الروائي مازن حيدر لـ«اللواء»: «الكتابة هنا كانت ترتيباً لمخزون الذاكرة، وبالتالي فعل مواجهة لما سعينا لتلافيه أو لطمسه»
klyoum.com
أخر اخبار لبنان:
فنان شهير يوجه رسالة مؤثرة إلى شيرين عبد الوهاب هذا مضمونها!في رواية «صيف أرملة صاروفيم» للروائي مازن حيدر الذي لا يكتفي بتصوير لبنان في لحظة حرجة من تاريخه، بل يقدم لنا صوراً معقّدة للذاكرة الجمعية والشخصية التي تحاول الاستمرار في ظل الصراع والدمار. الرواية تتنقل بين ماضي مشبع بالحروب وذكريات الناس التي تجرفها رياح التغيير، وبين حاضر مليء بالتحديات النفسية والوجودية. هذا المزج بين الذكريات الصادمة واللحظات اليومية البسيطة هو ما يمنح السرد طابعاً بالغ التأثير، فكل حدث صغير، مثل شجرة سنديان أو فنجان قهوة، يصبح جزءاً من الألغاز العميقة التي تشكّل ذاكرة المجتمع. ومع الروائي مازن حيدر أجريت هذا الحوار:
هل كان النص محاولة واعية للمصالحة مع الماضي، أم هو تفجير لهذا الماضي كي لا يستقر؟
- جواب ذلك يكمن في هذا السؤال ذاته. فقد شكّل النص أداة للمصالحة مع حقبة دقيقة من تاريخ لبنان، حدّدت مرحلة فاصلة بين ما قبل الحرب وما بعدها، أي ما قبل «سنة الحرب ما قبل الأخيرة». غير أنّ هذه المصالحة لم تقتصر على مواجهة الهالة القاتلة للحرب فحسب، بل شملت أيضا حقبة زرعت بذور سلوكيّات مجتمعية أدخلت مفهوم الحرب إلى تفاصيل الحياة اليومية وجعلته جزءاً من طبيعياتها. في هذا السياق، المصالحة هنا تعني الاعتراف بأنّ العودة إلى سيرورة شبه طبيعية لما سبق اندلاع حرب لبنان عام 1975 كانت ممكنة شكلياً فقط، أو في مخيّلة عامة الناس التوّاقة لما قبل الحرب. غير أنّ الحرب الأهليّة جعلت من هذا الحلم أمراً مستحيلاً، وقد استشفيناه بعد ذلك منذ العام 1990. وفي الرواية، تجلّت المصالحة مع تلك الخيبة، كما كان النص أيضاً توثيقاً لأصواتٍ ظلت ترفض الشوائب، رغم الأزمة وفقدان سبل الاستقرار.
القلعة، المقبرة، المتحف، وبيت صاروفيم... كلها أماكن تُخبّئ حكايات قديمة، هل كنت تكتب المكان أم تكتبه الأماكن فيك؟
- سؤال جميل جداً، ولم أتوقع أن يُطرح عليّ من قبل. لعلّ ذلك لأنّي ميّال إلى القول إنّي كتبت هذه الأماكن في داخلي. وللمرة الأولى، يظهر هذا الكمّ من الأماكن بتفاصيله في ربا جبل لبنان في تجربتي الأدبية، بل وحتى في مساري الأكاديمي، كأنّها تنبض داخلي فعلاً قبل أن تنبض على الورق... وبغض النظر عن هذا، فإنّ هذه القرية المتخيّلة «عين سرار» هي من نسج الخيال صحيح، غير أنّ النصّ يحتوي على إشارات دقيقة تدل على موقعها، سواء باسم كنيسة البلدة المجاورة، أو المعبد ذاته، أو الإشارة إلى المطار الساحلي القريب، وغيرها من العلامات. أمّا بيت صاروفيم الغامض فقصّته قصة أخرى... قصة بيوت القرى والبلدات وحتى المدن، التي تتقمّص بزواياها طبيعة سكّانها، والتي يستمدّ سكّانها طباعهم من ميّزاتها.
يتقاطع الواقع العسكري (الكتيبة رقم 7) مع السياق الثقافي (المتحف)، هل كان هذا مجرّد وصف لوضع واقعي؟ أم أنّ في الأمر نقدا ضمنيّا لفكرة «احتلال الذاكرة»؟
- في الواقع، النص لا يكتفي بوصف الاحتلال العسكري للمكان، بل يصف أيضاً تعليق الذاكرة واستبدالها بسردية جديدة تطيح بتاريخ المكان، مستبدلة إياه بقصة عن بطولات جماعة ما. فقد احتلت هذه العناصر المكان، مثل معبد مار قرياقوس والمتحف القديم المحوّل إلى ثكنة، غير أنّه كما يظهر على لسان نزار الشاب الساذج، تبيّن أنّ هؤلاء ومن ساندهم وجدوا أنفسهم يروّجون لسردية تقول إنّ الآثار قد حمتها «قوى الأمر الواقع.» عملياً، كان هذا الوضع سائداً أثناء حرب لبنان، غير أنّ الفكرة تتجاوز وصف الاحتلال العسكري إلى كيفية تلقّي هذه الرواية من قبل اللبنانيّين وكيف وُلد التسامح والتساهل مع ظاهرة تبديل وجرف الذاكرة، وكيف تحوّل التاريخ إلى سردية مسيطرة على وعي الأجيال.
هل ترى في الكتابة فعل مواجهة؟ أم فعل اعتراف؟ وهل خرجت من هذا النص ككاتب مختلف عمّا كنت قبل الشروع فيه؟
- الكتابة هنا كانت ترتيباً لمخزون الذاكرة، وبالتالي فعل مواجهة لما سعينا لتلافيه أو لطمسه في وقت سابق، قبل أن نبدأ الكتابة. «صيف أرملة صاروفيم»، بطبيعة الحال، تركت أثراً لذيذاً بعد كتابتها محمّلاً بشحنة من الحنين إلى فصلٍ من فصول الماضي، وببعض الفرح في تدوين ما سُكت عنه.