المهاجرون في المغرب بين الحاجة الاقتصادية ونيران الكراهية
klyoum.com
أخر اخبار المغرب:
السلطات تتدخل بصرامة لهدم لافيراي الحي الحسني بالبيضاء -فيديوإجراءات يعاقب عليها الدستور وتناقض الاتفاقات الدولية التي وقعتها الرباط
"ارحلوا إلى بلدانكم"... " لا مكان لكم هنا"... غزوتم المغرب"... "لا ثقة في هؤلاء المهاجرين الأفارقة، فمعظمهم يشكلون خطراً على أمن المجتمع"... عبارات كثيرة تضج بها مواقع التواصل الاجتماعي ضد المهاجرين الوافدين من دول أفريقيا جنوب الصحراء.
ويعزو مراقبون تنامي حملات الكراهية الرقمية في حق المهاجرين الأفارقة الوافدين إلى المملكة لأسباب اجتماعية واقتصادية، معتبرين أن "هذه الخطابات والحملات الرقمية تعد جريمة في حد ذاتها، ولا تدخل في سياق حرية التعبير"، وأنها "تعكس كراهية وتمييزاً عنصرياً من قبل المدونين".
ولم تفتأ الحكومة المغربية إعلان رفضها الشديد لما يروج في مواقع التواصل الاجتماعي، وحتى أحياناً كثيرة في الشوارع والفضاءات العامة، مؤكدة أنها إجراءات يعاقب عليها الدستور المغربي وتناقض الاتفاقات الدولية التي وقعتها الرباط.
نعوت وتنمر
تنامى خطاب الكراهية والتمييز ضد المهاجرين الوافدين من دول أفريقيا جنوب الصحراء، خصوصاً على مواقع التواصل الاجتماعي من خلال التعليقات المنشورة أو تناقل عبارات التنمر أو أوصاف عنصرية من قبيل "الضراوي" أو "العزي".
وتحيل عبارات "العزي" أو "الضراوي" و"الفاخر" على لون البشرة السوداء لهؤلاء المهاجرين الأفارقة، وهي نعوت تدرج على ألسنة كثير من المغاربة للدلالة على هذه الشريحة من المقيمين في المملكة.
ولا يقتصر الأمر على إطلاق النعوت والأوصاف في حق المهاجرين الأفارقة الذين يفدون إلى المغرب بطريقة غير شرعية، إما للاستقرار أو اتخاذه محطة موقتة للعبور نحو الضفة الإسبانية، بل يتجاوز ذلك إلى مطالب ودعوات على مواقع التواصل لترحيل هؤلاء المهاجرين إلى بلدانهم الأصلية.
وينتقد الداعون إلى ترحيل المهاجرين الأفارقة من المغرب وجودهم الكثيف في بعض الأحياء والمناطق، وأيضاً ما سموه "غزواً" للأحياء الشعبية في المدن وضواحيها، و"ما يحدثونه من ضجيج يصدر عنهم وسلوكيات تزعج السكان والجيران".
هذه النظرة السلبية لكثير من المغاربة حيال المهاجرين الأفارقة الوافدين، تدعمها استطلاعات رأي تجريها منظمات غير حكومية، آخرها دراسة العصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان، كشفت عن أن 55 في المئة من المغاربة يرفضون تحول المغرب إلى بلد استقبال للمهاجرين الأفارقة، وأن 71 في المئة من الشباب المغاربة يرون أن هؤلاء المهاجرين يتسببون في ارتفاع نسبة البطالة في البلاد.
أسباب الظاهرة
يقول في السياق المحجوب بنسعيد، باحث في الاتصال والحوار الحضاري، إن تفاقم أزمة المهاجرين على الصعيد الدولي أدى إلى تزايد خطاب الكراهية الذي يستهدف مجتمعات المهاجرين في عدد من البلدان، ومنها المغرب، حيث تزايد انتشار خطاب الكراهية في الإعلام ضد المهاجرين خصوصاً على مواقع التواصل الاجتماعي.
عزا بنسعيد موجة خطاب الكراهية إلى أسباب كثيرة، منها "التراجع الملحوظ من قبل منظمات المجتمع المدني لجهة الاهتمام بالتوعية بحقوق المهاجرين والعمل على إدماجهم في المجتمع المغربي، مقابل تركيزها على قضايا تهم مشكلات المغاربة الاقتصادية والاجتماعية".
وأشار بنسعيد أيضاً إلى سبب آخر هو "لجوء بعض المهاجرين الوافدين من أفريقيا جنوب الصحراء إلى سلوكيات عنيفة ضد السلطات المحلية والمواطنين على السواء، مما خلق حالاً من التذمر وانتشار ردود فعل عنصرية، لا سيما أن المغاربة تعاملوا بكرم واحترام مع هؤلاء المهاجرين".
ولفت المتحدث إلى "تناقض انتشار خطاب الكراهية ضد المهاجرين الأفارقة مع الفصل 30 من الدستور المغربي الذي ينص على حق تمتع الأجانب بالحريات الأساسية المعترف بها للمواطنات والمواطنين المغاربة، وفقاً للقانون".
ويحتضن المغرب أيضاً مقر المرصد الأفريقي للهجرة باعتباره جهازاً جديداً للاتحاد الأفريقي بموجب القرار رقم 695 خلال القمة الـ31 لرؤساء دول وحكومات الاتحاد الأفريقي، التي عقدت في نواكشوط في يوليو (تموز) 2018.
وذهب بنسعيد إلى أنه "يمكن الحد من انتشار هذه الكراهية من خلال احترام التزامات الدولة المغربية المستضيفة، مع ضرورة تكوين الصحافيين في مجال محاربة ترويج الصور النمطية حول المهاجرين، والتعريف بالتشريعات الوطنية والدولية ذات الصلة بحقوق المهاجرين".
سوق الشغل
ليست هذه الأسباب الوحيدة التي تفسر تنامي خطاب الكراهية على مواقع التواصل ضد المهاجرين الأفارقة بالمغرب، بل أيضاً هناك دوافع اقتصادية بحتة يجملها الباحث في الاقتصاد الاجتماعي محمد مجدولين في "التنافسية على سوق الشغل بالبلاد".
يشرح مجدولين هذا الأمر بقوله إن "هؤلاء المهاجرين الأفارقة عندما وفدوا إلى المغرب سواء بنية الاستقرار أو العبور إلى الضفة الأوروبية من خلال الهجرة السرية وصولاً إلى إسبانيا، اضطروا إلى العمل لتوفير لقمة العيش".
وأكمل المتحدث ذاته أن منهم بالفعل من نجح في الحصول على وظائف متوسطة في شركات، لا سيما المتعلمين منهم، لكن أكثرهم يشتغلون في مهن بسيطة في قطاع البناء على وجه الخصوص.
وزاد الباحث عينه أن حاجة سوق الشغل في بعض القطاعات المهنية التي تتطلب قوة وصبراً وجلداً، بالنظر إلى القوة الجسدية العروفة عند هؤلاء المهاجرين، دفعت بعض الشباب المغاربة إلى اتخاذ موقف سلبي منهم، وعدوهم منافسين لهم في سوق الشغل، وبأنهم صاروا يحتكرون بعض الأعمال والوظائف بدل "أبناء البلد"، مما يفسر نشوء خطاب الكراهية ضدهم والتحريض عليهم.
ويرى مجدولين أنه على السلطات المغربية الاستمرار في تسوية وضعية هؤلاء المهاجرين الأفارقة كما كان معمولاً به في السابق، من أجل أن ينالوا حقوقهم كاملة، معتبراً أن "الدولة مسؤولة عن تنامي خطاب الكراهية ضد هذه الشريحة من المهاجرين".
الحكومة المغربية من جهتها عبرت أكثر من مرة، على لسان ناطقها الرسمي مصطفى بايتاس، عن رفضها الشديد لحملات الكراهية والعنصرية ضد المهاجرين الوافدين من دول أفريقيا جنوب الصحراء.
ووفق الناطق الرسمي باسم الحكومة المغربية، "تظل قضايا الكراهية والتمييز مرفوضة دستورياً، كما ترفضها الاتفاقات الدولية التي وقع عليه المغرب"، مورداً أن المسؤولية مشتركة تتحملها الحكومة وأيضاً الأحزاب السياسية وجمعيات المجتمع المدني.