لايف ستايل

ال عربية

حياتنا

مكينة للإنجاب!

مكينة للإنجاب!

klyoum.com

عندما قالَت لي سميرة زوجتي إنّها تُحِبّ الأولاد، لَم أتوقَّع ما جرى لاحقًا، خاصّة أنّها كانت تعلَم تمام العِلم أنّني عريس ذو مدخول بسيط، وبالكاد أستطيع تأسيس عائلة مؤلّفة مِن زوجة ووَلَد واحِد. لكنّها كانت جادّة للغاية، فبعد الزواج بشهر واحِد، زفَّت لي خبَر حَملها. كنتُ أسعَد الرجال، خاصّة أنّ المولود كان ذكَرًا، فأهدَيتُها خاتمًا جميلًا لأشكرها.

لكنّ المشهد تكرَّرَ في السنة التالية... والثالثة، فقرّرتُ أن أضَع حدًّا لتدفّق الأولاد هذا:

ـ صارَ لدَينا ثلاثة أولاد، يا حبيبتي... ولقد طلبتُ منكِ حين وُلِدَت ابنتنا بعد بِكرنا أن تتناولي حبوبًا لمَنِع الحَمل، فمدخولي لا يكفي وأنتِ لا تعمَلين. ثمّ جاءَ الوَلَد الثالث وأراكِ مُرتاحة للوضع، مع أنّنا لَم نعُد قادرين على العَيش بكرامة. لقد طفَحَ كيلي، وأُعلِمُكِ رسميًّا أنّني لن أقبَل بطفل رابع على الإطلاق! هل أنّ كلامي واضِح ومفهوم؟

ـ وما دَخلي أنا؟

ـ خُذي تلك الأقراص!

ـ لا عليكَ يا حبيبي، فكما يُقال، يولَد الطفل ورزقه معه!

ـ قولي ذلك لملايين الفقراء حول العالَم الذين يتضوّرون جوعًا!

ـ حسنًا، حسنًا... لا تغضَب أرجوكَ، سأتناوَل أقراص منَع الحمَل!

وبعد أشهر قليلة، أخبرَتني سميرة أنّها حامِل. عندها أخذتُ لها موعدًا عند طبيب ليُجري لها عمليّة إجهاض، إلّا أنّها بدأَت تصرخ كالمجنونة وهدَّدَتني بقَتل نفسها لو أجبَرتُها على ذلك. ضَربَني اليأس، فماذا أفعَل بعد؟ كنتُ قد وجدتُ عمَلًا ثانيًا يوم وُلِدَ ابننا الثالث، ولَم يعُد بمقدوري أن أعمَل أكثر مِن ذلك. عندها، قرّرتُ أن أستعملَ واقيًا ذكريًّا خلال مُعاشرتي لزوجتي.

لكن كيف وُلِد طفلنا الخامس، لستُ أدري! إحتَرتُ كثيرًا لأنّني فعلتُ جهدي كَي لا يحصل ذلك، فكِدتُ أن أجنّ! عندها تفحّصتُ علبة الواقيات الذكريّة جيّدًا، ووجدتُ ثقوبًا صغيرة في كلّ الأغلِفة!

شعرتُ بغضب عارِم ينتابُني، ألا ترى زوجتي كَم أعمَل وأتعَب؟ ألا ترى كيف نعيشُ في الحاجة؟ ألا ترى كيف صارَ بيتنا مليئًا بالصراخ والبكاء والفوضى؟!؟ هل هذه هي الحياة التي تصوّرَتُها حين وضعتُ الخاتم في إصبع التي أحبَبتُها؟ بالطبع لا.

عندها نقلتُ أمتعتي ورحتُ أنام بشكل دائم في غرفة الأولاد، فمِن الواضح أنّني لَم أعُد أستطيع القيام بواجباتي الزوجيّة مِن دون أن تُنتِج عنها ولادة جديدة.

إنتقالي إلى غرفة أخرى كان بمثابة إهانة كبيرة لسميرة، لكنّني لَم أتراجَع، فشرَحتُ لها إنّني لَم أعُد أثِقُ بها بعد رفضها لتناول الأقراص، ومِن ثمّ إحداث ثقوب في الواقيات الذكريّة. أضَفتُ أنّها حتمًا تُعاني مِن مُشكلة نفسيّة لتصِل إلى ذلك الحدّ، فمَن يفعلُ ذلك سوى المجانين؟!؟ راحَت سميرة تشتكي إلى أمّي التي اتّصلَت بي لتُقنعَني بالعودة إلى الغرفة الزوجيّة، إلّا أنّني بقيتُ على موقفي.

للحقيقة، فكّرتُ بالطلاق، لكن ما ردَعَني كان الأولاد، فلَم أرِد أن تتفكَّك أسرتنا مع أنّ زواجي كان قد دُمِّرَ تمامًا.

مرَّت الأشهر وأنا في حالة بائسة للغاية، بالكاد آكُل أو أنام، مِن كثرة حيرتي لكيفيّة إيجاد المال لعائلتي الكبيرة. طلبتُ مِن زوجتي أن تجِد عمَلًا بينما تأتي أمّي إلى البيت للاهتمام بالأولاد، خاصّة الصغار منهم، لكنّها رفضَت قائلة: "أنتَ ربّ البيت وعليكَ أن تتدبَّر أمرنا". وأمام ذلك المنطِق غير المنطقيّ، إنغلَقتُ أكثر على نفسي.

إضافة إلى تلك الحيرة، نمَت في قلبي نقمة كبيرة تجاه زوجتي التي غشَّتني، ووضعَتني في مأزق كبير، عالمةً تمام العِلم أنّني وصلتُ إلى أقصى حدّ لتحمّل التعَب الجسديّ والنفسيّ. فهي صارَت بالنسبة لي بمثابة عدوّة وليس حبيبة أو شريكة حياة ودَرب. فشعرتُ حقًّا أنّها تكرهُني وتستلذّ برؤيتي وأنا أتعذّب وأتعَب. لكن لماذا؟ ماذا فعلتُ لها لتُدمِّر حياتي وكياني؟!؟

جاءَتني الأجوبة لتساؤلاتي عبر ابنة عمّة سميرة، حين كنتُ أشكو لها يومًا عن وضعي الصعب، لأنّها كانت امرأة عاقِلة ومُقرّبة منّا كثيرًا. فهي قالَت لي:

ـ أفهَم وضعكَ، صدّقني.

ـ لا... لا أحَد يستطيع فَهم ما أعيشُه! كيف لها أن تحمَل غصبًا عنّي وعن وضعنا الماليّ؟ ألهذه الدرجة هي تكرهُني؟!؟ البلهاء... ألا تعلَم أنّها تُسيء لنفسها وللأولاد؟ فأيّة عيشة هذه؟ لا نستطيع سوى تأمين الأكل للأولاد، وأحيانًا يتعذّر علينا تناول ثلاث وجبات يوميًّا... لماذا؟!؟

ـ سأقولُ لكَ لماذا! لأنّها... لا تُحبّكَ!

ـ ماذا؟!؟ ومنذ متى؟!؟

ـ منذ البداية.

ـ هذا ليس صحيحًا! أتذكّر تمامًا كيف كنّا مُتحابَّين في فترة الخطوبة، قَبل أن نتزوّج وتبدأ هي بإنتاج الأولاد!

ـ هي لَم تُحبّكَ بالفعل، بل أهلها أجبروها على الخطوبة والزواج. للحقيقة، كانت سميرة تُحِبّ شابًّا آخَر لكن لَم تتِمّ الموافقة عليه لاعتبارات عائليّة. ثمّ جئتَ أنتَ وتقدّمتَ لها وضغَطَ الأهل عليها بشدّة، فقبِلَت على مضض.

ـ أمرٌ لا يُصدَّق! حسنًا، لنعتبر أنّكِ على حقّ، لماذا الإنجاب المُتكرِّر إذًا؟ ألا يجدرُ بها أن تمتنِع عن الإنجاب إن كانت لا تُحِبُّني؟

ـ لأنّها وجدَت الحبّ في الأولاد، الحبّ الذي يملأ قلبها الفارِغ.

ـ لكن خمسة أولاد؟!؟

ـ في كلّ مرّة شعرَت سميرة أنّ الحبّ الذي تتلقّاه مِن أولادها سرعان ما يبدأ بالتلاشي مِن حيث القوّة، فتُعيد الكرّة. وهناك سبب آخَر...

ـ ما هو؟!؟

ـ حَملها يُعطيها الحجَج لعدَم... أعني... لِعدَم مُعاشرتكَ.

ـ ألهذا الحدّ هي تكرهُني؟!؟ لكنّها استاءَت كثيرًا يوم انتقَلتُ لغرفة ثانية!

ـ إنّه تمثيل، صدّقني. إسمَع، هي لا تكرهُكَ، لكنّها لا تُحبُّكَ.

ـ يا إلهي... ما العمَل؟ لقد فكّرتُ بالطلاق لكنّني لا أستطيع تدمير حياة أولادي.

ـ لماذا لا تعمَل على حَمل زوجتكَ على حبّكَ بدَلًا مِن الاستسلام؟ دَعني أُساعدُكَ على ذلك، فلا أحَد يعرِف سميرة كما أعرفُها.

وبالرغم مِن استيائي لِمعرفتي بأنّ التي تزوّجتها، أمّ أولادي الخمسة، لا تُحبُّني، بل تتفاداني وتُنجِب لِتشعُر بالحبّ، قبِلتُ مُساعدة تلك المرأة. فهي أخبرَتني بالتفاصيل ما تُحبّه زوجتي مِن كلام ومُعاملة، وكيف تُفضِّل أن أبدو وأتصرّف، وكلّ التفاصيل التي تحمِل امرأة على حبّ رجُل.

في البدء لَم أعتقِد أبدًا أنّ تطبيق تلك الأمور قد تجعل زوجتي تقَع في حبّي، لأنّني اعتقدتُ كسائر الناس أنّ الحبّ يأتي أوّلًا، مِن النظرة الأولى أو الفترة التي تسبق الزواج. لكنّني اكتشفتُ أنّ الحبّ ليس ذلك الشعور القويّ والصاعِق، بل دَرب آمِن مليء بالمحبّة والرِفق والاحترام.

لزِمَ الأمر سنة بكاملها، طبّقتُ خلالها كلّ تعليمات قريبة زوجتي، إلى حين رأيتُ تغيّرًا ملحوظًا في نظرة سميرة لي وتقرّبها منّي. أنا الآخَر أحسَستُ أنّني لَم أكن أحبُّها كما ظننتُ، بل كانت تُعجبُني وحسب، قَبل أن تبدأ سلسلة المآسي التي مرَرتُ بها. لكن مع الوقت، صِرتُ بالفعل أُحبّ زوجتي لأنّني فهمتُها ومشاعرها ومُتطلبّاتها. وهي صارَت تنتظرُ عودتي مِن العمَل بفارغ الصبر وتُعِدّ لي كلّ الأطباق التي أُحبّها، ووعدَتني أنّها ستجِدُ عمَلًا لمُساعدتي فور دخول طفلنا الأخير المدرسة.

وشيء آخَر... ذات يوم، دعَتني زوجتي للعودة إلى الغرفة الزوجيّة، وتناولَت أمامي قرصًا لمَنع الحمَل قائلة: "الآن لَم أعُد بحاجة إلى المزيد مِن الأولاد... لأنّكَ صِرتَ حبيبي".

حاورته بولا جهشان

*المصدر: ال عربية | ellearabia.com
لايف ستايل على مدار الساعة