اخبار لبنان

جريدة اللواء

ثقافة وفن

د. مصطفى قراعلي: من الاغتراب إلى القيادة... مشروعٌ وطني ينطلق من طرابلس لبناء لبنان جديد

د. مصطفى قراعلي: من الاغتراب إلى القيادة... مشروعٌ وطني ينطلق من طرابلس لبناء لبنان جديد

klyoum.com

حوار: رامي ضاهر

في زمنٍ تراجعت فيه الثقة بالدولة، وتصدّر فيه خطاب الطوائف المشهد السياسي، يعود الدكتور المهندس مصطفى محمد قراعلي من أستراليا لا ليبحث عن مكانٍ في المشهد القديم، بل ليقود انطلاقةً سياسيةً وطنيةً جديدة من قلب طرابلس - المدينة التي لطالما همّشها النظام - حاملاً مشروعاً مدنياً جامعاً تحت مظلّة «حزب الشباب الوطني»، برؤية إصلاحية شاملة تنطلق من الشمال لتصل إلى كل بيت لبناني، وتستعيد ثقة الناس بوطن يستحق أكثر.

من أستراليا إلى لبنان، ومن أروقة جامعة هارفرد إلى شوارع طرابلس، عاد الدكتور مصطفى قراعلي ليجمع بين العلم والانتماء، حاملاً مشروعاً مدنياً يتجاوز الاصطفاف الطائفي، ويؤسّس لشراكة وطنية حقيقية. بعيداً عن الشعارات التقليدية، يضع الشباب وقضاياهم في قلب رؤية إصلاحية شاملة، تستند إلى العدالة والمواطنة والمؤسسات، وتنطلق من الشمال لتصل إلى كل لبنان.

في هذا اللقاء الخاص يفتح الدكتور مصطفى قراعلي، في حوار صريح وجريء أبواب تجربته الممتدة بين الأكاديميا والسياسة والهوية، كاشفاً خلفيات عودته من أستراليا، وملامح المشروع السياسي والإنمائي الذي يحمله، ويجيب على أسئلة المرحلة: ما هو دور طرابلس في إعادة بناء الدولة؟ كيف نكسر الطائفية؟ ولماذا لم يعد مشروع الدولة المدنية مجرّد خيار... بل بات ضرورة وطنية؟

من أستراليا إلى لبنان

وُلد الدكتور مصطفى محمد قراعلي في لبنان، لكنه ترعرع في أستراليا، حيث لم يكن مجرد مغترب يلاحق الفرص، بل مواطناً فاعلاً بلغ مواقع متقدّمة في الدولة والمجتمع، واختار أن يكون صلة وصل حيّة بين الجالية العربية ومؤسسات الدولة الأسترالية. انخرط في العمل العام مدافعاً عن قضايا الهوية والانتماء، وساهم في بناء جسور التفاهم وتمكين الشباب.

من منصبه كمستشار في رئاسة الحكومة الأسترالية، إلى إطلاق برامج دعم الشباب العربي بين عامي 2007 و2010، أثبت قراعلي أن الانتماء لا يُقاس بالجغرافيا بل بالالتزام. حمل قضايا لبنان إلى المنابر الدولية، وابتداءً من عام 2011، بدأ يعيد توجيه مساره نحو خدمة الوطن الأم، واضعاً نصب عينيه سؤالاً جوهرياً: كيف أُسهم في إعادة بناء الدولة التي تستحقها الأجيال القادمة؟

من الجذور إلى الجسور

في لحظة تقاطع بين الرغبة الشخصية في العودة إلى الوطن والتحوّلات الجيوسياسية في أستراليا، اتجه الدكتور مصطفى قراعلي نحو مسار أكاديمي يعمّق فهمه للجذور الحضارية المشتركة بين الشرق والغرب. دعمت الحكومة الأسترالية آنذاك مبادرات لتعزيز العلاقات مع العالمين الإسلامي والآسيوي، فكان قراعلي من أوائل الباحثين الذين انطلقوا لاكتشاف روافد الحضارة الإسلامية في بنية الفكر الغربي الحديث.

قادته هذه الرحلة إلى ماليزيا، حيث انكبّ على دراسة مخطوطات إسلامية يعود عمرها إلى 600 و700 عام، قبل أن ينتقل إلى البندقية، في قلب أوروبا، للغوص في الأرشيفات التاريخية أثناء تحضيره لرسالة الدكتوراه. هناك، توثّق بالدليل العلمي كيف انتقلت العلوم العربية – وخصوصاً الفلك – من سمرقند وبخارى إلى أوروبا ليُثبت أن النهضة الأوروبية قامت على تفاعل حضاري عميق مع الإرث العربي الإسلامي.

هذا المسار الفكري أوصله إلى جامعة هارفارد، حيث درّس لمدّة عامين عن الفكر العربي والإرث الحضاري المشترك، قبل أن يعود إلى أستراليا لقيادة مشروع شبابي فكري، ويلتحق بحزب الأحرار الحاكم، حيث تولّى رئاسة أحد فروعه، جامعاً بين الفكر والممارسة، بين الأكاديمية والسياسة.

وفي عام 2021، بدأ يمهّد طريق العودة إلى لبنان، عبر محطة الرياض، حيث أسّس فرعاً لشركة العائلة الأسترالية، ليُعيد وصل ما انقطع بين التجربة العلمية والجذور الوطنية، تمهيداً لإطلاق مشروع سياسي من نوع جديد.

من الطائفة إلى الدولة

مع مطلع عام 2022، عاد د. قراعلي إلى لبنان، لا كعائد من غربة طويلة فحسب، بل كحامل لمشروع وطني جامع ينطلق من طرابلس ليعيد رسم معالم العمل السياسي في البلاد. لم تكن العودة مجرّد انتقال جغرافي، بل التزاماً بقيادة تحوّل جذري يعيد الاعتبار لفكرة الدولة، ويُخرج السياسة من محاور الطوائف إلى فضاء المواطنة.

لأنه يعتبر أن جوهر الأزمة في لبنان ليس مادياً فحسب، بل أزمة هوية وطنية ضاعت في زواريب الانقسامات الطائفية والاصطفافات الفئوية.

«لبنان لا يحتاج إلى من يُتقن خطاب الطوائف، بل إلى من يُتقن بناء الدولة. نحن بحاجة إلى وطن يُخاطب الناس كمواطنين، لا كمذاهب».

ويعتبر أن أدوات السياسة الحديثة - إذا وُضعت في أيدٍ مخلصة - قادرة على إحداث تغيير حقيقي، لأنها تُعيد تعريف الشأن العام كأداة للعدالة، والحماية، وصون الكرامة، لا كوسيلة محاصصة وتوريث.

تتلخص رؤيته بالنقاط التالية:

- الدولة المدنية ليست ترفاً، بل الضمانة الوحيدة لاستقرار دائم.

- الاستقرار السياسي هو الأساس الجاذب لأي استثمار أو إصلاح اقتصادي.

- وحدة الصف الداخلي ليست شعاراً، بل شرط سيادي لمواجهة أي تهديد خارجي.

هذا المشروع، كما يراه قراعلي، ليس نظرياً ولا مؤجلاً. بل هو نداءٌ صادق للعبور من الهويات الضيقة إلى وطن يستحقنا ويستحق أن نعمل من أجله.

طرابلس... مدينة لا تُختصر ولا تُستثنى

في حديثه عن طرابلس، شدّد د. قراعلي على أنّ المدينة ليست هامشاً ولا استثناءً، بل قلبٌ وطني نابض يستحق موقعه في صلب المعادلة اللبنانية. رفض الروايات التي تختزل طرابلس بالتهميش أو توصمها بالجهل والتطرف، مؤكداً أن المدينة كانت - ولا تزال - منبعاً للفكر والانتماء والعطاء الوطني.

وأشار إلى الإرث العريق لحزب الشباب الوطني، أول حزب سياسي تأسّس في لبنان عام 1932، وقدّم أربعة شهداء على درب الاستقلال - شهداء استذكرهم رئيس الجمهورية في خطابه الرسمي. واليوم، يعود ليجدد هوية الحزب الوطنية، وينطلق من طرابلس ببداية سياسية جديدة تضع الشباب في قلب القرار، وتعيد الاعتبار للمواطنة، ولعدالة الدولة.

ويقول بثقة:

«طرابلس لم تكن يوماً عبئاً على الدولة، بل كانت دائماً مشروع دولة. كانت عروس الثورة، واليوم هي مؤهّلة لأن تكون نقطة الانطلاق نحو لبنان الجديد».

الهجرة والشباب

يرى د. قراعلي أن لبنان لا يمكنه أن ينهض بينما نصف شعبه يعيش خارج حدوده. فالهجرة، برأيه، ليست مجرد ظاهرة اجتماعية، بل مؤشّر خطر على عمق الأزمة الوطنية.

ويُميّز بين جيلين من المهاجرين: «الهجرة القديمة كانت تحنّ إلى الوطن وتحمله في وجدانها... أما الهجرة الجديدة، فهي تهرّب من وطن لم يعد يمنح الأمل ولا يصون الكرامة.

ومن هذا الواقع لا يجب أن يبقى التعامل ضمن خانة المجاملات الرسمية، بل يتحوّل إلى أولوية استراتيجية:

«لبنان يحتاج الى وزارة للمغتربين تقف جنباً إلى جنب مع وزارة الاستثمار، لأن اللبنانيين في الخارج ليسوا مجرد جالية بل مورد استراتيجي. إنهم ثروة حقيقية تختزن العلم، والمال، والخبرات، والانتماء… وعلينا أن ننظر إليهم كأولوية تنموية لا كملف انتخابي هامشي لأن لبنان لا يعيش بنصف شعبه… ولا ينهض إلا إذا عاد أبناؤه شركاء في قراره، وصنّاعاً في نهضته».

الطائفية... أزمة الأزمات

يضع د. قراعلي الطائفية في صميم أزمات لبنان المتراكمة، معتبراً إيّاها «الخلل البنيوي الأخطر» الذي يمنع قيام الدولة، ويحوّلها إلى ساحة صراعات لا مؤسسات، لأن «الطائفية ليست مجرد خلل دستوري... إنها منظومة تعطّل المحاسبة، وتُفكّك الوحدة الوطنية، وتفتح الباب أمام التدخّل الخارجي».

ويرى أنّ التعامل مع الطائفية يجب أن ينتقل من التوصيف إلى المعالجة، فلبنان لن يصمد كدولة إذا بقيت طوائفه أدوات بيد الآخرين «لبنان سمكة صغيرة في محيط إقليمي هائج… ويجب أن تتعلم كيف تسبح بحكمة. إذا تحوّلت كل طائفة إلى ملف عند دولة خارجية، منبطل دولة... منصير ساحة».

الشباب والسياسة...

يرى د. قراعلي أن مستقبل لبنان يبدأ من شبابه... لا من زواريب المحاصصة. ويرى أن أي نهضة حقيقية تتطلّب نظاماً سياسياً جديداً يُخرِج السياسة من عباءة الطائفة ويعيدها إلى جوهرها: خدمة الناس.

«ما بدي كون بحزب طائفي... بدي أنتمي لوطن. الزعامة السياسية مش امتياز لعيلة أو طائفة، بمسؤولية نابعة من ثقة الناس».

ويطرح خارطة طريق واضحة للإصلاح السياسي:

- لبنان دائرة انتخابية واحدة.

- اعتماد النظام النسبي.

- خفض سن الاقتراع إلى 18.

- إلغاء القيد الطائفي والمناطقي.

«غير هيك رح نبقى نكرّر نفس الأزمة... ولبنان بيضل مشروع وطن، مش وطن».

وعن الشباب، يؤكّد أنّ معاناتهم اليوم ليست فقط في البطالة أو الهجرة، بل في غياب الشعور بأنّ هذا الوطن يعترف بهم ويستثمر فيهم. فالهجرة الحديثة ليست بحثاً عن طموح، بل هروب من واقع مسدود.

والحل بمشروع وطني جديد، «لا بوجوه جديدة على قواعد قديمة... بل بإعادة بناء الوطن من جديد. وطن يتجاوز الطائفية، يضع الشباب في قلب المعادلة، ويُعيد السياسة إلى موقعها الطبيعي: أداة عدالة، مش وسيلة نفوذ».

ويختم برسالة جامعة:

«بدنا نرجع نبني لبنان... سوا، من طرابلس لكل بيت، ومن كل بيت لكل لبنان».

*المصدر: جريدة اللواء | aliwaa.com.lb
اخبار لبنان على مدار الساعة