اخبار لبنان

جريدة اللواء

ثقافة وفن

الطائفية لا الأقليات مشكلة لبنان التاريخية (1/2)

الطائفية لا الأقليات مشكلة لبنان التاريخية (1/2)

klyoum.com

لم يعد ثمة شك ان مشكلات لبنان الأساسية هي النظرة الى الأمور من منظار الدائرة الطائفية والولاء المذهبي، وتحويل الطائفة الى كيان مميّز عن بقية الطوائف، والأخطر من ذلك أن يصبح الجهد منصبا على إقناع كل طائفة بان سبب المشاكل والأزمات والعوائق التي تحول دون بلوغ المطامح المشروعة تكمن في الطوائف الأخرى، فأي غبن لاحق بطائفة سببه تسلّط طائفة أخرى، وهذا ما فتح شهية تدخّل دول خارجية بالشأن اللبناني.

بالعودة الى دروس وعِبَر التجارب التاريخية فإننا نجد ان التقسيم قد جُرّب حينما قسّم لبنان الى قائمقاميتين: احداهما مارونية والأخرى درزية، ولكن ذلك لم يقضِ على الأزمة الطائفية وإنما أدّى الى حرب عام 1842 وفجّر فتنة فيما بعد أكثر خطورة اندلعت نارها عام 1860.

ان نظام القائمقاميتين في جبل لبنان اثر حوادث 1860 الطائفية كان حصاد مخططات «اللجنة الدولية» التي ضمّت الدول الكبرى وقتذاك بريطانيا وفرنسا والنمسا وروسيا وبروسيا.

ان التدويل في عهد المتصرفية لم يكن الحل الملائم لمعضلة الطائفية وإنما فتح الباب على مصراعيه للتدخّلات الخارجية، حيث استغلّت دول غربية سياسة التنكيل بالأقليات والتي اتبعها الأتراك في استمالتهم والتعامل معهم ككيانات سياسية متفرقة، وقد أخضعت كل طائفة لدولة خارجية بعد أن أقام الموارنة بشكل خاص علاقتهم مع فرنسا، وانكلترا اعتبرت نفسها حامية للدروز، وأعلنت روسيا نفسها ناطقة بإسم الأرثوذكس، وراحت الدولة العثمانية تعمل على الإيهام بانها المدافعة عن حقوق المسلمين.. وهكذا توزعت الولاءات، وباتت كل طائفة بيد الدولة التي ارتبطت بها.

ان أبلغ وصف عن تعقيدات الحالة الانشطارية في لبنان وتدخّل الصراعات الطائفية بمصالح دول خارجية نجدها في رسالة بعث بها الزعيم الماروني يوسف بك كرم في عام 1857 الى البطريرك بولس مسعد التي وردت في كتاب «تاريخ لبنان العام» ليوسف مزهر، ومما قاله «لقد أصبحت أمورنا هذه الأيام تابعة لانكلترا أو فرنسا وانه إذا ضرب أحدهم زميله تصير المسألة انكليزية - فرنسية، وربما قامت انكلترا وفرنسا من أجل فنجان قهوة يهرق على الأرض».

وان الضمانات الأجنبية لحماية الطوائف في لبنان جرى تجربته أكثر من مرة خاصة خلال أعوام 1840 و1860، وكانت من نتيجته توزيع النفوذ الأجنبي على الطوائف وزيادة عوامل الشرخ والانقسام، ثم إعادة وحدة الكيان بوحدة شكلية لم تصمد أمام الرياح العاتية.

ان الدول الأجنبية تتدخّل حيث تجد نزاعا أو اضطرابات وتستغلّ الوضع المتفاقم لإذكاء الصراعات الطائفية والمذهبية لحفظ مصالحها في لبنان وعلى حسابه بحيث يصبح الهدوء والاستقرار والسلام رهناً بإرادة القوى الأجنبية ومصالحها، فيكون الصراع الأجنبي بصيغة محلية يسقط بها اللبنانيون على مذبح مصالح القوى المتصارعة الخارجية.

في عام 1920 أعلن الجنرال الفرنسي غورو إنشاء دولة لبنان الكبير بضم الساحل والجنوب والبقاع والشمال لجبل لبنان، وفي حينها رفض غالبية المسلمين الاستقلال عن منطقة بلاد الشام، وقد تم إقرار الدستور عام 1926 الذي حمل بين طياته عناصر متفجرة بإنتظار دستور آخر غير طائفي.

وضع لبنان تحت سلطة الانتداب الفرنسي وتشكّلت في حينه مؤسسات دستورية تتكوّن من رئيس جمهورية وحكومة ومجلس نيابي، وكانت خاضعة لسيطرة المندوب السامي أو الدولة المنتدبة.

دأب اللبنانيون على الكفاح لنيل الاستقلال واتفق اللبنانيون من كافة الطوائف والاتجاهات على أهداف وطنية، فأتى الاتفاق على الميثاق المسمّى ميثاق 1943 الوطني نتيجة لعدة عوامل تحمل عدة معانٍ وانعكاسات تلقي الضوء على مدى فعالية ومصداقية الاتفاق بالمقارنة مع التطورات اللاحقة، نذكر منها:

بعد فوز اميل اده بالانتخابات الرئاسية عام 1935 في مواجهة بشارة الخوري عمد اده الى إقالة «رئيس الوزراء» المسلم ليعيّن مكانه بروتستانيا.

في آذار عام 1936 عقد في بيروت «مؤتمر الساحل الموسّع» للفعاليات الإسلامية كردّ فعل وعلى اثر التدخّل الفرنسي السياسي انطلقت تظاهرات واسعة تطالب بحقوق الطوائف، ومنذ عام 1937 وبعد قيام الرئيس اميل اده بتكليف مسلم سنّي بتشكيل الحكومة تم تكريس هذا التقليد.

في أيلول عام 1939 تم تعليق الدستور مع اشتعال الحرب العالمية الثانية حتى تاريخ انتهائها.

ان ميثاق عام 1943 غير مكتوب لكنه أقرّ على توزيع المناصب والحصص والحقوق بشكل مؤقت، وفق ما ورد في البرنامج الوزاري الأول للرئيس رياض الصلح.

لقد جاء الميثاق ليكرّس تسوية ناتجة عن ظروف إقليمية ودولية حيث وافق المسلمون على التسوية بأن تكون رئاسة مجلس النواب ورئاسة الوزارة لهم، كما وافق المسيحيون عليها فكان الميثاق عبارة عن تنازلات متبادلة.

ان الجمود في النظام والتحوّلات الجذرية في الظروف السائدة حينها على اثر الحرب العالمية الأولى ثم عما كان عليه الحال أثناء الحرب العالمية الثانية وتداعياتها واستقلال الدول العربية تباعاً، وأزمة تقسيم فلسطين وانعكاساتها المباشرة على لبنان منذ عام 1947.

ان ظهور دولة إسرائيل أدّى الى ضرب لبنان في بنيته التي كانت ما تزال طرية العود في فترة نموّه الأساسية حيث ساهمت بالقيام بكل ما يضعف لبنان ويؤثر سلبا على استقلاله، واستغلال التناقضات الداخلية التي تعززت بحضور اللاجئين الفلسطينيين.

للأسف، لقد تشكّلت بعد الاستقلال دولة لمزارع الاقطاع الذي استخدم العصبيات الطائفية المذهبية، ونتيجة الخلاف على المشاركة في الحكم وعلى أسلوب اتخاذ القرار الوطني وموضوع المشاركة في الثروة الوطنية وإقرار العدالة الاجتماعية والتوازن السياسي، وحسم هوية لبنان، وسياسة الأحلاف في المنطقة العربية دخلت على لبنان مشاريع خارجية أدّت الى انتفاضة عام 1958 التي كادت أن تطيح بالكيان اللبناني حيث قامت أيضا عدة انتفاضات ردّاً على مظالم النظام القديم الذي نشأ مع الاستقلال والذي اتسم بغياب العدل السياسي والعدالة الاجتماعية وتحوّلت الديمقراطية الى واجهة مظهرية.

أمام هذا الواقع فقد استدعى الرئيس فؤاد شهاب عام 1959 بعثة ايرفد لإجراء مسح احصائي اجتماعي لدرس الوضع الاقتصادي والسياسي والاجتماعي في لبنان، وقد أعدّ لهذه الغاية الأب لوبريه رئيس البعثة تقريراً خلص الى توقعات حدوث انفجار داخلي دون عوامل خارجية وان نسبة 4% يحتكرون الثروة الوطنية فيما ان نسبة 96% من الشعب اللبناني محروما منها، وان نسبة 9% يعيشون تحت مستوى الفقر.

*المصدر: جريدة اللواء | aliwaa.com.lb
اخبار لبنان على مدار الساعة