الروائي المصري السيد شحتة لـ«اللواء»: «سرايا عمر أفندي» سردية للنفس البشرية التي تحتضر بسبب الخنق الرقمي
klyoum.com
أخر اخبار لبنان:
تصعيد يزداد خطورة كليب يعلق على اتهامات إسرائيل لإيرانالسيد شحتة يطلق في «سرايا عمر أفندي» صرخة تحذيرية من الغول الرقمي الذي يطاردنا حتى داخل غرف النوم وينتقل من خانة روايات الرعب الخارق القائمة على حكايات الجن والعفاريت إلى روايات الرعب الاجتماعي التي يتم فيها صناعة الأشباح رقمياً، وفي سطور الحوار التالي لـ «اللواء» مع الكاتب نلقي الضوء على الرسائل التي يبعثها في أحدث أعماله فإلى تفاصيل الحوار:
{ الرعب في روايتك ليس رعباً خارقاً بل رعب صمت اجتماعي، إلى أي مدى أردت أن تضع المجتمع أمام حقيقة أن المجتمع هو الذي يصنع أشباحه وليس العكس؟ هل ترى أن الصمت أشدّ تدمير من العنف نفسه؟
- هناك حالة فك وتركيب هائلة تحدث لكل واحد منا على مدار الساعة منذ سنوات طويلة، الذات لم تعد حرّة في تفاعلاتها مع العالم من حولها، ثمة من يعيد تشكيل الكثير من القناعات والمفاهيم باستمرار، يتم الأمر على مهل ووفق آليات معقّدة وبصورة غير مباشرة، المشكلة أننا على المستوى الخاص أصبحنا لا حول لنا ولا قوة، جميعنا نمضي مع التيار الجارف بعد أن فقدنا القدرة على الفعل حتى النخب المثقفة وأساتذة علم النفس والاجتماع أصبحوا منذ مدة عاجزين عن وضع آليات للإنقاذ أو حتى صياغة توصيف دقيق للواقع الذي فرضه طغيان الخوارزميات.
حتى تتأكّدي من حجم المأساة التي أسعى بصورة رمزية إلى تسليط الضوء عليها انظري إلى الفجوة التي تتضخم بصورة مضطردة بين الأجيال والتي وصلنا بسببها إلى قطيعة غير معلنة بين الآباء والأمهات وأبنائهم، سطوة الـ«سوشيال ميديا» يا سيدتي تفوق اليوم كل شيء نحن ننام ونصحو وأرواحنا وعقولنا في مكان آخر تماماً بعيداً عن عالمنا.
رواية «سرايا عمر أفندي» وفق هذا المفهوم يمكن اعتبارها سردية جديدة للنفس البشرية التي تحتضر بسبب تعرّضها إلى حالة خنق رقمي ورغم أن الفاعل معلوم والجريمة تقع أمام أعين الملايين فإنه يبدو أنه سينجح في مهمته دون أن يطاله أي عقاب.
حالة الصمت أو بالأدق التواطؤ المجتمعي التي نلمسها في الرواية هي تعبير عن المسؤولية الأخلاقية التي نتحمّلها جميعاً، لقد تحوّلنا من رعب العفاريت قديما إلى مرحلة يتم فيها عن طريق القوى التكنولوجية التي تحكم العالم صناعة أشباح على مقاس العصر الرقمي.
الاستسلام المجتمعي الكامل كارثة بكل المقاييس، نحن جميعاً نعيش وفي بيوتنا قنبلة رقمية موقوتة، الانفجار سيكون فظيعاً وأكبر بكثير من قدرتنا على الاحتمال، هل تتخيّلين كيف يمكن أن يصبح شكل الإنسان عندما يتم تجريده من آخر بقايا إنسانيته، سأضرب لكِ مثلاً بسيطاً، إزهاق روح بشرية لا يتطلب أكثر من لف خيط رفيع حول العنق ولكن هل سألت نفسك لماذا لا تحدث جريمة بهذه البساطة في عالمنا اليوم؟ السبب هو أن القتلة المتسلسلين تحوّلوا في حالات كثيرة إلى وحوش تستمتع بالقتل، نحن في عالم أكثر عنفاً يُباد فيه شعب كامل بطريقة لم تحدث في القرون الوسطى.
{ شخصية محمود تمرُّ من الانهيار إلى الكتابة، هل قصدت أن تكون الكتابة في الرواية علاجاً نفسيا أم فعل مقاومة؟
- محمود ابن الواقع الصعب الذي أشرت إليه سابقاً، شاب عربي تتجاذبه قوى شتى وتطارده أشباح لا حصر لها ورغم أنه وصل إلى حالة من الشهرة والدخل المعقول الذي مكّنه من الحياة بطريقة كريمة إلّا أنه لم يستطع أبدا أن يتخلص من عقدة الماضي، الكتابة في حالة محمود كما في حالتي هي وسيلة للهروب من الجنون الذي يداهمنا في كل ساعة، إذا لم يكتب محمود يا سيدتي وإذا لم أكتب أنا أيضاً سيكون مصيره ومصيري إما الجنون أو الانتحار، يؤسفني أن أقول إن المنطق ولم يعد، لقد أصبحت النزعة العدائية هي السائدة في الكثير من سلوكياتنا، في المواصلات العامة أو في الشارع يمكن أن تنشب مشادة كلامية بين شخصين تتطور سريعاً لمشاجرة لأن هيئة أحدهم لا تروق الآخر.
أظن أن الرسالة التي نستخلصها من محمود هي أننا سنبقى بخير طالما حافظنا على فعل الكتابة باعتبارها وسيلة للإفصحاء والمكاشفة، نعرّي فيها أنفسنا حتى ولو أمام المرآة داخل غرفنا نومنا على أمل أن نستعيد شيئا من سلامنا المفقود.
عندما نكتب نضع أطراف أصابعنا على الجروح ونتأكّد أننا لم نولد بهذه التشوّهات النفسية والسلوكية، كما تتكوّن لدينا أيضا قناعة بأننا يمكن إذا أردنا أن نستعيد جزءا من ذواتنا.
{ الأب في الرواية يختصر منظومة الصمت القروي، هل أردته شخصية مذنبة لأنه أخفى الحقيقة أم ضحية لنظام اجتماعي أكبر منه؟
- الأب في «سرايا عمر أفندي» هو ضحية للجدّ، علينا أن نعترف بأن صمت واستسلام الآباء مستمر في كل المدن والقرى، لا أحد لديه القدرة على تصوّر حجم تأثيرات الوحش الذي نربّيه داخل بيوتنا ونتركه مع صغارنا لساعات طويلة دون أي رقابة، ماذا نريد من أجيال لم تجد من يحصّنها بالوعي ولم تسمع عن المفاهيم التي تربّينا عليها ولم يقل لها أحد يوماً كلمة هذا عيب أو ذلك لا يصح، لا أخفي أن في الرواية إدانة غير مباشرة للأب ولكن هذا في الوقت ذاته لا ينفي كونه ضحية لتسونامي اجتماعي أكبر منه بكثير ويفوق قدراته بمراحل.
غربة الآباء عن بيوتهم لو استمرت بهذا الشكل ليس معناها سوى اصطدام السيارة المسرعة بالجبل الشاهق، الأب والأم والمجتمع بأسره سوف يدفعون ثمن هذه الحالة من الرضوخ لحالة الاستعمار الرقمي هذه.
«سرايا عمر أفندي» هي صرخة قوية ورسالة إلى من يهمّه الأمر ولديّ ثقة كبيرة في أن هناك من سيتلقّفها ويقف أمامها ولو بعد حين، هي سردية عن عذابات الإنسان الذي تاه في البرية وأظن أنه سيجد نفسه يوماً ما.
{ هل ترى الأجيال الجديدة في مجتمعاتنا محكومة بإعادة إنتاج الصمت أكثر من إنتاج الحقيقة؟
- الأجيال الجديدة ضحايا صمتنا واستسلامنا، شغلنا أنفسنا بتوفير كل وسائل الإشباع المادي لهم وتركنا أرواحم تزبل أمام أعيننا، للأسف براءتهم تذبح منذ الطفولة، كلنا يعمل لأكثر من دوام حتى يوفر لأبنائه المأكل والمشرب ومصروفات التعليم الباهظة ولكن من منا ينفتح عليهم، يدير حواراً معهم، يصادقهم.
اليوم نجد أطفال صغار في الحادية عشر من العمر، مثل ابنتي الوسطى إلين، يستشيرون «شات جي بي تي» حتى في طريقة التعامل مع الأمهات والمدرّسات في المدرسة وأصبحت الألعاب الإلكترونية هي كل عالمهم.