آيت عميرة.. قلب المغرب الفلاحي النابض بجسد صحي مشلول
klyoum.com
أخر اخبار المغرب:
مهرجان إفران.. مطالب بالتحقيق في صرف 4 ملايير بعد سحب الرعاية الملكيةتعيش جماعة آيت عميرة التي تمثل مركز القطب الفلاحي بإقليم اشتوكة أيت باها، وأكبر تكتل سكاني بجهة سوس ماسة، على وقع مفارقة صارخة: نمو ديموغرافي واقتصادي متسارع يقابله شلل شبه تام في الخدمات الصحية الأساسية. ليست مجرد شكوى عابرة، بل حقيقة تجسدها أرقام صادمة؛حوالي 113 ألف مواطن يعتمدون على مركز صحي قروي وحيد، غالباً ما يشتغل بدون طبيب قار، في وضع يصفه السكان بـ"الكارثة الصحية الصامتة" التي تضع حياتهم على المحك يومياً.
تفاصيل الأزمة على الأرض
بالنسبة لساكنة آيت عميرة، لا يعني المرض مجرد وعكة صحية، بل بداية لـ"رحلة عذاب". فغياب طبيب قار ومستعجلات مجهزة يحوّل الحالات الطارئة، من حادث سير مفاجئ إلى أزمة سكري لمسن أو متابعة لامرأة حامل، إلى رهان خطير ضد الزمن. يضطر المواطنون لقطع الكيلومترات نحو مدينة بيوكرى أو أكادير، متكبدين مصاريف نقل باهظة ومهددين بفقدان حياتهم على الطريق، بينما يظل المركز الصحي المحلي مجرد بناية عاجزة عن تقديم أبسط إسعاف أولي حقيقي.
مبادرات في مواجهة جدار البيروقراطية
ولعل ما يزيد من مرارة الواقع هو ما كشف عنه لحسن أقديم، النائب الأول لرئيس جماعة أيت اعميرة، الذي أشار إلى فرصة ذهبية ضاعت كانت لتخفف من وطأة الأزمة. ففي شهادته، أكد أن سيدة محسنة من المنطقة عبرت عن رغبتها في التبرع بقطعة أرضية حيوية في حيز مكاني شاسع، مخصصة لبناء مستوصف صحي ثانٍ تشتد الحاجة إليه. لكن هذه المبادرة الإنسانية النبيلة تبخرت وسط متاهة من "العراقيل والإكراهات"، ليبقى المشروع مجرد حلم لم ير النور.
ولم يتوقف النزيف عند هذا الحد، بل امتد ليشمل المركز الصحي الوحيد الذي يلفظ أنفاسه الأخيرة، فبعد تقاعد الطبيب الرئيسي لم يتم تعويضه، وكذلك الحال بالنسبة للممرضين، ليجد المواطنون أنفسهم أمام بناية تحتاج بدورها إلى عناية مركزة، لا يستطيع معها المشتغلين بها حاليا مسايرة حجم هذه الوضعية الديمغرافية والجغرافية التي لا يتوقف ضغطها، في ظل وضع يصفه الفاعل الجماعي نفسه، ضمن تصريح لموقع "سيت أنفو"، بـ"الكارثة الحقيقية"، حيث تسير الأمور "خبط عشواء"..
لغة الأرقام تكشف الفجوة
المعادلة بسيطة وواضحة ولا تحتاج إلى تحليل معقد؛ فوفقاً للمعايير الصحية المعتمدة، فإن كثافة سكانية بحجم 113 ألف نسمة تستدعي، كحد أدنى، توفير أربعة مراكز صحية للقرب موزعة على تراب الجماعة، بالإضافة إلى مستشفى محلي مجهز بقسم للمستعجلات وتخصصات أساسية. الواقع الحالي بمركز صحي واحد فقط لا يمثل "خصاصاً"، بل هو فجوة هائلة تضرب في الصميم مبدأ العدالة المجالية الصحية وتجعل من الحق الدستوري في العلاج مجرد حبر على ورق.
قلب فلاحي نابض بجسد صحي عليل
تكمن المفارقة الأكبر في أن آيت عميرة ليست مجرد جماعة نائية، بل هي القلب النابض للفلاحة العصرية في المغرب، ومصدر رئيسي للإنتاج الموجه للتصدير، ومحرك اقتصادي يساهم بقوة في الناتج الداخلي الخام للجهة والوطن. فكيف يُعقل أن المنطقة التي تضمن الأمن الغذائي لملايين المستهلكين داخل وخارج المغرب، تعجز عن ضمان أبسط أشكال "الأمن الصحي" لأبنائها وعمالها الذين يشكلون عصب هذا الاقتصاد؟
لقد تجاوز الوضع في آيت عميرة مرحلة التشخيص والتنديد ليصل إلى عتبة الخطر المحدق. لم يعد السؤال "ما هو المشكل؟" بل "من المسؤول عن استمراره؟". إن الساكنة لا تطالب بالمستحيل، بل بتنزيل حقها المشروع في بنية صحية لائقة تتناسب مع حجمها الديموغرافي ودورها الاقتصادي. الكرة الآن في ملعب وزارة الصحة والحماية الاجتماعية والجهات المسؤولة، المطالَبة بالتدخل العاجل لوضع حد لهذا "العطش الصحي"، قبل أن يتحول الانتظار إلى مآسٍ لا يمكن تداركها.
انضم إلينا واحصل على نشراتنا الإخبارية