اخبار لبنان

جريدة الأنباء

سياسة

لبنان يطبع أوراقاً نقدية جديدة: خطوة ضرورية أم سقوط أعمق في مستنقع الانهيار؟

لبنان يطبع أوراقاً نقدية جديدة: خطوة ضرورية أم سقوط أعمق في مستنقع الانهيار؟

klyoum.com

بيروت ـ داود رمال

في بلد اعتاد منذ أعوام استقبال الأخبار الاقتصادية السيئة على نحو يومي، جاء قرار مصرف لبنان بإصدار أوراق نقدية جديدة من فئتي الخمسمائة ألف ليرة والمليون ليرة، إلى جانب عملات معدنية بقيم مرتفعة، ليضيف جرعة جديدة من الجدل والانقسام.

اللافت أن هذه الخطوة لم تكن فقط قرارا إداريا من المصرف المركزي، بل جاءت بعد موافقة رسمية من مجلس النواب اللبناني على مشروع قانون يجيز إصدار هذه الفئات النقدية، تحت ذريعة تلبية ضرورات المعاملات اليومية، وتخفيف العبء عن المواطنين الذين باتوا يتداولون كميات هائلة من الأوراق النقدية بسبب انهيار الليرة.

وقال خبير مالي مخضرم لـ«الأنباء»: «في الشكل، تبدو الخطوة منطقية، ذلك انه مع التضخم المفرط، لم يعد من العملي أن يحمل المواطن كميات ضخمة من الأوراق ذات الفئات الصغيرة لإنجاز أبسط العمليات. إصدار فئات نقدية أكبر يسهل المعاملات، ويخفف الكتلة النقدية الورقية المتداولة، ويخفض كلفة الطباعة والنقل والتخزين عن المصارف وشركات نقل الأموال».

وأضاف الخبير «لكن في الجوهر، تبدو الصورة أكثر سوداوية. إذ إن إصدار أوراق نقدية من فئات عالية، بمعزل عن أي رؤية اقتصادية أو إصلاح مالي جذري، يكرس انزلاق لبنان نحو نموذج الدول المتعثرة التي فقدت السيطرة على عملتها الوطنية. مشهد اعتدنا رؤيته في بلدان مثل فنزويلا وزيمبابوي، حيث انتهت طباعة الأوراق النقدية المتزايدة إلى تضخم جامح وقيمة متآكلة لعملتها، وسط انهيار اقتصادي واجتماعي شامل».

وأوضح «التاريخ النقدي اللبناني يكشف جذور هذا الانهيار الطويل. فمنذ انتهاء الحرب الأهلية في أوائل التسعينيات من القرن الماضي، اعتمدت السياسات الاقتصادية على تثبيت سعر الصرف عبر سياسات مالية مكلفة وهندسات مصرفية عوضا عن تحفيز الإنتاج الحقيقي. ومع تزايد الدين العام وعجز الحكومات عن إجراء إصلاحات بنيوية، تراكمت الأزمات تدريجيا إلى أن انفجرت مع احتجاجات 17 أكتوبر 2019، لتدخل البلاد في مسار سقوط حر غير مضبوط».

وأكد الخبير انه «من هنا، فإن اللجوء إلى إصدار أوراق نقدية جديدة يبدو محاولة لترقيع المشكلة بدل معالجتها. بدل أن يسير لبنان على خطى دول واجهت أزمات نقدية بنجاح نسبي مثل تركيا، التي اعتمدت في مطلع الألفية نهجا إصلاحيا شاملا شمل إلغاء ستة أصفار من العملة وتثبيت الليرة التركية الجديدة مقابل الدولار ضمن برنامج إصلاح متكامل مدعوم دوليا، اختار لبنان الحل الأسهل والأكثر خطورة: التعامل مع المشكلة كأزمة حمل أوراق، لا كأزمة فقدان ثقة شاملة بالعملة الوطنية وبالدولة نفسها».

وأشار إلى أن «الأوراق النقدية الجديدة تصدر اليوم في ظل غياب أي سعر صرف رسمي موحد، ومع استمرار التضخم وغياب أي إصلاح مالي، فإن هذه الأوراق مهددة بالتآكل السريع، مما يجعل فائدتها الآنية محدودة جدا، وربما تزيد من معاناة المواطنين بدل أن تخففها».

واعتبر انه «في النهاية، خفف المواطنون أوزان محافظهم، لكنهم لم يخففوا أوجاعهم الاقتصادية. فالورق قد يتغير حجمه وقيمته الاسمية، لكن الأزمة الحقيقية في لبنان لاتزال كما هي: غياب إصلاح جذري، فقدان ثقة، وانهيار مستمر لا توقفه طباعة أوراق نقدية جديدة، مهما اختلف لونها أو حجمها».

*المصدر: جريدة الأنباء | alanba.com.kw
اخبار لبنان على مدار الساعة