بعبدا في قلب القرار: وحدة داخلية ودعم خارجي لـ «الورقة الأميركية» وموقع عون
klyoum.com
بيروت ـ داود رمال
في لحظة استثنائية من تاريخ لبنان، تحولت رئاسة الجمهورية إلى محور استقطاب وطني جامع قل نظيره في الأعوام الماضية. فخلال الأيام القليلة الماضية، ثبت القصر الجمهوري في بعبدا وظيفته الدستورية والسياسية كمركز للقرار الوطني، ومكانا لبلورة التوافقات الداخلية والخارجية، خصوصا فيما يتصل بتعامل الدولة اللبنانية مع «الورقة الأميركية» التي حملها الموفد توماس باراك.
هذا التحول لم يكن مجرد مشهد بروتوكولي عابر، بل جسد مشهدا سياسيا لافتا من خلال توافد القوى السياسية اللبنانية، الحليفة منها والمعارضة، إلى القصر الجمهوري. زيارات متكررة ومتقاربة، جاءت من قادة كتل وشخصيات روحية ومرجعيات حزبية بارزة، كلها أشادت بموقف الدولة الرسمي، وأثنت على أداء رئيس الجمهورية العماد جوزف عون، معتبرة أن مقاربته للملفات الوطنية، وفي مقدمها ملف السلاح والسيادة والهدنة في الجنوب، تتسم بالواقعية السياسية والهدوء الاستراتيجي، وهما عنصران نادرا ما اجتمعا في هذه المرحلة.
في جوهر المقاربة الرئاسية، بحسب مصدر سياسي قال لـ «الأنباء»: «هناك حرص على حماية السلم الأهلي، وعلى عدم تضييع فرصة الحلول الديبلوماسية التي تلوح في الأفق، رغم العواصف الإقليمية التي تعقد المشهد. فالرئيس عون يوازن بين المتطلبات الداخلية لحماية وحدة اللبنانيين، وبين الالتزامات الخارجية للدولة اللبنانية. ويتعاطى مع الورقة الأميركية بوصفها فرصة يجب الاستفادة منها لا فرضا يرفض أو يمرر بلا شروط. هذا ما أعاد تأكيده الموفدون العرب والدوليون الذين زاروا بعبدا، وأعربوا عن ثقتهم بخيارات الدولة اللبنانية بقيادة رئيسها، مؤكدين أن التعاطي الرسمي مع الورقة الأميركية يظهر وعيا سياديا ورؤية وطنية واضحة».
الدعم العربي والدولي للموقف اللبناني الرسمي لم يقتصر على الجانب الشكلي أو على التصريحات المجاملة، بل عبر عن نفسه بإشارات إيجابية تبنى عليها خطوات مقبلة، وأوضح المصدر ان «أحد هؤلاء الموفدين تحدث صراحة أن رئيس الجمهورية لديه مقاربة واقعية لمسألة السلاح، وهو يضع اهتماما كبيرا لمعالجتها، وأن الاتفاق على مقاربة الدولة لهذا الملف بات وشيكا، وأن التفاصيل الدقيقة تدرس بعناية، ما يعكس وجود مسار داخلي منظم يدار بحرفية وهدوء من قبل الرئاسة».
ومن خلال النقاشات التي دارت في بعبدا حول ملفات المنطقة، وخصوصا بعد الحرب الإسرائيلية ـ الإيرانية، برزت مقاربة لبنانية متأنية، تسعى إلى تجنيب البلاد مزيدا من الانزلاق في النزاعات. وعبر الزوار عن «دعمهم الكامل للمقاربة المنطقية والواقعية التي يعتمدها رئيس الجمهورية، وقالوا انها تشكل ركيزة لأي توافق داخلي لبناني وأي تفاهم خارجي محتمل».
اللافت في هذه المرحلة أن التأييد الذي يمنح لرئيس الجمهورية لا يقتصر على القوى السياسية التقليدية المتحالفة معه، بل يتجاوز الاصطفافات التاريخية ليشمل قوى معارضة ومرجعيات دينية وروحية، ما يوحي بأن لبنان، رغم عمق أزمته، يمتلك لحظة مهمة من التوافق حول الرئاسة، وحول الدور الذي تلعبه في هذه المرحلة الحساسة.
ورأى المصدر ان «عون استطاع أن يفرض إيقاعا جديدا في التعاطي السياسي. إيقاع ينصت له الداخل ويراقبه الخارج. وقد تحول القصر الجمهوري في عهده إلى بوصلة سياسية فاعلة، تلخص اتجاهات القرار، وتستقبل الوفود بصيغة الحوار والانفتاح لا التنازع والتخندق. وفي زمن التصدع والانهيارات، من المهم جدا أن يجد اللبنانيون مرجعية وطنية يلتفون حولها، تعيد إلى الدولة معناها، وإلى القرار الرسمي هيبته».