لايف ستايل

ال عربية

حياتنا

وقفت أمي في وجه سعادتي (الجزء الأول)

وقفت أمي في وجه سعادتي (الجزء الأول)

klyoum.com

تعرّفتُ على نادر أثناء رحلة إلى اليونان قمتُ بها مع أهلي خلال موسم الصيف. كنّا قد قصَدنا مكتبًا للسفريّات يُنظِّم الرحلات للمجموعات، وأعجبَنا برنامجهم. وفي تلك المجموعة، كان هناك ذلك الرجُل الوسيم الذي رافَقَ والدته التي أبدَت رغبتها بزيارة اليونان.

لاحظتُ نادِر على الفور، وكيف لا أفعَل، فهو كان جذّابا للغاية! هو الاخَر أخَذَ يُحدِّقُ بي بإعجاب، إلى أنّ وجَدَ اللحظة المُناسبة للتكلّم معي، أيّ عندما كنتُ لوحدي في إحدى صالونات الباخِرة التي تنقلُنا مِن جزيرة إلى أخرى. كان الحديث بسيطًا ومُشوّقًا، تبادَلنا المعلومات عن نفسنا وعلِمتُ منه أنّه يتداوَل الأسهم في البورصة، ويعيشُ مع أمّه وأنّه لَم يتزوّج مِن قَبل. قلتُ له إنّني مُطلّقة، وأعمَل في شركة أبي، ولدَيّ طموحات عديدة بالنسبة لحياتي العمليّة والعاطفيّة. بعد ذلك، وجَدنا دائمًا الوقت والمكان لنتواجَد لوحدنا بشكل لا يُزعجنا أحَد، وتمكّنّا مِن أن نقضي قسمًا كبيرًا مِن الرحلة سويًّا مِن دون أن ينتبِه لنا أهلنا، وكأنّنا مُراهقان مُشاغِبان، الأمر الذي أضافَ الإثارة للقاءاتنا. وعندما عُدنا إلى البلَد، أيّ بعد أيّام قليلة، كنّا مُتحابَّين. للحقيقة، لَم أكن أُريدُ أن يعرفَ أبَواي بمسألة نادِر، فكنتُ قد طلّقتُ زوجي قَبل فترة ليست بطويلة، وبعد عناء، لأنّ زوجي السابق أرادَ أن يستفيد مِن مال أبي قدر المُستطاع، فاضطرَّ هذا الأخير لِدَفع مبلغ كبير له للتخلّص منه نهائيًّا. ثمّ قال لي والدي عندما حصَلتُ أخيرًا على أوراق طلاقي: "في المرّة القادِمة أرجو منكِ أن تختاري رفيق حياتكِ بشكل أفضل!". كنتُ أعلَم أنّ تسرّعي بالزواج كان السبب في طلاقي، إذ أنّني لَم أتعرّف جيّدًا على ذلك الزوج، ولذلك خفتُ أنّ لا يأخذَ أهلي علاقتي بنادِر على محمَل الجَدّ، بل أن يعتبرا حبّنا إعادة للسيناريو السّابق نفسه. لِذا قرّرتُ أن أعرف كلّ ما عليّ معرفته عن حبيبي قَبل أن يخرجَ حبّنا إلى العلَن. فكنتُ قد تعلّمتُ الدرس جيّدًا... أو هكذا ظننتُ. فبالرغم مِن أنّني كنتُ في الثامنة والعشرين مِن عمري، كنتُ غير ناضِجة عاطفيًّا، لا بل لا أزالُ فتاة صغيرة تحلمُ بالأمير الذي سيأخذها على حصانه الأبيض.

والأمر الذي حمَلَني على الحُلم بالزواج مِن نادر والذي أكَّدَ لي أنّه سيكون زوجًا مُحِبًّا وحنونًا، كان الاهتمام الذي أحاطَ به أمّه خلال رحلتنا إلى اليونان. فهو لَم يتركها سوى ليُلاقيني سرًّا وتمضية ولو دقائق معي على انفراد. فهو الآخَر لَم يكن يُريدُ التسرّع بإذاعة خبَر حبّنا لأنّه لَم يتزوّج مِن قَبل، وخافَ أن يرتبِط للمرّة الأولى بإنسانة لا تُشارِكه ميوله وأفكاره وقيَمه. فالجدير بالذكر أنّ والدته ربَّته على الحفاظ على المبادئ التي نفتقِد إليها اليوم. إفتخَرتُ به لكنّني فهِمتُ أيضًا، ولو هو لَم يقُل لي ذلك، أن أمّه مُتعلِّقة جدًّا به كَونه وحيدها، ورأيتُ كيف كانت تنظرُ إليه بحبّ وفخر وتُريدُه دائمًا بالقرب منها. لكنّني خفتُ أن تُثير تلك المرأة المشاكل حين تعلَم بوجودي، وتؤثِّر على قراره بشأني أو تطلبُ منّا العَيش معها بعد الزواج، الأمر الذي كنتُ أرفضه بشكل تام. إلّا أنّ قلبي ارتاحَ كثيرًا حين أكَّدَ لي نادِر أنّه لا ينوي على الاطلاق البقاء مع أمّه بعد عقد قراننا، بل قبِلَ بسرور أن نعيشَ في الشقّة المُخصّصة لي مِن قِبَل أهلي والموجودة في المبنى نفسه حيث نسكن. إرتاحَ بالي، فلطالما حلِمتُ بالعَيش وزوجي الثاني في المكان الذي زيّنتُه على ذوقي بعد طلاقي، ووعدتُ نفسي أن أجِدَ فيه أخيرًا السعادة.

وعندما أصبحنا أكيدَين مِن حبّنا، حدَّدتُ ونادر موعدًا لزيارته لأهلي ولاحقًا زيارتي لأمّه، ومِن بعدها موعدًا ليلتقي ذوونا وتعمّ الفرحة.

أحبَّ والدايَ نادِر، مع أنّ أبي استاء قليلًا مِن السرّيّة التي أحاطَت حبّنا، خاصّة أنّه تعرّفَ إلى نادر فور دخوله بيتنا بعدما رآه لأيّام عديدة خلال السفرة. لكنّني أجبتُه بأنّه هو الذي نصحَني بأن أختارَ جيّدًا زوجي، بعدما اقترَفتُ خطأ جسيمًا في المرّة الأولى. أُعجِبَ أبي بذكاء حبيبي ومعرفته بعالَم المال والأسهم، وجلَسا يتكلّمان عن الموضوع مُطوّلًا، بينما والدتي تنظرُ إليهما مُبتسِمة ثمّ إليّ لأنّ قلبها ارتاحَ أخيرًا مِن جانبي. وفي تلك الليلة، نمتُ كالطفلة السعيدة التي وجدَت فارِس أحلامها. لكن بعد تلك الزيارة بأيّام قليلة، توفّيَت حماتي المُستقبليّة وتمّ دفنها بسرعة في مسقط رأسها، وهي بلدة صغيرة بعيدة جدًّا عن العاصمة، فلَم يتسنَّ لنا حضور الدفن أو التعازي، وعاتَبه أبي حين هو عادَ مِن البلدة لزيارتنا.

للحقيقة لَم أزعَل كثيرًا على المرحومة، لأنّني كنتُ خائفة منها ومِن تعلّقها بابنها الذي كنتُ شاهِدة عليه. على كلّ الأحوال، لَم أكن أعرفُها ولَم أتبادَل معها حتّى كلمة واحدة أثناء الرحلة. وبعد أن مرَّ الوقت المُناسِب على وفاة أمّه، حدَّدنا موعد الزفاف مع نادِر وبدأتُ بسرعة التحضيرات، لأنّ أبي لَم يكن يُريدُ عرسًا كبيرًا كَونه زواجي الثاني. على كلّ الأحوال، هو مَن كان سيتكلّف بمصاريف الفرَح وله الحقّ بتحديد كلّ ما يتعلّق به. رحتُ وزوجي إلى أوروبا وإلى باريس بالتحديد، بعد أن قدَّمَ لنا والدي التذاكر وإيجار الفندق، وعُدنا إلى عشّنا الجميل لنبدأ رحلة مليئة بالحبّ.

إتّضَحَ أنّ نادر كان بالفعل رائعًا، فلَم يُعطِني أيّ سبب لِقول عكس ذلك، فقرّرنا الإنجاب بعد أن يستقرّ زوجي قليلًا. فالحقيقة أنّ عمَله يفرضُ عليه السفَر داخل البلاد بصورة أسبوعيّة وخارجه شهريًّا. كنتُ أعلَم كمّ يُحب ما يفعله، لكنّني كنتُ أشتاق إليه كثيرًا. هو أرادَ الاستقرار، لكنّه طلَبَ منّي أن أصبُرَ قليلًا ريثما يجمَع ما يكفي مِن المال لأستقلّ كلّيًّا مِن أبي، فذلك الأخير بقيَ يُعطيني مصروفي حتّى بعد زواجي، ويُساعدُ في بعض الأمور المُتعلّقة بالبيت.

كان كلّ شيء يجري على التمام... لولا أمّي! أجل، فتلك المرأة الهادئة والصامِتة تسبَّبَت لنا بأمور لَم نتوقّعها. يا إلهي، كَم كنتُ أجهل والدتي! فذات يوم، وبعد أن عرَضَ والدي على نادِر ترك عمَله والعمَل لدَيه في الشركة في القسم الماليّ، دخلَت والدتي شقّتي وقالَت لي بهدوء:

ـ إنّه يستغلُّكِ يا صغيرتي.

ـ مَن؟

ـ نادِر طبعًا! صبيّة جميلة وأنيقة، وشقّة فخمة، وفرَح وشهر عسَل مدفوعان... والآن وظيفة.

ـ لماذا تتكلّمين هكذا يا ماما؟!؟ كنتِ تُحبّينَه!

ـ في البدء أجل، فهو مُتكلِّم بارِع. لكن لدَيّ عينَين وأذُنَين وفِكرًا للتحليل.

ـ ماما! لماذا تُفسدين عليّ فرحَتي؟!؟

ـ إيّاكِ أن تحملي منه! إنّه يستغلُّكِ!

ـ أيّ أنّ زوجي الأوّل والثاني أراداني فقط بِغرَض الاستفادة؟!؟ ألستُ جديرة بالحبّ؟

ـ بلى... لكنّ أولاد الحرام كثيرون يا إبنتي. لا تحملي منه، بل راقبي جيّدًا ما يحدُث. فلدَيّ نظريّة لستُ أكيدة منها بعد، وهي قَيد الدرس.

ـ نظريّة؟!؟ هل فقدتِ عقلكِ أمّ أنّكِ تغارين منّي؟ أعلَم أنّ الأمور بينكِ وبين أبي لَم تكن دائمًا زهريّة اللون لكن...

ـ أصمتي ولا تتمادي معي! جئتُ فقط لأُنبّهَكِ لأنّ مِن واجبي حمايتكِ، أنا أمّكِ.

غادَرَت أمّي الشقّة وبدأتُ أغلي مِن الغضب، فكان مِن الواضح أنّها تنوي بثّ الشكّ في رأسي. مهلًا... ألَم تكن هي أيضًا مَن "فضحَت" نوايا زوجي الأوّل، ولكن بطريقة أقلّ مُباشَر؟ بلى، بلى، هي التي اقترَحَت أنّه يستغلّني! هل أنّه نمَط مِن جانبها؟ ألا تُريدُني أن أسعَد مع رجُل؟ ربّما هي مُتعلِّقة بي لدرجة إبقائي معها ولها، تمامًا كما كانت أمّ نادر تنوي فعله بابنها.

لَم أقُل شيئًا لأبي كَي لا أفتعِل المشاكل بينه وأمّي، إلّا أنّني أطلَعتُ نادِر على تحذيرات أمّي بشأنه، فأجابَ:

ـ حسنًا، سأرفضُ عرض والدكِ بالانضمام إلى الشركة.

ـ لا! لا تفعَل أرجوكَ! أريدُ أن أعمَل معكَ واراكَ طوال اليوم والليل!

ـ لن يقولَ عنّي أحَدٌ إنّني استغلاليّ!

ـ أرجوكَ يا حبيبي، سأُسكِت أمّي، أعدُكَ بذلك.

ـ دعيني أُفكِّر بالأمر، فلستُ مُرتاحًا للوضع على الاطلاق. رحِمَكِ الله، يا أمّي... مِن الجيّد أنّكِ مُتِّ قبل أن ترَي وحيدكِ وهو يُهان!

بكيتُ كثيرًا أمامه ولاحقًا في السرير، بسبب تطفّل والدتي ومُخطّطها لتدمير زواجاتي، إلّا أنّني صمَّمتُ الوقوف في وجهها! وحين أغمضتُ عَينَيّ أخيرًا، كنتُ بعيدة كلّ البُعد عن تخيّل ما ينتظرُني.

يتبَع...

*المصدر: ال عربية | ellearabia.com
لايف ستايل على مدار الساعة