اخبار لبنان

جريدة اللواء

ثقافة وفن

ثلاثية سوزان كولنز الفولاذية ودرامية ألعاب الجوع في رواياتها

ثلاثية سوزان كولنز الفولاذية ودرامية ألعاب الجوع في رواياتها

klyoum.com

«الطائر المقلد» من ثلاثية «سوزان كولنز» روايات صادرة عن «الدار العربية للعلوم ناشرون» وهي إحدى الفولاذية السردية التي يمكن وصفها بدقة، لإنها تفوّقت على مسلسل «ألعاب الجوع» والمستوحى من الثلاثية نفسها. إلّا أن سرد «سوزان كولنز» كان يحتاج لرؤية إخراجية أقوى. رغم أن المسلسل نجح نوعا ما، إلّا أنه سلب من رواية «الطائر المقلد» و«ألسنة اللهب» و«مباريات الجوع» قيمة السرد الفعلي الروائي، وسردية الصورة، بمجرد أن تكون دراميا قادرة على التوسيع الرؤيوي للمعنى العملي للكلمة التي أرادت لها «سوزان كولنز» أن تكون وظيفتها استدراك مساوئ الحروب على البشرية، ومنح المرأة قوة حياة تؤدي الى التفاعل وتحقيق الخير للإنسانية فوظيفة السرد في ثلاثيتها الروائية، كان يجب أن تشارك المشاهد الحاكمة للحدث مع قدرة الإتصال الذهني مع المشاهد، كما فعلت «سوزان كولنز» كتابيا. فقد استطاعت دعم الوظيفة الإيديولوجية لفكرة الطائر المقلد برمزيته وقوته، ومنحه لفتاة استطاعت خلق تحدّيات بعيداً عن الإنعكاسات الدرامية في مسلسل «الطائر المقلد» الذي يحمل من مباريات الجوع أفكاراً هي بحد ذاتها تعكس وظيفة السرد الروائي، وأهمية تبعية النص والصورة. فهل نستطيع درامياً تولّي وظائف الراوي بشكل كامل كما هي الحال في روايات كولنز؟ وهل استطاعت من خلال ثلاثية «مباريات الجوع» أن تفرض حالة من الإبتكارات الدرامية مشحونة بالنفس الروائي؟ وما معنى أن يكون الوسيط المرئي غنياً ومشبعاً بالسرد الممتع في الثلاثية بينما الفيلم كان بمثابة لعبة يمكن لها أن تتحوّل إلى ألعاب الكترونية مثيرة وجذابة. لكنها خالية من أهداف الكاتبة التي زرعتها في ثلاثية كي تعيد الإنسانية إلى توازنها بعيدا عن ألعاب الجوع التي انطلقت من الكابيتول المتحكم بالمقاطعات التي تئنّ تحت مقاتلات لا يبقى منها إلّا المنتصر. فهل الرمزية السياسية في الرواية هي حقيقة رؤية إنسانية تميل إلى تصحيج مجتمعات الشباب تحديداً؟

نشر الخلاف إعلامياً عبر شاشات يتحكم بها الرئيس سنو للإبقاء على الخلاف بين المقاطعات، وإن بدا ذلك من خلال الألعاب الدموية. إذ تقول في النهاية «لا يعلم أنهما يلعبان فوق مقبرة». فالحب لم يغادر الثلاثية والعقول تشتعل بالفوز في المباريات التي اصطبغت بنكهة الحروب البشرية برؤية حديثة. إلّا أنها تنوء تحت الماضي بكل مراحله، مما يعزز الحبكة التي بدأت بها كولنز، واستمدّ منها المخرج الرؤية التقنية بكل تفاصيلها، وقد نجح إلّا أنه تعمّد الإختزال وهذا سلب من الفيلم جمالية السرد الروائي. لأن كولنز في ثلاثيتها اعتمدت على الصورة الغنية وتحويلها إلى شكل من أشكال المباريات، لتصبح تحت مسمى ألعاب الجوع، ولكن في المسلسل الدرامي كانت السرعة تزيل من سرد النص متعة الهدوء عن القارئ في حين يستاء المشاهد من سرعة المشهد، وبالتالي قارئ هذه السلسلة سيجد متعته المفقودة دراميا في القراءة المتأنّية، والأسلوب السردي لروائية اهتمت بالمخاطر الحقيقية للإنسانية. فهل الحروب المستمرة في العالم هي مباريات أكثر سوءاً بكثير من مباريات الجوع ؟ أم أن سوزان كولنز تركت صورا للحروب المستقبلية بكافة أنواعها من خلال الطائر المقلد أو ألسنة اللهب؟ وهل الفقر والقتال والموت هو لعبة الأغنياء؟ وهل نحن تحت وطأة الأرستقراطية الحديثة التي لمّحت لها كولنز؟

يبلغ التشويق أشدّه في رواية «الطائر المقلد»، عندما نشعر أننا في مستقبل نجهل فيه كيفية الحروب التي يستخدم فيها ما هو نووي مع السهم البدائي، والذي يشكّل نوعا من المهارات التي يتقنها كل فرد من أفراد المشتركين بالمباريات التي لا يتبقّى منها إلّا المنتصر حيّاً على قيد الحياة، فالحكاية هي الجزء التكويني لهذه الملحمة التي يمكن لها أن تكون حالة تخيّلية لواقع قادم، ويمثل حالة تلخيصية لا تعفينا من التمنّي أن تكون هذه الثلاثية في أكثر من عمل درامي تتحدّى به كولنز فن الإخراج الذي لا يُلغي أحيانا متعة السرد ومحاكاة الوجود الإنساني عبر النص الذي يتحوّل من الراوي إلى المشاهد بحيث تؤدّي كل جملة إلى نوع من التمثيل الذي يثير دهشة القارئ والمُشاهد معاً؟

*المصدر: جريدة اللواء | aliwaa.com.lb
اخبار لبنان على مدار الساعة