كليمون أبو غزالة رسم داخل صدفة بحرية ينتمي إلى المدرسة الواقعية - الرومانسية
klyoum.com
أخر اخبار لبنان:
الورقة الأقوى بيد واشنطن... اليونيفيل بلا تمويل؟يرسم الفنان «كليمون أبو غزالة» Clement Abou Ghazaleh مناظر طبيعية داخل صدفة بحرية، فاللوحتان الصغيرتان داخل نصفي الصدفة تُظهران مشهدين ريفيين جبليين، مرسومين بعناية متناهية. فهو يستخدم باطن الصدفة كقماش للرسم يُعبّر عن إبداع فني حرفي واستلهام من الطبيعة، ويعكس رغبة الفنان في الجمع بين الطبيعة كخامة، والطبيعة كموضوع. فكلا النصفين يُصوّران طبيعة خضراء وهضاباً تحت سماء زرقاء صافية. في النصف السفلي يمكن رؤية بيوت صغيرة متناثرة وأشجار، مما يضفي حيوية وسكينة. كما أن الألوان زاهية (السماء الزرقاء، الأخضر العشبي، البني الترابي) في توازن لوني متناغم. فهل الحجم المصغّر يوحي بعلاقة حميمة مع العالم، وكأن العالم بأكمله يمكن أن يُحتضن داخل يد؟ أم أن انفتاح القشرة يشبه فتح نافذة على عالم مصغّر، يوحي بكشف الجمال المكنون في البساطة؟
طبيعة ريفية داخل الصدفة تُعبّر عن الحنين، السلام، وربما نقد ضمني للحداثة. فالخامة الطبيعية، العضوية، توحي بالانغلاق والانفتاح، بالحماية والانكشاف، بالصلابة الخارجية واللين الداخلي. إذ تصبح الصدفة رمزاً مزدوجاً وعاء للحياة (كما الصدفة) ووعاء للخيال (كما هذه اللوحة). فكليمون استغلّ الشكل الكروي الداخلي وصقله لخلق فضاء بصري منحنٍ، أقرب إلى «عين ترى» أو «نافذة تطلّ على ريف حالِم»، مما يجعل من المشهد ليس مجرد منظر طبيعي، بل منظوراً حميماً لكون داخلي مصغّر.
فهل توزيع العناصر يُظهر إدراكاً جيداً للمنظور والعمق، رغم ضيق المساحة؟ أم أن الكتلة الأرضية في الأسفل تقود العين إلى الأفق في الأعلى، مما يمنح اللوحة اتساعاً وهمياً رغم صغر الحجم؟ أما الألوان الأساسية فهي الأزرق (السماء)، الأخضر (الهضاب)، والبني (البيوت والأرض)، وكلها متدرجة بانسيابية تُحقق الانسجام. فالتوازن البصري محفوظ عبر تقابل النصفين كل نصف يُكمل الآخر بصرياً، كأن المشهد كان متصلاً ثم انشطر مع انقسام القشرة.
الصدفة ليست مجرد مادة للرسم، بل هي نتاج بيولوجي معقّد وعبقري، عملت عليه الطبيعة عبر آلاف السنين. إدراك هذا العمق يُضفي على الفن احتراماً إضافياً للمادة الحيّة، ويُحوّل اللوحة داخل الصدفة إلى حوار بين اليد البشرية والخلق البحري. فسطحها الداخلي المصقول اللؤلؤي يضفي لمعة طبيعية تُضاهي الورنيش، مما يجعل الألوان زاهية ومضيئة حتى بدون معالجة إضافية. هذه الصدفة المفتوحة أشبه بكتاب مصغّر، أو محراب طبيعي يحتضن مشهداً ذا طابع قدسي أو حلمي. فهل يُصنّف هذا الفن ضمن الفن البيئي المستدام (Eco-Art) عندما تُستخدم الصدف الطبيعية المعاد تدويرها؟
رسم ينتمي إلى المدرسة الواقعية - الرومانسية، التي تميل إلى تجميل الواقع ونقله بروح شاعرية. الأسلوب يُشبه فن المنمنمات، لا من حيث الموضوع فقط بل من حيث دقة التنفيذ وصغره. فهل الرسم داخل الصدفة هو رمز للحماية، للانطواء، للعالم الداخلي المخفي؟ وهل المشهد الريفي يُجسّد الحنين، البراءة، والطبيعة الأم؟ أم أن الانقسام إلى نصفين قد يرمز إلى الثنائيات في الحياة: الداخل/الخارج، الواقع/الخيال، الماضي/الحاضر؟
ورغم صغر الحجم، تشدّ اللوحة العين وتستدعي التحديق الطويل، وتُولد دهشة، ليس فقط من دقة الرسم، بل من كيف أمكن اختزال هذا الكم من الجمال في فضاء لا يتجاوز حجم قبضة يد.
إن اختيار كليمون للرسم داخل صدفة بحرية ليس مجرد حيلة جمالية، بل هو قرار مفاهيمي واعٍ يجمع بين الشكل والمضمون. فالمادة العضوية (الصدفة) تتكامل مع المضمون الريفي الطبيعي، مما يخلق وحدة بين الوسيط والموضوع. هذا الدمج يُظهر فهماً ناضجاً لأبعاد الفن المعاصر، حيث لا يُفصل المحتوى عن الشكل، بل يُصاغ المعنى من خلال العلاقة بينهما. كما أن استخدام المساحة الصغيرة بكفاءة عالية، مع الحفاظ على العمق والمنظور، يدلّ على مهارة تقنية لافتة. فالعمل لا يقتصر على قيمته البصرية فقط، بل يقدّم تجربة متكاملة تتداخل فيها الحرفة، والفكرة، والإحساس، مما يجعله مثالاً ناجحاً على التوازن بين الواقعية والرومانسية، وبين الفن الزخرفي والفكر المفاهيمي.
لوحة كليمون الصدفية الصغيرة تعيد تعريف المساحة الفنية، لأنها تذكّرنا أن الفن لا يحتاج دائماً إلى جدار ضخم ليبوح، بل يكفي صدفة صغيرة، ليحتوي عالماً كاملًا من الضوء، والألوان، والذكريات. فهذه الصدفة هي مزيج بين الحرفة والتأمّل، بين الدقة والانفعال العاطفي، بين الطبيعة كموضوع والطبيعة كوسيلة. فلوحة كهذه يُنظر إليها حين يضيق العالم.