الانتخابات النيابية: التأجيل المستحيل
klyoum.com
أخر اخبار لبنان:
عناوين الصحف الصادرة اليوم الثلاثاء 23 09 2025كتبت ناديا غصوب في "نداء الوطن":
ينصّ الدستور اللبناني على أن تُجرى الانتخابات النيابية كل أربع سنوات، ويُشكّل هذا الاستحقاق ركيزة أساسية لتداول السلطة وتجديد الحياة السياسية. وبحسب المهل القانونية الحالية، تبقى الانتخابات المقبلة مقرّرة في موعدها المحدّد، ما يجعل أي تأجيل خطوة استثنائيّة لا يُصار إليها إلّا في حالات قاهرة.
كلّ المؤشرات السياسية والنيابية تقود إلى حسم مبكر: الانتخابات النيابية المقبلة لن تُؤجَّل. فالحديث عن احتمال التمديد أو ترحيل الاستحقاق إلى موعد لاحق، يبقى – في نظر مصادر نيابية واسعة الاطّلاع – أقرب إلى المناورة منه إلى خيار واقعيّ. السبب بسيط: هناك قوى وازنة، في مقدّمها "القوات اللبنانية" و "الثنائي" الشيعي، تجد أن مصالحها في المرحلة الراهنة تقتضي إجراء الانتخابات في موعدها المحدّد، لأنهما يعيشان ذروة شعبية قلّ نظيرها.
في المقابل، يبدو أن أيّ كلام عن رغبة "القوات" في التأجيل مجرّد جدل فارغ، إذ إن حزب القوات يشهد صعودًا جماهيريًا متزايدًا، ويحظى بدعم ملحوظ داخل الشارع المسيحي. أمّا "الثنائي" الشيعي، ورغم الضغط السياسي والإعلامي المكثف عليه محليًا وإقليميًا، فينجح في تحويل الهجمات إلى وقود تعبئة داخلية، ما يولّد تعاطفًا استثنائيًا معه. لكن هذا المشهد قد لا يكون مضمونًا في مراحل لاحقة، خصوصًا بعد عامي 25/26، ما يجعل الالتزام بالمواعيد الانتخابية بالنسبة إليه أمرًا حيويًا لا يحتمل التأجيل.
وبحسب هذه المصادر، فإن ثلاثة مراجع أساسية تصرّ على احترام التوقيت الدستوري للاستحقاق:
1. رئاسة الجمهورية والحكومة، انطلاقًا من قناعة بأن إنجاز الانتخابات جزء من رصيد العهد وتأكيد على نجاحه.
2. "الثنائي" الشيعي، الذي يعتبر أن المعادلة الانتخابية ما زالت تصبّ في مصلحته بفضل تأثير مباشر لما يسمّى "وهج السلاح" على موازين القوى.
3. "القوات اللبنانية"، التي يسطع نجمها في البيئة المسيحية وتطمح إلى تكوين أكبر كتلة نيابية في المرحلة المقبلة.
انطلاقًا من ذلك، ترجّح المصادر أن تُجرى الانتخابات في موعدها المحدّد "ولو ليوم واحد"، ووفق القانون النافذ، سواء اقترع المغتربون أم لم يقترعوا. وهنا يبرز سعي المرجعية الشيعية إلى إجراء مناورة سياسية هدفها إلغاء تصويت المغتربين، باعتبار أن الصوت الاغترابي غير مضمون لمصلحتها. نجاح هذا المسعى يبقى مرهونًا بمستوى الضغوط على الرئيس نبيه بري لعقد جلسة نيابية تلغي المادة 102 من القانون الحالي، ما قد يعيد إلى الواجهة تجربة الانتخابات الاغترابية 20/22.
في هذا السياق، يوضح نائب رئيس مجلس النواب السابق إيلي فرزلي في حديث إلى "نداء الوطن" أن الترويج لفكرة التأجيل تحرّكه فئتان أساسيتان:
الأولى، تستند إلى الواقع الأمني والتوتر بين لبنان وإسرائيل، مع غياب الحدود الآمنة، واستمرار الاستنفار العسكري، والتلويح بالقصف وردود الفعل المتبادلة، فضلًا عن تطوّرات الساحة السورية، ولا سيّما في السويداء، التي قد تنعكس على الداخل اللبناني. هؤلاء يعتبرون أن الظروف الإقليمية لا تسمح بإجراء الانتخابات في وقتها.
الثانية، لها مصلحة سياسية مباشرة، لأنها تدرك أن الانتخابات المقبلة لن تمنحها حجم التمثيل النيابي نفسه الذي حققته في 2022، فتسعى إلى تأجيل المواجهة تفاديًا لخسائر أكيدة.
غير أن فرزلي يلفت إلى أن الوقائع الميدانية حتى الآن لا تُظهر أحداثًا استثنائية تهدّد بإلغاء الاستحقاق أو تعطيله، ليخلص إلى أن الانتخابات ستُجرى في موعدها الطبيعي.
على خط موازٍ، يضع رئيس الجمهورية لنفسه سقفًا واضحًا: أي تأجيل يعني ضربة موجعة للعهد ونهجه منذ بدايته، وهو ما لا يمكن القبول به. وقد كرّر هذا الموقف في أكثر من محطّة، كان آخرها عبر بيان وزير الداخلية الذي شدّد فيه على أن الانتخابات ستُجرى في وقتها.
أمّا في ما يتعلّق بإمكان تعديل قانون الانتخاب، فيشير فرزلي إلى أن الدستور يجيز التعديل في أي لحظة قبل دعوة الهيئات الناخبة، أي قبل شهر أو شهرين من موعد الانتخابات، وقبل إرسال لوائح الشطب. ومع ذلك، يرى أن الظروف السياسية تجعل إدخال تعديلات جوهرية صعبًا للغاية، ما يعني عمليًا أن الانتخابات المقبلة ستُجرى على أساس القانون الحالي، وهو ما يؤكّده أيضًا رئيس الجمهورية قائلًا: "بين أيدينا قانون، وإذا لم يُعدَّل، فستجري الانتخابات على أساسه".
إذًا، الاستحقاق الانتخابي محكوم بموازين قوى دقيقة، حيث يلتقي حساب العهد مع مصالح "الثنائي" الشيعي و "القوات اللبنانية" على رفض التأجيل. لكن القراءة الأبعد تكشف أن ما بعد 2026 قد يشهد مشهدًا مختلفًا، إذ إن حجم الكتل النيابية الجديدة سيعيد رسم التوازن داخل البرلمان، ويفتح الباب أمام تحالفات متبدّلة بين القوى المسيحية والشيعية والسنية. لذلك، فإن إجراء الانتخابات في موعدها ليس مجرّد التزام دستوري، بل هو رهان استراتيجي على تثبيت مواقع القوى في لحظة سياسية مفصليّة، قد تحدّد ملامح السلطة اللبنانية لسنوات مقبلة.