسخة وشرفات حضارية مثل حدائق معلقة، منحاه تلك النظرة المتأملة للحياة ونزعة العدالة التي رافقته حتى النهاية.

عليّ الذي بدأ واعدا ومتمكنا من أدواته ولغته عندما نشر قصصه الأولى، استطاع أن يجد له موقعا واضحا في المشهد الثقافي الفلسطيني الذي شهد في تلك الفترة، ستينيات القرن الماضي، ظهور جيل جديد من الكتاب الشباب الذين حملوا اقتراحات الكتابة إلى أفق الثورة، ولكنه ذهب أبعد في العمل التنظيمي للمقاومة التي كانت تتفتح مثل زهرة حنين مدهشة، وأكثر بعدا في العمل السياسي وجدل الثورة الذي كان محتدما في حلقات الشباب وأحلامهم وهم يتحسسون بنادقهم ويمسحونها بزيت السلاح.

أخذته الثورة وانهماكه العميق في شؤون العمل السياسي بعيدا عن أوراقه، ولكنه عبر مسؤولياته الإعلامية في الثمانينيات شكل عليّ مساحة تجاوزت فكرة القبيلة/الفصيل، وقدم بهدوء صيغة وطنية ومهنية سمحت للكثير من الكتاب والمبدعين والإعلاميين، الفلسطينيين والعرب، بالعمل والكتابة دون تصنيف انتماءاتهم التنظيمية، كانت، الصيغة تلك، مساحة جدل ثري ومثمر بين تيارات واجتهادات مختلفة على أرضية وطنية وابداعية ومهنية راسخة.

لم يكن متفرجا، ولكنه، عنوان المجموعة، سيشبه جلوسه اللاحق على مقهاه المفضل قبالة مبنى البلدية في رام الله، حيث أطلق شبكة واسعة من الصداقات مع مالك المقهى وعمال البلدية والمارة، كان مقتصدا في حديثه ومصغيا معظم الوقت، ولكنه امتلك تلك النظرة المرحبة، النظرة التي تصغي إليك وتدفعك للكلام.

الصمت المتأمل المدجج بالسخرية المحمولة على سرعة بديهة خاصة، السخرية التي تتجمع مثل نظام دفاع، أو شبكة حماية لزمن جميل ومعافى كان هو أحد البنائين في ورشته العظيمة في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي.

* مقدمة مختصرة للطبعة الجديدة من المجموعة القصصية «ملاحظات متفرج» للراحل علي إسحق.

*المصدر: جريدة الايام | al-ayyam.ps
اخبار فلسطين على مدار الساعة

حقوق التأليف والنشر © 2024 موقع كل يوم

عنوان: Armenia, 8041, Yerevan
Nor Nork 3st Micro-District,

هاتف:

البريد الإلكتروني: admin@klyoum.com