اخبار لبنان

جريدة اللواء

ثقافة وفن

إلى رئيس الجمهورية: أَنُصْبِحُ «مُخَضْرَمِين» لنُلْقَى على الطريق؟

إلى رئيس الجمهورية: أَنُصْبِحُ «مُخَضْرَمِين» لنُلْقَى على الطريق؟

klyoum.com

أعرف أننا، هنا، لسنا على منصةٍ لتقديم سيرة ذاتية لهدفٍ ما..

وأعرف أن كلامي قد يذهب هدراً..

وأعرف أن سِنّي تجاوزَ المسموح به من العمر «المطلوب» في بِدْعةٍ غير مسبوقة..

وأعرف أن طائفتي (لا إمكاناتي) غير مخوّلة لنَيلِ الموقع الذي سأحكي عنه، وهو مدير عام تلفزيون لبنان المخصص لطائفة أُخرى كريمة..

وأعرف، في النهاية، أن المردود المادي لمواقع رئيس وأعضاء مجلس الإدارة ليست «أكلة» تكفي مؤونة النقص..

لكنّ شرط الحكومة ومجلس الخدمة المدنية الذي صدرَ بشأن أعمار الذين ينوون الترشح لرئاسة وعضوية مجلس إدارة تلفزيون لبنان في الآلية الجديدة، من ٢٥ إلى ٦٤، أي العمر الوظيفي، وهذا مخالف لطبيعة مجالس الإدارة في الدولة اللبنانية عموماً التي تحرص على المخضرمين سنّاً، هو الذي دفعني إلى هذه الرسالة التي أترشّح فيها إلى رئاسة مجلس الإدارة مستنداً إلى:

سبعة وأربعين عاماً (منذ ١٩٧٨) من العمل في الصحافة نقداً للبرامج والمسلسلات التلفزيونية والمسرحية والغنائية والفنية وتقدير النتاجات بما يناسبها من المديح أو التنبيه. لم يمرّ برنامج تلفزيوني (طالما أن موضوعنا التلفزيون) أو مسلسل خلال هذه المدّة الطويلة إلّا وأخضعتُهُ (على قَدْرَ المسؤولية لا المزاجية) لمعايير الاحتراف والإتقان والملاحظة الثمينة. كل ذلك شرحتُه وفصّلتُه في مقالات نقدية أضاءت الطريق لأصحاب الأعمال الفنية، بالمئات، ونُشِرَت في مجلة «الشبكة».

في الأثناء حصلتُ على الليسانس في اللغة العربية وآدابها من الجامعة اللبنانية (المغضوب عليها بلا سبب!)، وكتبتُ دراسة نقدية لشهادة الماجستير بعنوان «منصور الرحباني شاعراً بالفصحى» ولم أناقشها بسبب ظروف الحرب التي كانت كرقّاص الساعة.

وكتبتُ مسلسلاً للأطفال أخرجه أنطوان ريمي في «ntv». ودخلتُ مجال التلحين فنجحتُ في استقطاب الكبار وديع الصافي (مهرجانات بعلبك) ونجاح سَلام وسلوى القطريب، فضلاً عن نجوم جِيلي ومَن حوله كغسان صليبا وراغب علامة وعاصي الحلّاني وغيرهم. ووضعتُ أغانيَ كجينيريك لبعض المسلسلات. وكتبتُ ولحّنتُ ثلاث مسرحيات غنائية للأطفال.

أما على صعيد البرامج التلفزيونية فقد أعددتُ منذ ١٩٨٠ عدداً كبيراً من البرامج الفنية في «أوربت» وMbc و«المستقبل». وفي تلفزيون لبنان أعددتُ حفنة برامج وقدّمتُها آخِرها «مسَا النور» الثقافي - الفني المستمرّ منذ عشرين عاماً متواصلة وقد غيّرتُ وبدّلتُ في هويّته ثقافياً وفنيّاً مرات عدة، بما يناسب سُنّةَ التطوير، رغم «العنعنات» الإدارية الداخلية التي تكسر الأجنحة بدلاً من العمل على تقوِيَتها، واستقبلتُ في «مسَا النّور» أكثر من ألف وخمسمائة (١٥٠٠) ضيف من السياسيين والصحافيين والإعلاميين والكتّاب والشعراء والروائيين والموسيقيين والمغنين والرسامين والممثلين نجوماً ومخضرمين وشباباً، ناهيك عن حوالي ربع قرن من التخصّص الميداني لمراجعة مئات الكتب في مختلف المضامين الفكرية والبحثية والعلْمية والروائية والأدبية، عالجتُها نقدياً في جريدة «الأنوار». من دون أن أنسى طبعاً إصداراتي الشعرية في دواوين.

واكتشفتُ مع السنوات الطيّبة من عملي في تلفزيون لبنان أن عِلةَ العِلل فيه هي الرؤية التقليدية، وعدم المعرفة العصرية بنوعية البرامج المطلوبة وحيثيّاتها، واعتماد الارتجالية في إمرار برامج كتنفيعات، وعدم أجراء دورات تدريبية على كل ما يتعلق بالصورة وجماليتها، بالإضافة إلى شحّ التمويل الانتاجي خارج معاشات الموظفين... ولو قلتُ لك ما هو معاشي الشهري التلفزيوني «الرسمي» اليوم لَذُهِلْتَ سلْباً. غير أنني أعمل في الوقت نفسه في إعداد حلقات تلفزيونية حوارية لمحطتين عربيتين مع مفكّرين وأدباء، أنال منهما ما أريد مادياً.. مع حبة مِسك، ما جعَلني أُعِدّ وأقدّم برنامجي على تلفزيون لبنان وكأنه هِبة مني لمؤسسة أحبّها!

وكل ما ورَد من دأْبي وسّعتُهُ إلى كتابة ونَشر مقالات وأبحاث في السياسة اللبنانية الداخلية والإقليمية منذ ١٩٩٠ حتى اليوم في «النهار» أيام أُنسي الحاج، و«السفير» أيام طلال سلمان، وحالياً في جريدة «اللواء» بمعدل ثلاثة مقالات أسبوعياً. وعملتُ كمُحاضِر لسنوات ستّ في مادة «الصراع العربي - الإسرائيلي» في جامعة Liu، وكذلك في مادة الإعلام «توك شو»..

... حتى بلغتُ الرابعة والستين من عمري، فاسترحتُ من كل شيء تقدّمَ، تقريباً، لأنصرف إلى برنامجي في تلفزيون لبنان، وإلى تأليف الكتب شِعراً ونقداً، فوضعتُ ثلاثة كتب نقدية عن الشعراء اللبنانيين والعرب الكبار، الكبار حقّاً، وأصدرتها كدراساتٍ بعناوين «لحظة يا زُعَماءَ الشّعر» و«أسرار الكنوز بين الرحباني وفيروز» و«أوركسترا الشيطان». ومؤلفاتي بين دواوين شِعر وأبحاث نقدية ومقالات سياسية وسيرة ذاتية بلغَ عددُها أحد عشَر مؤلَّفاً. هي مسيرة عِلْمية وعَمَلية طويلة تُسَمّيها اللغةُ «خَضْرَمة» وأسميها جِهاداً.

الآن أنا في السبعين من العمر، وأرغب في أن أضع كل هذا الجهد في خدمة التلفزيون الذي أطلقني عام ١٩٧٤ عبر برنامج «ستديو الفن» وما زلتُ فيه عبر «مسَا النور». غير أن العُذر «الطائفي» الذي لا يسمح لي بتولّي موقع المدير العام/ رئيس مجلس إدارة تلفزيون لبنان، ليس وحيداً في منع تحقّق الهدف، فهناك سبب «مُبتَكَر» آخر لا يسمح لي حتى بالترشّح إلى عضوية المجلس، ذلك أنني تخطيت السنّ القانونية للعمل(!).. وهذا تدبير (ما أنزلَ الله به من سلطان!) لم يحدُث أن اتُّبع في مؤسسات الدولة في لبنان، تحديداً في مجالس الإدارات التي يُفتَح فيها مجالٌ لما بَعد العمر «الوظيفي»، وهو بالفعل ذروة العمر والمراس والاختمار ، وعمر الخُلاصات المهنية الصافية.

فمنذ الوزير ملحم رياشي في وزارة الإعلام، مروراً بوزارتيّ أماني عبد الصمد، وزياد مكاري بقي اسمي مرشّحاً لعضوية مجلس إدارة تلفزيون لبنان الذي حالت دون تشكيله مراراً وتكراراً تجاذبات سياسية وحزبية ضيقة ضيّقَت عليه وعلينا روحه وأرواحنا.

هدفي واحد هو: نهضة تلفزيون لبنان بمجموعة برامج حيوية في دورة برامج متنوعة فنياً وثقافياً وتسليةً وترفيهاً واجتماعاً وسياسةً، أمتلكُ أفكارَها وكيفية تنفيذها، مع كوكبة مهنيّين يتم اختيارهم بمعيّة اختصاصيين، وتكون أساساً يُبنى عليه في «دورات برامجية» لاحقة تصعَدُ بتلفزيون الدولة وبرامجه ومسلسلاته من حالة الموت السريريّ إلى حالة المنافسة مع الآخَرين، جديّاً، على أصعدة المستوى الطليعي، وجذب الإعلانات، وكسب الجمهور، وتأدية الرسالة الإعلامية بتمامها.

معاذ الله أن أكون في مواجهة الجيل الطالع والدم الجديد، فهم عماد المستقبل قطعاً، لكنّ تجارب المهنة وخبراتها وسنين مُراكَمة العمل، معاذ الله أن تُصبح نَسياً منسياً بشحطة شرطٍ جاء خارج التوقّع والحسبان فضلاً عن كونه خارج المنطق والمهنية!؟

أتحدّث بالأصالة عن نفسي، وبالوكالة الضمنية عن غيري ممّن تخَضرموا في امتلاك العلم الفني والتلفزيوني والأدبي والمهارات، مِثْلي وربما أكثر، لكنّ قطار الآلية «الحديثة» لاختيار رئيس وأعضاء مجلس إدارة التلفزيون... يقال إنه سبقَهُم !؟

سبقَهم إلى أين؟

حين يكون البلد كلّه «إلى أين؟» يصبح السؤال عن تلفزيون لبنان ضائعاً نبحثُ له عن مكانٍ مُشَرّف، ولن نصدّق أننا نبحث عبثاً.

*المصدر: جريدة اللواء | aliwaa.com.lb
اخبار لبنان على مدار الساعة